سد الموصل.. قنبلة موقوتة تهدد بإغراق العراق

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن خفتت الأصوات السياسية والإعلامية والشعبية عن احتمالات انهيار سد الموصل، عادت القصة إلى الواجهة مجدداً، بعدما نشر نشطاء تسريبات وتحذيرات تؤكد خطورة الوضع في السد، ووصول تشققاته السفلية إلى مراحل متقدمة.

وتحذيرات من حدوث تسونامي يغرق العراق وتهديده حياة اكثر من 1,5 مليون شخص، وتلاشي مدن كبيرة تحت المياه، اضافة إلى الأضرار الجسيمة الأخرى، على الرغم من التطمينات من قبل الحكومة والشركة الإيطالية التي تشرف على صيانة السد، بأن الثغرات الموجودة تتم معالجتها يومياً بحقن مادة الأسمنت سريع الانجماد عند قاعدة السد، إلا أن الحكومة العراقية أعلنت حالة طوارئ في ظل تخوفات من استهدافه خلال المرحلة الثانية من تحرير الموصل.

ويؤكد محللون أن الخطر الأكبر الذي يهدد الناس في شمال العراق قد لا يتعلّق بمن يسيطر على المدينة والطرقات، بل بالسد نفسه، فإذا انفجر السد، سيتسبب على الأرجح في كارثة بمقاييس تاريخية، إذ أنه سيخلق موجة بطول 100 قدم (أي حوالي 20 متراً) تبتلع كل ما في طريقها على مدى 100 ميل (160 كيلومتراً).

وأضاف محللون أن ساحات واسعة من مدينة الموصل ستغرق بالكامل في أقل من 3 ساعات وعلى طول ضفة نهر دجلة، ستغرق بغداد خلال 3 أيام ما يؤدي إلى قتل نصف مليون شخص وتشريد 1.5 مليون آخر.

وتشهد العراق معارك مستمرة بين القوات الحكومية وتنظيم داعش، فيما يتم التعتيم على كيفية وصول الكميات الكبيرة من الإسمنت الخاص إلى المشروع من المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش، أو التي تدور المعارك قربها.

وفيما نفت الحكومة العراقية نبأ قرب انهيار السد، معتبرة أنها تهويل لحقيقة الأوضاع، تقول مصادر سياسية مطلعة إن رئيس الوزراء حيدر العبادي يشرف شخصياً على هذا الملف، ووجه باتخاذ جملة من الإجراءات لتلافي وقوع الكارثة.

خياران

وبحسب مقربين منه، فإن رئيس الوزراء عليه الاختيار بين أمرين، الإبقاء على مناسيب المياه مرتفعة في بحيرة السد، ما يفتح الباب على إمكانية وقوع فيضان كارثي، أو خفض مناسيب المياه والتسبب في حرمان مناطق واسعة من المياه، ما يعرضها لخطر العطش القاتل.

وقد تم طرح بدائل لهذا السد، الذي أنشئ عام 1984 ويبلغ طوله 3.2 كيلومترات وارتفاعه 131 متراً، ويعد أكبر سد في العراق ورابع أكبر سد في الشرق الأوسط، إلا أن تلك البدائل لم يكن بالإمكان الأخذ بها وتطبيقها، بسبب الظروف التي مر ويمر بها العراق، منذ بداية عقد الثمانينات، لحد الآن.

وقامت الحكومة العراقية بوضع مضخات لخلطات إسمنتية، تعمل على ملء الفراغات أسفل السد لتعزيز صموده، وذلك على مدى ستة أيامٍ أسبوعياً، الأمر الذي يعد حلاً غير فعال، علاوة على العجز عن الاستمرار في العمل يومياً بسبب المعارك. خوفاً من الكارثة.

نينوى قلقة

ويعرب النائب عن محافظة نينوى عز الدين الطابو في تصريح لـ «البيان» عن قلقه من انهيار هذا السد التاريخي قائلاً إن «الإهمال الذي تعرض له السد في الآونة الأخيرة، وتعرضه لاحتلال تنظيم داعش، لمدة قصيرة، أديا إلى بروز مشاكل إنشائية فيه، وان عدم الإسراع بمعالجة الانهيارات التي يتعرض لها السد ستكون له نتائج خطيرة وربما يؤدي إلى دمار شامل، ما يتطلب التحرك لتوفير الحماية اللازمة له، ولا يهم أن تكون تلك الحماية دولية».

