داعش يدير شبكة محلية ودولية تتولى شراء وبيع النفط المنهوب من حقول سورية

نظام الأسد وإيران وتركيا شركاء في عمليات التهريب

ت + ت - الحجم الطبيعي

"جرافيك"

وثّقت مؤسسات بحثية سورية واقع النفط السوري وتوزعه ومن يسيطر على آباره قبيل قصف قوات التحالف الدولي مواقع النفط بيومين، مبينة أن تنظيم داعش كان يدير شبكة من العلاقات مع مهربي نفط محليين ودوليين، وتعامل مع أعداء أيدولوجيتين مفترضين له، كما قام بتصفيات كثيرة سببها تجارة النفط والهيمنة على حقوله وآباره وخصوصا في محافظة دير الزور السورية.

واعتماداً على تصريحات ووثائق قدمها مسؤولون منشقون عن النظام فإن القسم الأكبر من عائدات النفط لم تكن تدخل في الموازنة العامة للدولة، بل كانت تنهب من قبل حلقة ضيقة في أعلى هرم السلطة، ومع اندلاع الثورة السورية كان جزء منها يخصص لتمويل الشبيحة وعمليات القمع.

نزاعات

ومع انتقال الثورة السورية من الحالة السلمية إلى المسلحة، خرجت مساحات شاسعة عن سيطرة النظام، كان من أبرزها المنطقة الشرقية التي تحتوي أغلب حقول النفط. وحصلت نزاعات ومعارك علنية ما بين المجموعات المقاتلة، وما بين عشائر، وما بين لصوص، جميعها تهدف إلى السيطرة على آبار النفط والحصول على المردود المالي الضخم وكل جهة توظف ذلك التمويل في الاتجاه الذي يناسب أهدافها، وسقط في تلك المعارك العديد من القتلى والجرحى.

ومع تصاعد الاقتتال بين مافيات النفط، استطاع تنظيم داعش، السيطرة على المنطقة الشرقية ونفطها الذي اعتمد عليه بشكل رئيسي في تمويل عملياته المسلحة من أجل بسط السيطرة على مزيد من الأراضي السورية، وارتكاب المزيد من الجرائم والعمليات الإرهابية.

أعلى أجر

ويدفع تنظيم داعش أعلى دخل شهري للمقاتل السوري البالغ 400 دولار أميركي بالمقارنة مع جميع الفصائل الأخرى، أما المهاجر فيدفع التنظيم له أموالاً إضافية قد تصل إلى 700 دولار في الشهر، وبخاصة في حال إحضار أسرته معه، وفق التقارير.

ويقوم التنظيم بعمليات تكرير النفط بطرق بدائية، عبر استخدام أسلوب الحرق بواسطة الحراقات المنتشرة في تلك المناطق، حيث يتم استخراج النفط الخام من الآبار دون تخليصه من الماء والغاز، ثم ينقل إلى حفر ترابية، وينتظر العمال بعد ذلك ركود الماء في القعر وتبخر الغاز على السطح.

ويوضع النفط في خزانات، حيث يحرق مباشرة، من أجل الحصول على الديزل والكاز والبنزين، ويستدل العمال على الأصناف هذه عن طريق تغير اللون والرائحة، وهذا قد يسبب لهم أمراضاً سرطانية، كما أن الدخان الأسود المنتشر على شكل سحب ضخمة، يسبب تلوثاً بيئياً حاداً، ويشكل خطراً يهدد حياة الأهالي وبشكل خاص الأطفال في تلك المناطق.

رحلة طويلة

ويسير النفط السوري الذي يسرقه تنظيم داعش من حقول دير الزور والحسكة في رحلة طويلة يمر فيها على حواجز ويتناقله تجار ومهربون ذوو انتماءات شتى، ليصل إلى أسواقه السوداء في تركيا والعراق وإيران، وحتى المناطق التابعة للنظام السوري، عابراً مناطق يسيطر عليها الأعداء والمتخاصمون دون أن يعترضه أحد منهم، حتى بدا وكأنه كلمة السر التي يفهمها الجميع، والتي تفتح لها جميع الأبواب.

