تواجد ضئيل ومقيّد لـ «القاعدة».. ورهان على «تآمر» الغرب وإطالة أمد الثورة

في حلب.. لا صوت يعلو على الجيش الحر

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتهافت وسائل الإعلام الغربية في البحث عن اللحى الطويلة بين صفوف الجيش الحر في شوارع حلب. فمقولة قيادة «الجهاديين» غير السوريين للمعارك ضد النظام يتردد صداها بقوة في الأوساط السياسية الغربية، وخاصة المراكز التي تتلقى تقاريرها من مصادر كنسية موالية للنظام أو القيادات الروحية للأقليات الطائفية.

بالنسبة للجيش الحر، فإن حديث الإعلام عن هذه القضية يضعها في خانة «الصحافة الصفراء»، ذلك أن القرار الرئيسي هو في يد الثوار المنشقين عن الجيش. ويتعامل قادة الجيش الحر مع بعض الإسلاميين المتناثرين هنا وهناك كجنود عاديين، يصدرون أوامرهم إليهم كما لو كان هؤلاء جنوداً في الجيش الحر.

فعندما انسحب خط الحماية الخلفي المكون من جنود منشقين في نقطة من حي الإذاعة في حلب، أصدر القائد الميداني في لواء درع الشهباء أوامر لـ«جبهة النصرة» بالتراجع والتوقف عن إطلاق النار إلى حين وصول مجموعة جديدة من المؤازرة.

عشرة آلاف مقاتل

وتتألف «جبهة النصرة» من مجموعة صغيرة من المقاتلين غالبيتهم من العرب. وعندما زارت «البيان» جبهة القتال التي تتركز فيها جبهة النصرة، أمكن إحصاء 34 مقاتلاً فقط من أصل نحو عشرة آلاف في صفوف الجيش الحر في حلب.

ويقول محمد الحلبي: إن تصوير البعض لـ«جبهة النصرة» وكأنها تقود المعارك ضد النظام له سببان، الأول هو وجود توجه غربي ينطلق من فرضية وجود «القاعدة» وانشغاله في إثبات ذلك حتى ولو عبر لقاء صحافي مع أحد المقاتلين العرب.

والأمر الثاني هو جرأة هذه المجموعة ورفضها القتال في الصفوف الخلفية «إنهم يرفضون الابتعاد عن خط المواجهة رغم قلة عددهم.. أنا أعتبر نفسي من التيار الليبرالي لكن هذه المجموعة الصغيرة شجاعة جداً، حتى إن قائد المجموعة عندما يريد معاقبة أي مقاتل فإنه يحرمه من التوجه إلى الجبهة ويعيده إلى الصفوف الخلفية».

«القرار ليس بيدنا»

ويقول مقاتل ليبي في «جبهة النصرة»: إن قرار الحرب هو في يد الجيش الحر. «فهذه المعركة هي للسوريين.. ولا نستطيع أن نملي عليهم ما يفعلونه..حتى تكتيكات وخطط الحرب لا نضعها نحن بل نتلقى الأوامر عبر أجهزة اللاسلكي».

وبحسب أحد قادة الجيش الحر، فإن الأمور ستبقى تحت السيطرة تماماً طالما أن خطوط الإمداد الطويلة والشاسعة هي تحت إشراف كتائب وألوية الجيش الحر. ويقول: «الأمر بسيط.. نحن نستفيد من خبرتهم القتالية وقدرتهم على صنع العبوات الناسفة والقنابل محلية الصنع..

وطالما أنهم ملتزمون بالقتال بدون فرض أجندتهم فإن المسألة لا تستحق القلق.. لا نسطيع أن نقول لهم عودوا إلى دياركم.. قطعوا مسافات طويلة وتحملوا الكثير من المخاطر للوصول إلينا، لكننا لا نمنع أحدهم من مغادرة الجبهة».

وإلى جانب «جبهة النصرة»، يتواجد لواء «أحرار الشام»، وهم أكثر عدداً ويضم مقاتلين معظمهم من السوريين، لكن وجودهم في حلب غير كثيف كما هو الحال في ادلب. وهم أيضاً يلتزمون بما يمليه عليهم الجيش الحر رغم أن لهم مرجعية مستقلة عنه بقيادة الشيخ أبو عبدالله.

