الخيارات أمامهم محدودة للغاية

المسيحيون السوريون.. هجرة لم تتوقف

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تبدو خيارات مسيحيي سوريا محدودة للغاية؛ في ظل استمرار العنف الذي يضرب المنطقة، وحملات التهجير التي ينظمها تنظيم «الدولة الإسلامية» في الموصل وغيرها بحجة عدم استجابتهم لدعوات الدخول في الدين أو دفع الجزية، ناقضاً بذلك العهود والمواثيق التي استنها الخليفة عمر، رضي الله عنه، مع نصارى الشام والعراق، وأقرتها جميع الدول الإسلامية من بعده وسارت عليها.

ومن الواضح أن المستفيد الأول والأخير من هكذا قرار بعض الدوائر الاستخباراتية، التي تعمل بالخفاء على تسعير الصراع الديني في المشرق العربي، وإفراغه من الألوان الدينية والطائفية لصالح لونين وحيدين، هما الأسود والأبيض، بغية استمرار الصراع إلى ما لانهاية له وتبديد جهود وثروات المنطقة في حروب عبثية لا هدف لها سوى استمرار الفوضى.

ولا تقتصر أدوات تنفيذ مثل هذا المشروع المشبوه على تنظيم البغدادي فقط، فهناك أطراف أخرى تغذي مثل هذه الخيارات، ومنها ما فعله النظام السوري بزج المسحيين السوريين في اتون الصراع مع الثوار السوريين، واستخدام بعضهم في أعمال تجر عليهم النقمة، بالإضافة إلى استخدام دور عبادتهم كمنصات لإطلاق الصواريخ والقذائف المدفعية على المدن والقرى المنتفضة ضد طغيان النظام.

استخدام المسيحيين

وقبل الثورة السورية وما تمخض عنها من فوضى عمت سوريا وبعض الدول المحيطة بها، بسبب قيام النظام بشن حرب عارية ضد المتظاهرين، ما اضطر بعضهم لحمل السلاح دفاعاً عن النفس والعرض، قبل ذلك، كان الوجود المسيحي في سوريا مهدداً بسبب نزيف الهجرة الذي أفرغ قرى مسيحية سورية بأكملها من ساكنيها، وحوّل المسيحيين من ثاني أكبر طائفة إلى ثاني أصغر طائفة في البلاد.

وكانت التوقعات تسير إلى أن المسيحيين سينقرضون في سوريا بحلول عقدين أو ثلاثة عقود، إن استمرت وتيرة الهجرة على ما كانت عليه، ولكن الحرب المندلعة الآن على كل شبر في سوريا، سرّعت هذه الهجرة، التي وجدت فيها بعض الدول الغربية فرصة لمنح تسهيلات تساعد على استقطاب الراغبين بمغادرة سوريا في أسرع وقت.

وإذا تأملنا في الأسباب التي دعت إلى هجرة المسيحيين السوريين والعراقيين بهذه الكثافة منذ نحو عقدين من الزمن، فسنجد أن الأسباب ليست اقتصادية أو بسبب الاضطهاد، فالأنظمة في سوريا والعراق كانت علمانية متسامحة مع الطوائف الدينية إلى أقصى الحدود، بالإضافة إلى أن المسيحيين كانوا من أصحاب المهن والكفاءات، ولكن يبدو أن هناك أسبابا أخرى تتعلق بأجندات غربية تهدف إلى استقطاب مسيحيي الشرق لأكثر من سبب وسبب!.

أجندات خفية

والآن يأتي ما يسمى تنظيم «الدولة الإسلامية» لينفذ هذه الأجندات الغربية، سواء بوعي أو بغير وعي، وليحقق ما عجزت عنه جميع التسهيلات السابقة التي قدمتها الدول الغربية المحتاجة إلى الهجرة المسيحية الشرقية!.

هجرة مسيحيي الشرق تعني إفراغ المنطقة من عقلية التسامح التي كرسها الاسلام طوال 1400 عام، واختراع قيم جديدة غريبة عن تراث المنطقة وتاريخها تهدف بالدرجة الأولى إلى إطالة أمد القلاقل والفوضى، وتسهيل الامور أمام المتطرفين لكي يحكموا قبضتهم على حياة الناس، ومنع التنمية والتقدم والرخاء عن شعوب هذه المنطقة، وكل ذلك يخدم الأعداء، سواء علم ذلك المتشددون أم لم يعلموا، فالنتيجة واحدة في نهاية الأمر.

إضاءة

بلغت نسبة المسيحيين السوريين في مطلع القرن العشرين حوالي 20 في المئة، انخفضت بعد الحرب العالمية الأولى بسبب الهجرة المكثفة إلى أميركا اللاتينية لتبلغ 12 في المئة إبان عهد الاستقلال. ومنذ مطلع التسعينات شهدت سوريا موجة هجرة جديدة، خفضت النسبة إلى اثنين في المئة مطلع العام 2011، أما الآن فلم يبق من مسيحيي سوريا سوى خمسة في الألف من مجموع السكان، حسب تقديرات مراكز البحوث.

Email