الجيش العراقي من ملاذ العرب إلى اللوذ بالفرار

قصة الغزو الذي أسلم المنطقة برمتها إلى المجهول

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

جموح الاستعلاء هو العنوان الأنسب لقصة غزو العراق للكويت في 2 أغسطس 1990، فقد خرج العراق من حربه مع إيران خلال ثمانينيات القرن المنصرم كأقوى جيش في المنطقة، حصيلته 55 فرقة عسكرية ومليون جندي متمرس و500 طائرة و550 دبابة، ولكنه في المقابل خرج من الحرب وقد ضمر اقتصاده بشدة، حيث أوردت تقارير حينئذ أن خسائر العراق من الحرب العراقية الإيرانية تمثلت في:

• خسائر الأسلحة والذخائر 100 مليار دولار.

• الخراب في البنية التحتية والمباني 35 مليار دولار.

• الخسائر في العائدات النفطية 15 مليار دولار.

وعندما قامت الحرب كان لدى العراق من المدخرات ما يقارب 30 مليار دولار. ولكن عندما وضعت الحرب أوزارها تبخرت تلك المدخرات وأصبحت البلاد مدينة بما يقارب 100 مليون دولار، تبلغ فوائدها السنوية سبعة مليارات دولار، وهي قروض من الدول العربية (معظمها لحساب المملكة العربية السعودية والكويت)، والدول الأجنبية ومؤسسات المال الدولية وهكذا ربما تخيل العراق أن غزو واحتلال الكويت هو الحل الوحيد لأزمته الاقتصادية في ظل وفرة القوة واتساع الجيش.

يجب أن نفرق بين الأسباب الكامنة التي دفعت بالنظام العراقي إلى غزو الكويت في 2/8/1990، وبين التبريرات أو الذرائع التي قدمها للعالم الخارجي لتبرير فعلته. والأسباب الحقيقية التي تكمن وراء الغزو الغاشم كثيرة، منها الأوضاع الاقتصادية المتردية داخل العراق على إثر الحرب العراقية الإيرانية، وتعذر إدماج القوة العسكرية البشرية في المجتمع المدني بسبب طبيعة نظام الحكم في العراق وهو حكم شمولي يعتمد أساساً على القوة العسكرية.

ويمكن تلخيص الحجج العراقية لتبرير الغزو في ادعاءين:

- تجاوز الكويت لحقوقها في حقل الرميلة / الرتقة.

- دور الكويت في انخفاض أسعار النفط.

وحقل الرميلة/ الرتقة حقل مشترك بين الكويت والعراق، ويسمى في الجانب العراقي حقل الرميلة ويسمى في الجانب الكويتي حقل الرتقة، وعندما يمتد حقل بين أكثر من دولة، فالأسلوب المتبع عادة في استغلال الحقل، هو أن تبعد كل دولة عن الحدود بمسافة كيلومتر، وتحفر كما يحلو لها.

وبالنسبة لذريعة أسعار النفط، فإن الكويت كانت دائماً تضحي في سبيل استقرار أسعار النفط، ففي اجتماع أوبك في 3/5/1990 -2م تم تخفيض سقف أوبك بمقدار 445 ألف برميل للعمل على استقرار السوق النفطية. وقد تحملت الكويت والسعودية والإمارات الجزء الكبر من التخفيض. وقبلت الكويت ذلك مع وعد باستعادة حصتها عندما يستقر السوق وترتفع الأسعار.

وفي الحقيقة فإن سبب إصرار العراق على رفع الأسعار أنه كان قد وصل إلى طاقته الإنتاجية القصوى، وما دام أنه لا يستطيع زيادة الإنتاج، فالحل الوحيد أمامه لزيادة موارده هو أن يرتفع سعر النفط، والوسيلة غير المباشرة التي كان يلجأ إليها العراق لرفع السعر هي الضغط على الدول الأخرى الأعضاء في منظمة الأوبك لخفض إنتاجها.

 

وجاء الثاني من أغسطس

شن الجيش العراقي هجوماً على الكويت في 2 أغسطس 1990 استغرقت العملية العسكرية يومين، وانتهت باستيلاء القوات العراقية على كامل الأراضي الكويتية في 4 أغسطس، وفي التفاصيل فإنه وفي الساعة 02:30 من فجر يوم 2 أغسطس هاجمت كتيبة مشاة بحرية عراقية مدعمة بالدبابات جزيرة بوبيان من الجنوب وكان على الجزيرة حامية عسكرية كويتية، وهاجمت أيضاً القوات العراقية جزيرة فيلكا واشتبكت مع حاميتها.

وفي العاصمة أنزلت قوات جوية وبحرية في ساعات الغزو الأولى ودارت اشتباكات حول قصر دسمان (قصر الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح) مع قوات الحرس الأميري وبحلول نهاية يوم الثاني من أغسطس كانت القوات العراقية قد سيطرت على غالب الأراضي الكويتية.

