جذر متطرف واحد تأسس على القتل

«القاعدة» و«داعش» تعدّد الزعامات وتوحّـــد في بصمة الإرهاب (5)

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

خرج الابن من رحم أمه ليثور عليها، هذه هي قصة تنظيم داعش في علاقته مع تنظيم القاعدة حيث يمثل التنظيم النسخة المتطرّفة عن تنظيم القاعدة، وهي الأشرس على الإطلاق في تجربتها رصد اللحظة التي دقّت مسمار نعش العلاقة بين التنظيمين، حين وسع التنظيم من عملياته في العراق وسوريا، واعلانه «دولة الخلافة»، التي رفضها زعماء «القاعدة» والكثير من منظري الفكر المتطرف، لذلك فإن تنظيم أبوبكر البغدادي يمثّل النسخة المتطرّفة عن «القاعدة» وهي الأشرس على الإطلاق في تجربتها.

تفوق تنظيم داعش على تنظيم القاعدة في سباق كسب الاتباع، وزعامة التطرف في العالم يطرح تصاعد نفوذ عصابات «داعش» الإرهابية، مقابل انحسار تأثير تنظيم القاعدة التي خرجت من رحمها أغلب التنظيمات الإرهابية رغم أن الهدف النهائي واحد وهو إقامة الخلافة الإسلامية إلا أن العقيدة القتالية الإرهابية لدى التنظيمين تختلف كثيراً ..

حيث «يعتمد تنظيم القاعدة في غالبية عملياته على استهداف القواعد الأميركية العسكرية، ويعتمدون على أسلوب العمل السري وخداع أجهزة الأمن ثم تنفيذ عملياتهم الإرهابية.. فيما تعتمد داعش في سياستها العسكرية على منهجية عسكرية حيث أسست جيشا يمسك الأرض».

أما الاختلاف الثاني فيرتبط بميل تنظيم البغدادي لأن يكون معبّراً عن أقصى تطرف التطرف، الأمر الذي يدفعه إلى المباهاة بقسوته وأعماله الوحشية، بخلاف «القاعدة» وغيره من الجماعات ذات المرجعية السلفية الجهادية التي تحرص على إخفاء مثل هذه الأعمال المثيرة للاشمئزاز في معظم الأحيان.

السيطرة على الأرض

كما أن «داعش» تعتمد في عقيدتها القتالية على قتال السكان في الدول العربية، والسيطرة على أكبر قدر متصل من الأرض لإنشاء دولتهم المزعومة على أن يتم التوسع بها عن طريق القتال فيما بعد، فيما يتم تركيز تنظيم القاعدة على قتال الأنظمة الغربية لكن ذلك لم يمنعها من الانتشار بقوة في اليمن والمغرب العربي.

وإذا كان التنافس على الزعامة يولّد الكثير من الفروق بين التنظيمين، الا ان التأكيد على تهديدهم للغرب يمثل عمق التشابه في الفكر التكفيري الذي يدفعهما الى القتل والارهاب...

لكن تنظيم القاعدة ركّز في عمله على الوصول الى الاهداف الغربية عبر ارسال الارهابيين الى أوروبا والولايات المتحدة أو استنهاض الخلايا النائمة فيها ونجح في ذلك، الا ان عصابات «داعش» لم تنجح إلى الآن في الوصول الى اهداف حيوية في أوروبا والولايات المتحدة، واكتفت بأهداف بشرية عبر قتل رهائن غربيين.

وعلى صعيد التكتيك الحربي والعسكري، فان تنظيم البغدادي كان أشد براعة من تنظيم القاعدة في استمالة الحواضن الارهابية الواسعة في العراق وسوريا، فيما لم يستطع أفراد تنظيم القاعدة استمالة عشائر ومدن وقرى في اوج نفوذه في افغانستان، وظل افراده مهمشين في الغالب، في الجبال والكهوف.

