تقارير «البيان»:

تعقيدات الأزمة تُسقط إعلاميين غربيين في فخ «التضليل»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لفت وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في مؤتمر صحافي السبت الماضي إلى ما قاله مراسل القناة البريطانية الرابعة أليكس طومسون حول محاولة الجيش الحر بالتسبب في قتله على يد القوات النظامية وذلك لإحراج النظام. لافروف أشار إلى ذلك من باب «حجم التزييف» الذي يقوم به المعارضون.

وقضية أليكس طومسون أثارت جدلاً واسعاً، حيث لم يسبق لأي إعلامي غربي أن اتهم المنشقين بالمتاجرة بموتهم، وخاصة ان 11 منشقاً فقدوا حياتهم خلال عملية نقل الصحافيين الغربيين الجرحى من حي بابا عمرو إلى لبنان سيراً على الأقدام. وخطورة رواية أليكس طومسون تأتي من أنها تهيئ لفتح الباب على التشكيك في الكثير من الروايات التي كان فيها النظام هو المتهم، كواقعة قتل العديد من الصحافيين الغربيين.

رواية مزعومة

لكن بعيداً عن مزاعم التضليل التي أوردها الصحافي البريطاني، فإن تتبع التقارير التي كتبها طومسون على موقع القناة البريطانية الرابعة على الانترنت يدفع إلى الطعن في روايته المزعومة عندما كان في مدينة القصير بريف حمص واتهامه الجيش الحر في التسبب بقتله.

على موقع «تويتر» كتب طومسون «تغريدة» من حمص جاء فيها: «في الطرف الذي يسيطر عليه المتمردون من حمص، لا يوجد دليل على ما قيل إنه استخدام للأسلحة الكيميائية» من قبل القوات الحكومية. إن هذا يدفع إلى الجزم بأن طومسون كان يتحقق من استخدام القوات النظامية لأسلحة كيميائية على حمص، وهو اتهام لم يصدر عن أي جهة معارضة في الداخل أو الخارج.

الدرس الأول

إن الدرس الاعلامي الأول للصحافي عند توجهه إلى منطقة معينة لتغطية حدث ما فيها هو الاجابة الفعلية عن سؤال: إلى أين أذهب؟ وهذا يتطلب قراءة ما يعين الباحث على تشكيل تصور عام عن البلد الذي سيتوجه إليه لكتابة قصة خبرية، إلا انه في حالة الصحافي طومسون فإن طريقة إجابته كانت: «أنا ذاهب إلى سوريا.. وهي دولة تقع شرق المتوسط وفيها الكثير من المشاكل.. سنرى ما هي». الأمر الذي أوقعه في مشكلة كبيرة ستؤثر على مصداقيته في العمق. فليس من السهل ان يستوعب القارئ في منطقة الشرق الأوسط كيف أصرّ أليكس طومسون على فرز أطراف الصراع في الأزمة السورية إلى ثلاث قوى هي: المعارضة، النظام، الشبيحة.

وقبل أن يختم جولته إلى سوريا بالمقال الذي اتهم فيه الجيش الحر، نشر طومسون خمس مقالات عن مذبحة الحولة على صفحة القناة البريطانية الرابعة. ومنذ التقرير الأول بتاريخ 27 مايو الماضي، يشعر القارئ والمشاهد بحلقة مفقودة في استنتاجاته لكنه سرعان ما يتجاوزها «لأنه ليس من المعقول أن لا يعرف الصحافي المخضرم بعض البديهيات في سوريا»، ويخرج الكاتب بروايتين من جانب المعارضين حول كيفية حدوث المذبحة، الأول أن ميليشيا «الشبيحة» هي من ارتكبت المجزرة، والثانية أن القوات النظامية قصفت بشدة ثم دخلت الشبيحة وارتكبوا المجزرة.

مفاجأة ثقيلة

لكن المفاجأة من العيار الثقيل جاءت بين ثنايا تقرير بثه في 31 مايو الماضي، وقال فيه حرفياً: «اليوم (31 مايو) أعلنت الحكومة في دمشق عن النتائج الأولية لتحقيق استغرق ثلاثة أيام حول مسؤولية ما حدث في الحولة. وزعم الناطق باسم الحكومة جهاد مقدسي أن ما بين 600 إلى 700 من عناصر الميليشيات المسلحة قامت بتنفيذ هجوم بالأسلحة الثقيلة». وعقّب على الاقتباس بالقول: «إذا كان كلامه صحيحاً فهذا يعني أن ميليشيا الشبيحة تملك أسلحة ثقيلة».

إذاً، الصحفي البريطاني المخضرم فَهِم من نتائج تحقيق النظام أن ميليشيا «الشبيحة» هي من ارتكبت المجزرة وليس النظام، وعلى نحو استنتاجي عميق يؤكد طومسون أن هناك توافقاً «بين أهالي الحولة والحكومة السورية على تحميل المسؤولية للشبيحة».

في الثالث من يونيو الجاري يتوجه إلى قرى «الشبيحة»، وبأسلوب الرحّالة الذي لا يعرف شيئاً عن المنطقة التي يقصدها، يتفاجأ بأن السكان غير مدججين بالأسلحة وأنهم «لا يملكون دبابات وصواريخ»، حتى إنه احتسى فنجاناً من القهوة التركية معهم. وخلال ساعتين من تبادل أطراف الحديث معهم، يقول المتهمون: إن المجزرة حدثت لكنها «ببساطة كانت نتيجة قتال بين عشائر سنية متخاصمة». ويتساءل طوموسون في نص التقرير المكتوب على موقع القناة الرابعة: «إنه أمر غريب.. ألم يقرأ هؤلاء التصريحات الرسمية؟» (يقصد اتهام النظام للشبيحة بارتكاب المذبحة!!).

خطاب للأسد

وبينما يشرح المعاملة اللطيفة التي وجدها في «قرى الشبيحة» تتعرض الحولة إلى القصف أمام عينيه، وهنا يسأل بغضب متوجهاً بكلامه إلى الرئيس الأسد: «ما الذي يجري؟ هل هؤلاء الذين قابلناهم في هذه القرى هم الشبيحة الذين اتهمتهم بامتلاك أسلحة ثقيلة؟ مضيفاً أن قوات الأسد هي التي تقصف الحولة وليس الشبيحة.

لم تثر أي من القصص السابقة ضجة رغم الجهل الكارثي بواقع اللاعبين الرئيسيين في الأزمة السورية، ولا يمكن للمرء سوى أن يضع ادعاءات طومسون ضد الجيش الحر جانباً حتى إشعار آخر، على الأقل أن يعرف أطراف الأزمة في سوريا، لا أكثر. وبالتالي فإن الحيادية التي يروّج لها عن الإعلام الغربي تسقط في امتحان ألف باء الوضع السوري.

شهادات مزيفة

a

لا تقتصر تعقيدات الوضع السوري على أطراف النزاع فقط كحالة أليكس طومسون، بل يمتد أيضاً إلى أن فهم الاعلامي لصورة التركيبة السكانية ومحاور ولاءاتها السياسية هي جزء من المعلومات الأساسية التي ينبغي الاستناد إليها، فمثلاً كتب الصحافي الألماني مارتن جانسن في صحيفة «فرانكفورتر» أن الجيش الحر هو الذي ارتكب مذبحة الحولة والدليل، بحسب الصحيفة التي استندت إلى شهادات جمعها دير «سانت جورج» في مدينة قارة بريف دمشق، هو أن «أغلبية الضحايا هم من العلويين»، وهو زعم لم تذكره حتى وسائل الاعلام المقربة من النظام داخل سوريا وخارجها.

Email