ويشير الناطق باسم قوات حرس نينوى إلى ظهور العيوب في السد في فترة الثمانينات أثناء عمل الشركة التي انجزت المشروع، وهي عبارة عن تخسفات تحت السد كون الأرض كلسية والمياه تخرج من تحت الأرض فكان الحل الوحيد هو عملية التحشية، وقد عملت الحكومات السابقة على التحشية يومية بالكونكريت من اجل السيطرة على التسرب، لكن مع تقادم الزمن ازدادت عملية التخسف اكثر، وأصبحت تهدد بخطر جسيم.

السد البديل

ويضيف «كان هناك مشروع آخر لإنشاء سد بديل تم العمل عليه في فترة التسعينات ووصل إلى مراحل متقدمة، لكن العمل به توقف بعد عام 2003 بشكل كامل، ولو تم إكمال السد لزال الخطر نهائياً»، مؤكدا أن الخطورة بهذا الشأن تكمن في حالة عدم الإسراع بمعالجة السد.

وترى عضوة مجلس النواب العراقي زينب البصري، ضرورة قيام خلية الأزمة التي شكلتها السفارة الأميركية بكشف التقارير المتعلقة بطاقة تحمل السد، والمدة الزمنية التي يتحملها وإمكانية المعالجة، وأين وصلت أعمال الحقن الكونكريتية لأساساته.

مشيرة إلى أن «الكارثة البشرية والاقتصادية لن تشمل الموصل فحسب، بل ستؤدى إلى مقتل وتشريد أكثر من مليوني عراقي، واكتساح مياه السيول مسافة 500 كيلومتر ضمن امتداد دجلة، مكتسحة كل ما في طريقها، وستغمر المياه أجزاء كبيرة من بغداد تصل إلى ارتفاع 20 متراً».

وزارة الموارد تنفي

ونفى الناطق باسم وزارة الموارد المائية مهدي رشيد ما يتردد بشان انهيار السد، قائلاً «لا صحة لهذه الأنباء، والسد يعمل بشكل طبيعي وأعمال الصيانة مستمرة فيه، وهي ليست حديثة العهد»، ملمحاً إلى أن «سد بادوش البديل وصل إلى مراحل متقدمة بالتنفيذ إلا أن العمل توقف به فصار الاعتماد على سد الموصل.

ويؤكد مدير السد رياض عز الدين علي أن وضع سد الموصل جيد جدا ومطمئن ولا توجد أية مشكلة تثير القلق في الوقت الحاضر، وان أعمال التحشية مستمرة على مدار الساعة والنتائج إيجابية من ناحية الأسس وجسم السد، ولا توجد فيها أية تصدعات أو تشققات إطلاقاً لحد الآن.

ويضف علي أن مراقبتنا للسد مستمرة على مدار 24 ساعة، وهناك أكثر من 1500 جهاز وخلية تعمل لمراقبة السد، وجميع هذه الأجهزة لا تشير إلى أية مشكلة أو خلل في جسم السد أو أسسه، معتبرا أن بعض التصريحات التي نشرت مؤخرا والتي تفيد بأن سد الموصل على وشك الانهيار لا تستند إلى الواقع الحقيقي والوقائع العلمية للسد، وهي ثرثرة يراد بها خلق نوع من الإرباك لدى المواطنين.

تعاون أميركي

ويوضح مدير السد، أن «المستشارين الأميركيين زاروا المشروع مؤخرا، واطلعوا بشكل تام عليه، وقدموا الدعم من خلال نصب أجهزة متطورة جداً للإنذار المبكر لمراقبة سلامة السد، وحاليا تتم قراءة تلك البيانات بشكل متواصل، كما تتم متابعتها من قبل الخبراء والمستشارين الأميركيين وتعمل هذه الأجهزة عبر الأقمار الصناعية. لكن مشكلة السد لم تكن بنيوية.

فهو بُني بأساسات تستطيع تحمّل قصف جوّيّ (وهو ما حصل في حرب الخليج حينما قصفت المقاتلات الأميركية المولّد الخاص بالسد لكنه بقي وتؤكد تقارير متخصصة وصول التخسفات الأرضية تحت جدران السد إلى مراحل خطيرة، أدت إلى تزايد الشقوق في هذه الجدران وان أي تحرك خطأ خلال المرحلة الثانية من معركة تحرير الموصل قد يؤدي إلى انهياره.