شبكات التواصل الإلكتروني

مقدرة «داعش» الكبيرة على استخدام شبكات التواصل الالكتروني ساعدته في نشر دعايته إلى المقاتلين الشباب في شتى بقاع العالم، والتي تمكنت من منحهم الحماسة والاصرار اللتين لم تنجح التسجيلات الصوتية لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في إحداثها.

وبينما دان الظواهري وحشية تنظيم البغدادي وعمليات قطع الرؤوس والقتل العلني الجماعي والصلب التي تقوم بها، كان لنفس هذه الافعال تأثير كبير في جذب المجندين الجدد الذين يسعون للمغامرة بعيداً عن ديارهم. وما يحفز المقاتلين المتشبعين بتلك المفاهيم، تسجيلات الفيديو التي تصور جنود تنظيم داعش يقودون المدرعات الاميركية في العراق تظهر المكاسب الملموسة للتنظيم وهي المكاسب التي لم تتمكن القاعدة من تحقيقها.

تشكيل هيئات عسكرية

وتجربة «داعش» في سوريا حقّقت للبغدادي ما كان يحلم به. فللمرّة الأولى منذ سنوات يتمكّن من إخضاع مناطق سوريّة كاملة وتشكيل هيئات عسكريّة ومقار علنيّة ومحاكم شرعيّة. فوجود مقار آمنة للتنظيم في مناطق واسعة ومحميّة غيّر نمط التعامل وآلياته. وثمّة شكوك قويّة بأن البغدادي نقل بالفعل مقرّ إقامته وقيادته إلى الأجزاء التي يسيطر عليها في شمال غرب سوريا.

ورغم الانقلاب عليه هناك من قبل فصائل مسلحة بعضها تحت إمرة الظواهري مثل جبهة النصرة، إلا أن البغدادي لا يبدو مستعداً للتخلي عن صيده الثمين خصوصاً في المناطق المحاذية للحدود العراقيّة. واندلاع أزمة الأنبار كان مناسبة جديدة لفتح الحدود وتوسيع نطاق السيطرة والاستفادة من الإمكانات الماليّة والبشريّة المتوفّرة في العراق.

وسيزداد الخلاف بين «القاعدة» و«داعش» اتساعاً بمرور الوقت، لأن قيادة تنظيم القاعدة تشعر بأن عملية اختطاف غادرة جرت على تركته وتجربته وميراثه وستفتح الباب أمام صراع دموي حاد، أو أن ينجح تنظيم البغدادي في استيعاب «القاعدة» في مشروعها بالمنجزات الميدانية وفرض الأمر الواقع.

3

بعد توقعات مقتل زعيم تنظيم داعش ابي بكر البغدادي، رجحت مصادر متطابقة أن تكون لدى التنظيم قائمة محددة من الخلفاء المحتملين للبغدادي، وقد يكون البغدادي اختار خليفته بنفسه، أو أن مجلس الشورى حدد ذلك مسبقا.

ويشير محللون ان «هناك ثلاثة اسماء مرشحة، وهم يعملون معه بصفة مستشارين، اولهم أبو مسلم التركماني الذي يشرف على عمليات التنظيم في العراق، والثاني هو أبو علي الأنباري، الذي يتولى إدارة العمليات في سوريا».

وبحسب الترجيحات فان التركماني والأنباري كانا من بين الضباط الخبراء في الجيش العراقي السابق، في زمن نظام صدام حسين.

ويرى المتابعون لشؤون الجماعات المسلحة، أن «التركماني لديه فرصة جيدة لخلافة البغدادي في حال مقتله، إذ يجب أن تكون لدى خليفة البغدادي مؤهلات كبيرة على الصعيدين العسكري والسياسي..

