تقارير «البيان»

صنعاء عنوان المذهبية .. وعدن رمز المقاومة

ت + ت - الحجم الطبيعي

على وقع الغارات الجوية التي تستهدف معسكرات ومخازن أسلحة ومنازل قادة في جماعة الحوثي والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح تفقد صنعاء عاصمة الدولة اليمنية الكثير من رصيدها السياسي والاجتماعي كمدينة جمعت كل أطياف المجتمع وتدفع مع انتشار الميليشيات المسلحة في كل أحيائها وغياب مؤسسات الدولة نحو تحويلها إلى عنوان مذهبي لا رمزا للوحدة الوطنية.

تعطلت مؤسسات الدولة عن العمل باستثناء البنك المركزي، وأجهزة الشرطة والأمن أضحت في قبضة المسلحين الحوثيين الذين يتواجدون بأعداد قليلة في شوارع المدينة نهارا وبكثافة شديدة ليلا يخضعون المارة لتفتيش دقيق، في حين أن الصحافيين والنشطاء باتوا الهدف الأول لأنشطة أجهزة الاستخبارات التابعة لجماعة الحوثي، في ظل انحسار كبير للنشاط السياسي ببعده الوطني لصالح خطاب جهوي ومذهبي ظل غائبا لسنوات طويلة.

رموز مذهبية

وفي شوارع صنعاء ترتفع لوحات ترمز لمذهبية لم يكن اليمنيون يعرفونها بهذه الحدة وملصقات تنتشر هنا وهناك تحرض مذهبيا وسياسيا ليس للمدينة سابق عهد بها، حيث نصب أنصار الحوثيين لوحات ضخمة تضم صور سياسيين وناشطين وصحفيين وصفوا بالعملاء والخونة، ضمن حملة تشهير بمعارضيهم، فيما تغرق المدينة بالظلام منذ شهرين، وساكنوها فروا منها إلى الأرياف ومن تبقى عليه تمضية يومه بين طوابير محطات البنزين أو طوابير بيع الغاز المنزلي.

وتبدو صنعاء غير قادرة على أن تظل عاصمة تاريخية لليمن كما كان اليساريون يحبون تسميتها، فالخطاب المناطقي أصبح حاضرا في الأسواق وفي النقاشات، ويكون أكثر حدة في وسائل المواصلات، في صورة تظهر وكأن المدينة يراد لها أن تتخلى عن هويتها الوطنية لصالح خطاب مذهبي ونزوع جغرافي. الدوائر الحكومية شبه مغلقة إلا البعض منها الأعمال توقفت والبؤس يلازم الناس في حركتهم اليومية، والافق مسدود بانسداد مسار التسوية السياسية، ولم يعد للناس من أمنيات سوى أن تتوقف أخبار القتل التي أصبحت وجبات يومية منذ سقوط المدينة بيد الانقلابيين في 21 سبتمبر الماضي.

العاصمة البديلة

اما عدن وهي العاصمة الاقتصادية للبلاد والتي كان يراد لها أن تكون العاصمة البديلة إلى حين انتهاء الانقلاب والتي تصدرت أيضا مقاومة الحوثيين وقوات صالح، فإنها باتت مدينة أشباح حيث طال الدمار كل أحيائها وكذا مطارها الدولي والميناء واهم مراكزها التجارية وفنادقها ونزح عدد كبير من سكانها، باستثناء ثلاث من مديرياتها احتوت النازحين من بقية المديريات وماتزال تترقب بخوف مغامرة أخرى للحوثيين وصالح عليها.

هناك حيث درجة الحرارة مرتفعة دمرت محولات الكهرباء واجزاء واسعة من شبكة الاتصالات واختفى الغاز المنزلي ووصل سعر الاسطوانة من 1500 ريال إلى ثمانية آلاف ريال ولا يمكن الحصول عليها بسهولة ومن لا يمتلك المال عاد للطبخ بالحطب، كما أن سعر عبوة البترول 20 لترا ارتفعت من ثلاثة آلاف ريال إلى 20 ألف ريال وهو أمر زادت معه محنة الناس فلم يعد بمقدورهم التنقل ولا الهروب من جحيم القصف.

حمل السلاح

وعدن من أقدم المدن في الجزيرة العربية واشتهر سكانها بالسلم والميل إلى التحضر والتعايش حيث وجدت فيها كنائس ومعابد، فيما أجبر سكانها على حمل السلاح في وجه الهجوم العنيف الذي شنه المسلحون الحوثيون وقوات الرئيس السابق على المدينة بدون اي مبرر وتمكنت المقاومة هناك من الصمود ومنع تقدم الحوثيين إلى مديريات أخرى بعد أن خسرت مديريتي المعلا حيث يؤكد الميناء وخور مكسر حيث المطار الدولي والتواهي مقر القصر الرئاسي والقاعدة البحرية.

شحن مناطقي

ولم تسلم المدينة المقاومة من الشحن المناطقي فهناك حالة غضب شديدة من السكان تجاه المتحدرين من الشمال لأن القوات التي هاجمت عدن كلها من الشمال ولأن أولئك لم يشاركوا في المقاومة الشعبية التي تشكلت في المدينة. وتحول الكثير من سكان المدينة إلى الصف المعارض للوحدة لأن جرحها عميق ولم يسبق أن تعرضت لمثل هذا الدمار من قبل.

والحديث عن استمرار الوحدة نوع من العبث لدى سكان المدينة الذين شردوا من مساكنهم بدون مبرر، أو فقدوا عزيزا في الهجوم المتواصل للانقلابيين عليها وتدمير كل معالمها، لكن الإصرار على المقاومة والانتصار بات العنوان الأبرز حيث تمكنت المقاومة من ايقاف تقدم الحوثيين وقوات صالح، وتحولت في الايام الأخيرة نحو الهجوم واستعادة المناطق الشمالية للمدينة وسط إصرار على مواصلة المعركة حتى نهايتها.

مشتقات نفط

يكافح مدير شركة النفط في مدينة عدن منذ أسابيع لأجل توفير المشتقات النفطية لكن انتشار المسلحين يشكل العقبة الأكبر امام تحقيق ذلك وقال ان الشركة تعمل بكل قوتها من اجل فتح عدد من محطات بيع الوقود أمام المواطنين لكن محنة المدينة التي كانت رمزا للحداثة تتعاظم مع اصرار الانقلابيين على تدمير ما تبقى منها.

Email