ويستخرج النفط من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم »داعش« في الرقة أو دير الزور ويسير في قوافل آمنة بمعدل 20 إلى 30 قافلة مازوت (القافلة تساوي 10 صهاريج) يومياً وعلى مرأى من طيران النظام السوري.

ويصل النفط إلى ريف حلب أو إدلب، فإما أن يكون مكرراً وجاهزاً للتهريب، أو يكون خاماً، وهنا يأتي دور مصافي التكرير البدائية التي تم بناؤها في الأرياف الخارجة عن سيطرة النظام، حيث يتم تحويله، إما إلى بنزين »ويكون سيئاً جداً وسعره رخيصا«، أو إلى مازوت، وهو نخبان، أول ويستخدم للسيارات، وثان ويستخدم للمولدات والتدفئة.

وتعد نقطة معرة مصرين في ريف إدلب من أهم نقاط التهريب فهي تستقبل يومياً قافلتي مازوت كل قافلة تتضمن 10 صهاريج، واحدة تعبر الطريق الساعة السادسة صباحاً، والأخرى الثامنة ليلاً أي في أوقات تبديل دوريات الشرطة التركية.

تجار أتراك

ويباع ليتر المازوت السوري للتجار الاتراك بـ50 ليرة سورية فقط حيث يبيعه التاجر التركي بـ2,5 ليرة تركية أي ما يعادل 200 ليرة سورية ما يعني أن الربح يفوق نسبة 250 في المئة، وهذا يعني أن طن المازوت يربح مع التاجر التركي 750 دولار أميركي.

وكان التهريب يتم سابقاً إلى قرية الحامضة القريبة من معبر باب الهوى السوري، عن طريق أنابيب ممدودة تحت الأرض بين البلدتين، إلا أن الشرطة التركية كشفتها وأزالتها جميعها، ومن ثم أصبح التهريب يتم إلى قريتي الريحانية وحجي باشا التركيتين والموجودتين على الحدود.

أما عملية فحص المازوت الذي تقوم به الشرطة التركية، فتتم عن طريق جهاز صغير يتم وضعه داخل المازوت »ففي حال أشار الجهاز إلى اللون أخضراً فالمازوت قادم من سوريا، أما في حال أشار إلى الأحمر فهو قادم من تركيا«. وتبلغ عقوبة المهرب في تركيا، السجن عشر سنوات. كان التهريب يتم سابقاً عن طريق النهر الذي يمر على الحدود بين سوريا وتركيا، بالاتفاق بين سوريين وأتراك، حيث يتم ذلك من خلال العبوات البلاستيكية التي يتم نقلها عن طريق حبل موصول بين الطرفين، أو عبر مدّ أنابيب مخفية داخل النهر يتم تهريب المازوت عبرها.

مسار العراق

وقد يتخذ نفط داعش مساراً آخر باتجاه العراق، فقد ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن صهاريج تحمل لوحات عراقية، كانت تدخل باتجاه حقول النفط في الريف الشرقي لدير الزور، لتعبأ وتنقل النفط إلى العراق. ورصدت عدة صهاريج تحمل لوحات عراقية، وهي تدخل إلى حقل العمر النفطي لتعبئ مادة النفط، كما شوهدت صهاريج أخرى تدخل معمل غاز كونيكو لتعبئ مادة الكوندنسات التي تستخدم كبديل عن مادة البنزين، ولتقوم بنقلها عبر مناطق سيطرة الدولة الإسلامية إلى العراق.

 

أسعار مخفضة

يبيع تنظيم »داعش« النفط بسعر 2000 ليرة سورية للبرميل الواحد، أي ما يعادل نحو 12 دولاراً، ويشترط على تجار النفط بيعه بسعر 3000 ليرة سورية للبرميل الواحد، أي ما يعادل نحو 18 دولاراً.

 

موازنة

كان النفط يشكل قبل عام 2011 نحو 24 في المئة من الناتج الإجمالي لسوريا ونحو 25 في المئة من عائدات الموازنة ونحو 40 في المئة من عائدات التصدير.

Email