وجرى تشكيل حكومة صورية برئاسة العقيد علاء حسين خلال 4 - 8 أغسطس تحت مسمى جمهورية الكويت، وسرعان ما أعلنت الحكومة العراقية يوم 9 أغسطس 1990 ضم الكويت للعراق، وإلغاء جميع السفارات الدولية في الكويت، إلى جانب إعلان الكويت المحافظة 19 للعراق وتغيير أسماء الشوارع والمنشآت.

 

النتائج وردود الأفعال

بعد ساعات من الاجتياح العراقي للكويت، الذي استمر سبعة شهور، طالبت الكويت والولايات المتحدة بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن وتم تمرير قرار مجلس الأمن الدولي رقم 660 والتي شجبت فيه الدول الأعضاء الاجتياح، وطالبت بانسحاب العراق من الكويت. وفي 3 أغسطس عقدت الجامعة العربية اجتماعاً طارئاً وقامت بالإجراء نفسه، وفي 6 أغسطس أصدر مجلس الأمن قراراً بفرض عقوبات اقتصادية على العراق.

وفي خضم الحشودات العسكرية، التي بدأت بالتدفق إلى السعودية في 7 أغسطس ووصلت إلى نحو 500 ألف عسكري، صدرت سلسلة من قرارات مجلس الأمن والجامعة العربية وكانت أهمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 678، والذي أصدر في 29 نوفمبر وحدد فيه تاريخ 15 يناير 1991 موعداً نهائياً للعراق لسحب قواتها من الكويت وإلا فإن قوات الائتلاف سوف «تستعمل كل الوسائل الضرورية» لتطبيق القرار.

حرب تحرير الكويت

 

انطلقت عملية عاصفة الصحراء من أجل تحرير الكويت في 17 يناير إلى 28 فبراير 1991، وخاضت الحرب قوات التحالف المكونة من 34 دولة، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ضد العراق بعد أخذ الإذن من الأمم المتحدة لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي.

 

بداية الحشد

بدأ الرئيس الأميركي جورج بوش (الأب) بإرسال القوات الأميركية إلى السعودية، وقد سميت هذه العملية باسم درع الصحراء، وفي الوقت نفسه حاول إقناع عدد من الدول الأخرى بأن ترسل قواتها إلى مسرح الأحداث. فأرسلت ثماني دول قوّات أرضيّة لتنضم إلى القوات الخليجية المكونة من السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والكويت، وعُمان، وقطر، وألوية الولايات المتحدة الثقيلة، البالغ عددها 17 لواءً، والخفيفة البالغ عددها تسعة ألوية، بالإضافة إلى تسعة أفواج بحرية أميركية.

امتلك العراق في المقابل بضعة زوارق مدفعية وزوارق حاملة للصواريخ، ولكنه عوّض عن هذا النقص في عدد القوات الأرضيّة الهائل، والبالغ 1.2 مليون جندي، و550 دبابة، 5.100 مدرعة أخرى، و3850 قطعة مدفعية.

 

استنزاف الجيش العراقي

اعتمدت إستراتيجية التحالف على حرب الاستنزاف حيث تم إضعاف الجيش العراقي بالحرب الجوية على مدى 43 يوماً. وتعتبر هذه المواجهة الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية حيث تواجه نحو مليون جندي تصاحبهم الآليات المدرعة وقطع المدفعية مسنودة بالقوة الجوية؛ حاول العراق في اللحظات الأخيرة تجنب الحرب، ففي 22 فبراير 1991 وافق على مقترح سوفييتي بوقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي الكويتية خلال فترة قدرها ثلاثة أسابيع على أن يتم الإشراف على الانسحاب من قبل مجلس الأمن.

 لم توافق الولايات المتحدة على هذا المقترح ولكنها تعهدت بأنها لن تقوم بمهاجمة القطاعات العراقية المنسحبة وأعطت مهلة 24 ساعة فقط للقوات العراقية بإكمال انسحابها من الكويت بالكامل الأمر الذي بدا مستحيلاً.

حققت العمليات نصراً مهماً مهد لقوات التحالف للتوغل داخل أجزاء من العراق، بعد تحرير كامل التراب الكويتي.

وفي 26 فبراير بدأ الجيش العراقي بالانسحاب بعد أن أشعل النار في حقول النفط الكويتية وتشكل خط طويل من الدبابات والمدرعات وناقلات الجنود على طول المعبر الحدودي الرئيسي بين العراق والكويت، وقصفت قوات التحالف القطاعات العسكرية المنسحبة من الكويت إلى العراق ما أدى إلى تدمير ما يزيد على 1500 عربة عسكرية عراقية.

الخسائر العراقية شملت ما بين 70000 إلى 100000 قتيل و30000 أسير. بالإضافة إلى تدمير نحو 4000 دبابة و3100 قطعة مدفعية و1856 عربة لنقل القوات. كما تم تدمير حوالي 240 طائرة.