وهذا ما يجعل التركماني مرشحا محتملا». وهناك خيار ثالث إلى جانب التركماني والأنباري، يتمثل بالقيادي السوري أبو محمد العدناني الناطق باسم التنظيم، وقد سبق للعدناني أن لعب دورا بارزا في إيصال أفكار التنظيم وأوامره، وقد بعث برسالة صوتية أخيرا يحض فيها المسلمين في الغرب على مهاجمة أهداف بالدول التي يقطنون فيها.

7

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» أن نحو 7 ملايين طفل عراقي وسوري عالقين بالنزاع الدائر في البلدين سيواجهون «شتاء قاسيا» هذا العام، فيما أشارت إلى عدم إمكانية الوصول للعديد من الأطفال بسبب الأوضاع الحرجة ونقص التمويل.

وقالت المديرة الإقليمية ليونيسيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ماريا كالفيس في بيان لها، إن «سبعة ملايين طفل سوري وعراقي عالقين في النزاع الدائر في بلديهما سيواجهون شتاء قاسيا هذا العام مع اقتراب حلوله برياحه الباردة وأمطاره المتجمدة ودرجات الحرارة المتدنية».

وأضافت كالفيس انه «بعد كل ما عانوه بسبب النزاعات الدائرة في سوريا والعراق سيحتاج أطفال المنطقة لحمايتنا بشكل ملح بسبب قدوم فصل الشتاء وتزايد أعداد الأسر المهجرة»، مشيرة الى انه «بسبب الأوضاع الحرجة التي تتعلق بالقدرة على الوصول لهذه الفئات ونقص التمويل فلن نتمكن للأسف من الوصول للعديد من الأطفال».

وتابعت أن «الوصول للعديد من المناطق في سوريا يبقى أمرا صعبا أو مستحيلا بسبب الاقتتال الدائر في هذا البلد»، لافتة إلى أن «الوضع في العراق (حيث يسيطر تنظيم داعش على بعض مناطقه) يشكل تحديا مماثلا». يذكر ان المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قد أعلنت أخيرا أنها أجبرت على خفض عدد الأشخاص الذين تستطيع تقديم المساعدة لهم للاستعداد للشتاء في سوريا والعراق بسبب نقص التمويل.عواصم - الوكالات

الجماعات المتطرفة أمام مهمة بناء التحالفات الهشة

تبحث الجماعات المتشددة المتمركزة في سوريا بصورة بعيدة عن أنظار وسائل الإعلام في إعادة ترتيب بيتها الداخلي وتمتين التحالفات التكتيكية قدر المستطاع رداً على ضربات التحالف الدولي الذي يضع غالبية الفصائل المتشددة في سلة واحدة ولا يميز في الغالب ضمن استراتيجيته مواقع «داعش» عن التجمعات العائدة لـ«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» وبقية الفصائل التي تعلن ولاءها لـ«القاعدة».

وأشارت معلومات موثوقة أن قادة جبهة النصرة و«أحرار الشام» وجيش المهاجرين والأنصار والفصائل المتطرفة المقربة منها عقدوا اجتماعاً فيما بينهم لتعزيز مواقفهم المشتركة والعمل على إزالة العقبات التي تفصلهما عن «داعش» عبر إرسال قائد جيش المهاجرين والأنصار إلى مدينة الرقة بغرض وضع صيغة لوقف إطلاق النار وتوحيد المواقف الخارجية ضد المخاطر الداخلية والخارجية التي تعترضهم.

ولا يبدو عسيراً تفكيك دوافع هذه التحركات فيما لو تم رصد الظروف الموضوعية المحاطة التي تعصف بالحركات المتطرفة عبر مختلف مشاربها، بحيث تدفعهم المخاطر الوجودية الراهنة إلى ضرورة القفز فوق خلافاتهم الإيديولوجية وتأجيل الصراع على الاستفراد بأحقية قيادة التيار المتطرف.

