من جحيم الإرهابيين إلى ويلات المخيمات

نازحو العراق.. أزمة مستمرة مع خطورة ما بعد «داعش»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

تنشر وسائل الإعلام العراقية بين حين وآخر اخباراً عن اعادة 200 او 300 عائلة نازحة الى مناطقهم الأصلية، بعد شهور أو سنوات عاشوها في ذل مخيمات النزوح، وتعتبر تلك الوسائل العودة الجزئية للنازحين «مكاسب» و«منجزات»، فيما تسجل المنظمات الدولية وجود اكثر من 3.2 ملايين نازح في الداخل، وترجح نزوح اكثر من مليون مع اقتراب معركة الموصل.

وفي معظم المعارك التي خاضتها القوات الحكومية، ضد تنظيم داعش الإرهابي، تطلب من الأهالي مغادرة مناطق سكناهم، وفيما تعتبرهم «رهائن» عند داعش، يغادرون ليصبحوا «رهائن» داخل مخيمات النزوح، او عند الميليشيات، حيث يصعب العثور عليهم، والسبب بذلك انهم يصبحون «متهمين» لانهم لم يتركوا المناطق التي احتلها داعش.. ولكن، الى اين!؟ وبالتالي تحيط بهم نظرات الشك والريبة، وحتى الاتهام.

وفيما يرى الكثير من المراقبين، ان الحديث عن اعادة النازحين الى قراهم ومدنهم، سابق لأوانه.. ترجح مصادر سياسية وانسانية وصول العدد الى خمسة ملايين نازح، داخل البلاد، ومن دون احتساب الذين هاجروا الى الخارج. ولكن التساؤل المطروح هو: من الذي اضطر هؤلاء إلى النزوح؟ وكيف تتم اعادتهم؟

تتحدث اجهزة إعلام ان «داعش» هو الذي قام بتهجير هذا العدد الهائل من العراقيين، من دون المرور بالذكر على ان موجات النزوح الداخلي سبقت ظهور «داعش» بسنوات طويلة، نتيجة عمليات التطهير الطائفي والعرقي، التي ما زالت مستمرة.

تغطية

ويرى المحلل السياسي ساهر عبدالله ان «داعش» تم اتخاذه اداة للتغطية على موجات التهجير والنزوح السابقة واللاحقة، وظروف الحرب الدائرة التي لا تميز بين مدني ومسلح، اضافة الى اعتبار تلك المناطق «سنيّة تستحق المعاقبة»، لانها اصبحت حواضن لـ«داعش».

يقول رئيس منظمة بدر، قائد الحشد الشعبي، ان سبب سقوط الموصل بيد تنظيم داعش، هم أهل الموصل، الذين كانوا يتهمون الجيش العراقي، ما افقده التأييد الشعبي، ولكنه لم يذكر ان التأييد يكسب ولا يفرض، كما لم يبين مدى تأثير ذلك في 3 قرق عسكرية من المكون الشيعي، كانت في الموصل.

والآن، بعد الممارسات الخاطئة لتنظيم داعش، حدثت هجرة واسعة من الموصل، وخاصة من الأقليات، ولكن اجهزة الإعلام عموماً تتجاهل او تتناسى كم نزحوا من الموصل، ومن نينوى، وكم منهم عادوا الى المناطق التي تم تحريرها في المحافظة، ومنها قضاء سنجار الذي تمت استعادته قبل سنة من دون ان يعود اليه من اهله سوى العشرات.

انتقام

ويقول الإعلامي محمود الجنابي ان ناحية جرف الصخر، بين بابل وبغداد، مضت اكثر من سنة على اخراج تنظيم داعش منها، ولحد الآن لم يعد أحد من النازحين، بل على العكس، تم اقتياد المتبقين من سكان الناحية، بمن فيهم الشيوخ والأطفال والنساء، الى محاجر في محافظة بابل، لأنهم لم يهربوا من سيطرة تنظيم داعش، ولم يتركوا مزارعهم ومنازلهم، التي سيطرت عليها الميليشيات، وافرغتها من محتوياتها او فجرتها، والمبرر لاحتجاز هذه العوائل هو انهم يريدون تنظيف المنطقة من المتفجرات، وخشية على ارواحهم.

وما بين هذه وذاك، وقعت قرية بروانة في ديالى بيد الميليشيات، من دون قتال، لأنها كانت آمنة وتضم نازحين من مناطق ساخنة قريبة، ولأن الأهالي لم يرقصوا ويدبكوا، تم جمعهم في مبنى خارج القرية، وعزل الشباب منهم، وعددهم 72، حيث تم تنفيذ الإعدام بهم جماعياً.

ولأن الحرب كر وفر، يرى مراقبون ان نهايتها لا تبدو قريبة، وقد تطول سنوات، لذلك لا يوجد شيء اسمه استقرار، او عودة نازحين، بل العكس صحيح.

منع

ويشير المراقبون الى ان بعض المناطق التي كانت تبدو هادئة نسبياً، وتم اخراج تنظيم داعش منها، لا تزال ممنوعة على سكانها من العرب السنّة، فيما يمنع الشيعة الأكراد دخولها، ويفعل الأكراد الشيء نفسه مع الميليشيات الشيعية، ولا يبدو ان هناك حلاً في الأفق القريب لعودة سكانها النازحين.

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي سالم السالم ان الحديث عن عودة النازحين، يجب ان تسبقه توافقات سياسية، وتنفيذ العفو العام عن المعتقلين، والامتناع عن محاسبة العوائل والعناصر التي بقيت في مدنها وقراها التي سيطر عليها تنظيم داعش، اضافة الى تشكيل قوة مناطقية تتولى حماية المناطق التي تتم استعادتها من تنظيم داعش، واخراج الجيش والميليشيات منها، وقبل كل شيء اعادة البنى التحتية، والبنى الإنسانية التي انتهكتها الحرب.

كر وفر

يقول الإعلامي محمود الجنابي، ان لا حديث عن عودة النازحين في مناطق شمالي وغربي بغداد، لأن المعارك هناك كر وفر، فهذه القرية او تلك يسيطر عليها التنظيم، ثم تستعيدها القوات الحكومية والميليشيات، ثم يعود اليها تنظيم داعش، وهكذا.

Email