 

تداعيات مدمرة

بعد انتهاء الحرب عانى الجيش العراقي من تدمير قطاعاته وأمست الحكومة العراقية في أضعف حالاتها، وكان كل المراقبين يتصورون أنه سيتم الإطاحة بحكومة الرئيس صدام حسين، وقام الرئيس الأميركي بصورة غير مباشرة بتشجيع العراقيين على القيام بثورة ضد الرئيس، حيث صرح أن المهمة الرئيسية لقوات الائتلاف كانت تحرير الكويت وأن تغيير النظام السياسي في العراق «شأن داخلي» وبدأ تذمر واسع النطاق بين صفوف الجيش العراقي المنسحب .

وبدأت ما تُسمى بالانتفاضة العراقية لسنة 1991 عندما صوب جندي مجهول فوهة دبابته إلى أحد صور الرئيس صدام حسين في أحد الساحات الرئيسية في مدينة البصرة وكانت هذه الحادثة الشرارة الأولى للانتفاضة التي عمت جنوب العراق وتبعتها المناطق الشمالية، ولكن وحدات الحرس الجمهوري وبعض قيادات الجيش ظلت موالية للرئيس العراقي وأخمدت نيران الانتفاضة بسرعة. وبدأ الأكراد في الشمال بالنزوح بالملايين نحو الحدود العراقية مع إيران وتركيا.

ويُرجح معظم المؤرخين أن سبب فشل الانتفاضة كان اتفاقاً عقد في سفوان وعرف باسم اتفاقية خيمة سفوان وفيه سمح قائد القوات الأميركية نورمان شوارزكوف لقيادات الجيش العراقي باستعمال المروحيات التي استعملت بكثافة لإخماد الانتفاضة.

كما نتج عن حرب الخليج الثانية تدمير بنية العراق التحتية وجيشه وحرسه الجمهوري الذي كان يعد من أقوى جيوش المنطقة، وتم فرض عزلة شديدة على تلك البلاد إثر قرار هيئة الأمم المتحدة فرض عقوبات اقتصادية خانقة عليها استمرت 13 عاماً عانى منها البلد بشدة.

وأدى الحصار إلى ارتفاع نسبة التضخم ليصل إلى 2400 في المئة في العام 1994. كما أدى الحصار إلى هجرة أكثر من 23 ألف باحث وطبيب ومهندس عراقي إثر انخفاض معدلات أجر الفرد إلى أكثر من النصف. وقد صاحب الحصار ارتفاع معدلات وفيات الأطفال وسوء التغذية وانخفاض معدلات التحصيل العلمي.

 

انهيار

عقب سقوط بغداد في 9 أبريل 2003 تفكك الجيش العراقي. وفي 13 ديسمبر 2003 ألقي القبض على صدام حسين وانطوت صفحة العراق القوي الموحد جذرياً.

ومنذ أن تبدد الجيش العراقي ذو الصيت والسطوة جراء الاحتلال، أفلت عقال الاستقرار وهيبة الدولة من يد السلطة المركزية في العراق وخضعت الحياة العامة للفوضى ولنفوذ الطائفية وميليشياتها إلى اليوم.

 

احتلال العراق قاد إلى تفكك أوصال الدولة

منذ انتهاء حرب تحرير الكويت في العام 1991 استمرت العلاقات المتوترة بين العراق من جهة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأمم المتحدة من جهة أخرى، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر وإدراج اسم العراق في «محور الشر» بدأت الجهود الدبلوماسية الأميركية بالتحرك للإطاحة بحكومة صدام حسين.

اعتبرت الولايات المتحدة عودة المفتشين الدوليين عن أسلحة الدمار الشامل شيئاً لا بد منه بعد أحدات 11 سبتمبر. في نوفمبر 2002 مرر مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم 1441 الذي دعا إلى عودة لجان التفتيش عن الأسلحة إلى العراق وفي حالة رفض العراق التعاون مع هذه اللجان فإنها ستتحمل «عواقب وخيمة».

لم يذكر القرار رقم 1441 كلمة استعمال القوة. وعندما وافق عليه مجلس الأمن بالإجماع لم يكن في تصور الدول المصوتة أن العواقب الوخيمة كانت محاولة دبلوماسية من الولايات المتحدة لتشريع الحملة العسكرية.

بعد سقوط بغداد في 9 أبريل 2003، دخلت القوات الأميركية مدينة كركوك في 10 أبريل وتكريت في 15 أبريل 2003 وتعرضت مؤسسات الدولة العراقية للنهب.

ومن السرقات التي حصلت وكان لها دور بارز في الأوضاع السياسية في العراق بعد 9 أبريل 2003 نهب آلاف الأطنان من الذخيرة الحربية من معسكرات الجيش العراقي، وسرقة مركز للأبحاث النووية في التويثة وكميات اليورانيوم الذي كانت فيه، حيث نقلتها شاحنات إلى جهات مجهولة.

Email