50 مقاتلاً

ولم يتزايد عدد مقاتلي جبهة النصرة عن الـ50 شخصاً في حي الإذاعة على مدى شهرين من القتال. ذلك أن حركة التطوع فيها ليس كثيفة، كما أنهم يفقدون مقاتلين بشكل شبه يومي في عمليات القصف الهائلة. فأصوات القذائف التي تتساقط على حي الإذاعة تدوي في كل أحياء حلب، كما أنها لا تتوقف ليل نهار.

ويؤكد مقاتل من «جبهة النصرة» أنهم يقضون يومهم في تفادي شظايا القذائف والصواريخ، «ونادراً ما يكون الاشتباك مباشراً مع الجنود الموالين للنظام».

ويبدو أبوحمزة ممتناً للصحافيين الغربيين الذين يبحثون عن قصص وجود «القاعدة» في سوريا، ويتذمّر من الصحافيين السوريين الذين يقللون من شأنهم. ولدى مواجهته أن نسبتهم لا تستحق تسليط الضوء عليهم كـ«تنظيم قائد» في المعارك، تحدّث عما أسماه بـ«السيناريو الخاص» للأحداث في سوريا والمختلفة عن سيناريوهات ثورات الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وليبيا، فهي «ساحة صراع مركّبة محلياً ودولياً وإقليمياً».

ويدرك الخبير الإعلامي أبوحمزة أن نسبتهم قليلة جداً لكنه يراهن على تغير مزاج السوريين: «فبعد أن أنهك السوريون بنداءات استجلاب التدخل الخارجي وشعورهم بالخذلان من تلك القوى الغربية بدأوا يبحثون عن خياراتهم الذاتية.. دينامية هذه الثورة أنها مقدر لها الانتصار ذاتياً».

تردد الغرب

ويعرض أبوحمزة دراسة أعدها أحد المحللين التابعين للتنظيم يرى فيها أن الحالة السورية «كانت وما زالت تصطدم بمصالح القوى العظمى وهذا ما يجعل نجاح الثورة السورية على حساب مصالح الغرب، بعكس النجاحات السابقة للثورات العربية والتي استطاع الغرب التعايش معها والالتفاف عليها بدرجات مختلفة، وهذا التصادم سيوجبه احتضان الشعب السوري لفكرة الجهاد والعمل من خلالها»، على حد زعمه.

ويستند هذا الرهان أساساً إلى فرضية ثبات الغرب على موقفه في النأي بنفسه عن دعم الثورة السورية أو المساهمة في تحقيق تحول نوعي فيها. فالجهاديون هم أسعد الناس بـ«تآمر» الغرب على الثورة السورية، ويعزز هذا الاعتقاد أيضاً أن السوريين بدأوا يدركون أن المصالح الغربية لا تتلاقى مع مطلب إسقاط النظام، وعادت تلك اللهجة الصدامية ضد «الغرب» كما كان سائداً قبل اندلاع الثورة.

صوت الحر

ومن الحوادث التي أظهرت ضعف المجموعات الإسلامية في سوريا وقوة الجيش الحر هو مقتل أمير مجلس شورى المجاهدين في سوريا أبومحمد العبسي على يد كتائب الفاروق في الثالث من سبتمبر الجاري. وأصدر مجلس شورى المجاهدين بياناً نعى فيها أميرها ودعت إلى عدم الانتقام «في الوقت الحالي» ومتابعة «الجهاد».

ويتشارك كل من مجلس الشورى وكتائب الفاروق في السيطرة على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في إدلب، ورغم أن أياً من المجموعتين لم تعلنا عن سبب هذا الصدام فإن مصادر في الجيش الحر ذكرت لـ«البيان» أن «شورى المجاهدين» صادرت شحنتي سلاح كانت قادمة للجيش الحر بحجة أنها متوجهة إلى «العلمانيين» وكان لا بد من المحاسبة لأنه «لا صوت يعلو على صوت الجيش الحر».

ويقول القيادي الميداني في الجيش الحر عبدالله الأحمد: إن المزاج السوري لا يناسب فكر «القاعدة» أو ما شابهه، لأن «القاعدة» لا يعني فقط الإقدام في القتال، بل هو منهج لن يحتمل غالبية السوريين على التعايش معه في حياتهم اليومية.

ويضيف: «جذر المشكلة هو تردد الغرب في دعمنا.. ومقاتلو الجيش الحر يبحثون عمن يزودهم بالسلاح والذخيرة بغض النظر عن توجهات الجهة التي تأتي منها المساعدات، لذلك فإن وزن أي جماعة في الوقت الحالي ليس مؤشراً إلى نفوذها الحقيقي».

Email