مناطق نفوذ

وترشح التصورات المحتملة بأن مجرى المفاوضات سيدور حول وقف إطلاق النار بين جبهة النصرة و«داعش»، ذلك أن هذه الخطوة تحمي ظهر الطرفين من المصادمات الجانبية وتضمن لهما مناطق نفوذهما على الأرض.

ومن المرجح أن يتقاسما الأدوار فيما بينهما لقطع الطريق على الأطراف من المعارضة المعتدلة أو الضغط على النظام في الأماكن غير المتوقعة، فكلا الطرفين لديهما تصورات مشتركة في أن النظام والمعارضة المعتدلة المسنودة غربياً يشكلان خطراً ميدانياً يهدد نفوذهما على الأرض.

وتفيد المعلومات الميدانية بأن «داعش» الذي يتلقى خسائر فادحة في معركة عين العرب قد يحرض الجبهة والفصائل القريبة منها التي اجتاحت ريف إدلب أخيراً إلى فتح جبهة عسكرية مفتوحة ضد مدينة عفرين ثاني المدن الكردية المطوقة بالكتائب المتشددة في ريف حلب، بغية التخفيف في الجبهات القتالية المنتشرة في كل من عين العرب والجزيرة..

بينما قد تطلب «النصرة» التي تقلص نفوذها في حلب وريفها تحت ضربات القوات النظامية من «داعش» المتمركزة عناصرها في ريف حمص أن تخترق عمق ريف حماه وحمص، وتتقدم صوب معاقل القوات النظامية في الساحل السوري.

خطط وتحالفات

وتحاول الجبهة ومن يدور في فلكها في هذه الآونة القضاء على حركة «حزم» و«جبهة ثوار سوريا» في ريف إدلب بذريعة تعاونهما مع الغرب، وهي بذلك تستبق اقتلاع أي فصيل من المحتمل أن يشكل خطرا عليها في المستقبل.

وهذا التصور قد يسري على القوات الكردية المتمركزة في مدينة عفرين أيضاً على ضوء أنباء ترد من المصادر التركية تلمح بوجود خطط غربية تهدف إلى تدريب «وحدات حماية الشعب» مع مجموعة من الفصائل المعتدلة في تركيا بغرض إحلال مكان الفصائل المتشددة في ريف إدلب وحلب بعدما تتعرض بنيتها التنظيمية والبشرية إلى ضربات موجعة بفعل غارات التحالف اليومية.

وتدرك جبهة النصرة أن فتح معركة ضد «وحدات حماية الشعب» في عفرين لن تكون سهلة المنال، فهي بحاجة إلى التحالفات القوية بغرض إنجاز هذه المهمة. وعلى ما يبدو أنها نجحت في استمالة «أحرار الشام» التي بدورها تتخوف من المقاربات الغربية الهادفة إلى تقليص نفوذها، خاصة بعدما تعرضت إلى موجة اغتيال قياداتها الرئيسية، يقال إن الأصابع الغربية تقف وراء ذلك.

عقبات وشروط

لكن ثمة عقبات تقف في مواجهة التحالفات المتوقعة، ومن أبرزها أن أبوبكر البغدادي لا يزال يشترط بوجوب «مبايعة دولته» مقابل أي تحالف محتمل، وهو الأمر رفضته الجبهة وغيرها من الجماعات المتطرفة بحسب المعلومات المسربة.

كما أن قدرة «داعش» والجبهة على المناورة والدخول في المواجهات الشاقة تبدو هشة نتيجة ضربات التحالف من جهة واستفراد الطيران النظامي في قصف مواقع «النصرة» و«أحرار الشام» في الكثير من المواقع في ريف دمشق ودرعا وغيرها من مناطق انتشار عناصرها.

استبعاد

من المستبعد أن تثير كلمة أبوبكر البغدادي الأخيرة، التي جاءت في سياق رفع معنويات المقاتلين المتطرفين على الجبهات في سوريا والعراق، وتهديده بتوسيع الحرب أي تغير على الأرض وفق تصور المحللين.

Email