تركيا سقطت في توظيفها »داعش« ضد الأكراد

جنود أتراك قرب البوابة الحدودية التي تفصل عين العرب عن تركيا إي.بي.أيه

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء الإعلان التركي عن استعداده تقديم تسهيلات لدخول البيشمركة إلى مدينة عين العرب (كوباني) للتغطية على هزيمة ستبقى ارتداداتها غير علنية، فالولايات المتحدة والدول المشاركة في التحالف ضد »داعش« لم تبلغ مرحلة من التناقض الوجودي مع أنقرة بهذا الخصوص على الرغم من فداحة الخطأ الذي ارتكبه رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو في إظهار ميل علني وغير دبلوماسي وأخلاقي إلى هزيمة الأكراد في المدينة الكردية السورية الصغيرة.

ليست الرغبة في هزيمة أكراد سوريا هي الفضيحة، بل أن ذلك - لو حدث - له ممر واحد إجباري: انتصار »داعش«.

مع إمداد التحالف الدولي لوحدت حماية الشعب الكردية بالأسلحة سقط اتجاه في السياسة فاجأ به داوود أوغلو أعداءه المفترضين (الأكراد) وحلفاءه، ألا وهو التوظيف العلني لـ»داعش«. لا يعني الأمر أن أنقرة كانت تمدها بالأسلحة، بل ربطها اللامعقول في تقاليد العلاقات الدولية بين أمنها القومي وبين تمكين داعش من الانتصار عبر منعها إجراءات كانت ستضع أنقرة في موقع الحليف للأكراد، لكن الفريق السياسي التركي اختار أمراً آخر ذا مستويين: هزيمة الأكراد تعني هزيمة للتحالف والدول المشاركة فيه، وتحديداً أرادتها أنقرة انتكاسة للدول العربية.

وليس سبب الخلاف في المستوى الثاني متعلقاً باستراتيجية كل طرف تجاه النظام السوري، هناك إجماع على سقوط النظام من كافة الأطراف، بل يتعلق بالرؤية السياسية لتركيا على مستوى الإقليم، فلا يوجد الكثير لتختلف عليه تركيا والمملكة العربية السعودية بخصوص سوريا، لكن إقليمياً تمد تركيا يدها لكافة التيارات التي تدور في فلك تنظيم الاخوان المسلمين.

ترميم الهزيمة

بإعلانها تقديم تسهيلات لإنقاذ كوباني، تكون تركيا وضعت قدميها عملياً على عتبة التحالف، تدخلها بـ»شروطهم«، ولا مانع من ترميم الهزيمة التركية ببعض الخطوات التي ستبادر أنقرة إليها بنفسها، مثل وضع قاعدة إنجرليك في خدمة التحالف. لكن كان عليها تقديم هذه التسهيلات كما فعل الرئيس الراحل تورغوت أوزال في حرب الخليج الثانية من دون إتاحة الفرصة لأي جهة اتهامها برعاية هجوم »داعش«. والأدهى من ذلك أن تصريحات المسؤولين الأتراك لم تترك مجالاً للشك لمن يفتش عن تلك الصلة.

بنى داوود أوغلو مقاربة السياسة التركية تجاه »داعش« من منطلق تركي داخلي: اعتبر انتصار القوات الكردية في كوباني انتصاراً لحزب العمال الكردستاني في تركيا. ولإلحاق الهزيمة بالكردستاني، على حلفائه الانهزام أمام »داعش«. المشكلة في هذه المعادلة ليس عدم أخلاقيتها، بل عدم منطقيتها في السياسة الدولية.

وضوح السعي إلى جني المكاسب من عدم هزيمة »داعش« قد يتحول إلى تقليد سياسي علني في المنطقة، وبسابقة ممن؟ من تركيا، النموذج الإسلامي الأكثر اعتدالاً في المنطقة كما تم التسويق له غربياً.

وهذا الغرب ليس غافلاً، فبمجرد أن يتحدث مقدم برنامج شهير على قناة أميركية مرموقة أن السياسة التركية تقول: »ليذهب الرهائن الغربيون إلى الجحيم« كافٍ لبناء نواة خطيرة من الرأي العام الغربي تجاه تركيا، وهي خطيرة لأنه يمكن تركيب أمور كثيرة عليها، لا تتعلق كلها بـ»داعش«.

مسؤولية من ؟

وطالما وصل الحال إلى تحقق كل ما كانت ترفضه تركيا على حدودها، فإن السياسة الخارجية التركية ستحظى بفرصة للمراجعة النقدية، ليس على صعيد تناقضاتها الإقليمية، بل بخصوص رؤية أنقرة للأكراد. خاطب أحمد داوود أوغلو أكثر من مرة الأكراد الأتراك بصفة: »هم ونحن«. ومن خلال ما تبين خلال الفترة القصيرة لتوليه الحكومة، فإن داوود أوغلو يهدم كل ما بناه أردوغان على صعيد استحداث مقاربة جديدة محلية وإقليمية بخصوص الأكراد.

فيما تصمد كوباني، وينتصر خصوم تركيا، ينزاح إقليم كردستان شيئاً فشيئاً باتجاه إيران. ليس رغبة من القيادة الكردية فقط، بل لأن أنقرة اختصرت في عين العرب كل الموبقات التي توصف بها السياسات الغربية. كل هذا من أحمد داوود أوغلو الذي ربط أمن تركيا القومي بعدم هزيمة »داعش«.

Email