وبحسب تقرير المهندسين، فقد كان السد، الذي بناه الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، هدفاً جذَب تنظيم داعش نظراً لأنه ينظم تدفق المياه إلى مدينة الموصل وإلى ملايين العراقيين الذين يعيشون على طول نهر دجلة. بين جدرانه، ترتفع مياه النهر 370 قدماً (113 متراً) عن الضفة. وخلفه يوجد خزان بطول 8 أميال (13 كيلومتراً) يحوي 11 مليار متر مكعب من المياه.

«داعش» والموصل

في العام 2014، احتلّ تنظيم مدينة الموصل، التي يقطنها نحو مليوني شخص، كجزء من حملة شرسة لبناء خلافته الجديدة في الشرق الأوسط (واليوم تدور معارك شرسة بينه وبين القوات العراقية التي تسعى لاستعادة المنطقة).

وفي 7 أغسطس 2014، اجتاح مقاتلو التنظيم الإرهابي قرية وانة العراقية وتوجهوا إلى سد الموصل الذي كان تحت سيطرة مقاتلين أكراد، فاستهدفوهم عن بعد ودارت معارك شرسة بينهم أفضت إلى هرب نحو 1500 عراقي كانوا يعملون على السد، ليتمكن التنظيم من إحكام سيطرته عليه ونهب وتدمير المعدات التي كان يستخدمها العمال. إلاّ أن الأكراد استعادوا سيطرتهم عليه بعد عشرة أيام.

المكان الخطأ

كشف مهندس مدني عراقي، عمل مستشاراً في سد الموصل، إن مشكلة السد أنه يقع في المكان الخطأ إذ أن أسساً مبنية على صخور قابلة للذوبان، ولذلك فإنه بحاجة إلى مئات الموظفين يعملون على مدار الساعة من أجل ضخ الإسمنت في قعر الأرض تحت السد من أجل إبقائه ثابتاً. ومن دون ذلك، تتفتت الصخور تحت السد ما يجعله ينهار.

حقائق مثيرة عن السد

يقع السد في منطقة تابعة لمحافظة نينوى إدارياً، لكن سلطات إقليم كردستان تعتبرها ضمن مناطقها وتعمل على ضمها إلى الإقليم. فتنظيم داعش يبعد عن السد 30 كيلومتراً، علماً أن السد أول منطقة في محافظة نينوى يتم استرجاعها من سيطرة تنظيم داعش من قبل قوات البشمركة الكردية.

للسد فوائد متعددة أهمها توليد الطاقة الكهربائية، وتزويد مشروع ري الجزيرة بالماء لسقي الحقول، فضلاً عن أهميتها في السياحة والثروة السمكية، وهاتان مهملتان ولم يتم استثمارهما من قبل الحكومة.

الحكومة رصدت 200 مليون دولار لصيانة السد، وهذا المبلغ يسيل له لعاب الكثير من الدول والشركات وحتى الساسة العراقيين.

الإصرار الأميركي على خطورة السد والتصريح بذلك من قبل العسكريين الأميركان يثير أمراً مهماً، قد تكون نيتهم تحويل السد إلى قاعدة عسكرية دائمة بذريعة حماية السد.

حقائق

جسم السد عبارة عن تل ترابي ركامي وليس كونكريت، قاعدته 130 متراً وعرض قمته 25 متراً، انهيار هذا النوع من السدود غير وارد. فحجم المخزون المائي للسد الآن أقل من نصف طاقته التخزينية، وهي غير كافية لجعله ينهار. في حال انهيار السد هناك إجراءات وقائية مصممة مع السد وهي انفتاح بوابات لتصريف الماء الزائد قبل وصول منسوبه لحالة الفيضان.

مناطق

•المناطق المتوقع حدوث الفيضان بها في الموصل: هي الرشيدية، العربي، الغابات، حي الشرطة، الأندلس، المهندسين، الفيصلية، الضباط، المالية، البعث، الجوسق، الكورنيش، الدندان. والماء بعد مدينة الموصل سوف تتشتت كميات كبيرة منه في حوض نهر دجلة وما يصل إلى باقي المدن لا يشكل عليه خطر الفيضان.

الحل الأمثل والنهائي للتغلب على مشكلة السد، قطع خط الرشح من خلال جسم السد ومن خلال الطبقة الجبسية تحت جسم السد بإنشاء جدار عازل من مواد جيولوجية وصناعية تتسم بمرونتها وعدم نفاذيتها للماء. وهذه الطريقة ستكون علاجاً فعالاً وناجحاً ونهائياً إذا ما صممت ونفذت بطريقة صحيحة.

Email