«لوزيعة».. وليمة تزين أعياد القبائل في الجزائر

«لوزيعة».. وليمة تزين أعياد القبائل في الجزائر

ت + ت - الحجم الطبيعي

«لوزيعة» تعبير في منطقة القبائل الجزائرية يعني اشتراك سكان قرية أو بلدة في ذبيحة أو ذبائح يوزع لحمها على العائلات بحسب المطلوب وقيمة الاشتراك. وتسري هذه العادة منذ قرون وتعود في كل مناسبة دينية مثل عيد الفطر المبارك وعيد عاشوراء والمولد النبوي الشريف وأحيانا في رأس السنة الامازيغية التي تصادف 12 يناير من كل عام.

بداية الطقوس الجميلة

يشرف على الوليمة كبير القرية ويسمى عادة رئيس «ثاجماعث» أو الجماعة وهي هيئة تقليدية تتوفر عليها كل قرى مناطق البربر خاصة في «القبائل» قرب العاصمة و«بني ميزاب» الواقعة بعمق الصحراء، واليها يعود الحكم في القضايا المحلية، وتبدأ العملية بتسجيل الراغبين في الاشتراك، وهم عادة كل عائلات القرية، وبحسب القائمة يحدد عدد الرؤوس التي يتعين نحرها وقيمة اشتراك كل عائلة، فكلما زاد العدد كانت القيمة اقل.

وبعد جمع المال من المشتركين، تتوجه مجموعة من العارفين بشؤون الماشية إلى السوق لشراء ثور أو أكثر ويكون كل السكان بانتظار عودة المجموعة في أجواء احتفالية بهيجة يشارك فيها الصغار والكبار على السواء.

ويعهد للشباب والصبية بتحضير مكان النحر، فيخرجون إلى البراري لجلب أعشاب معروفة لا سيما أغصان أشجار «الرتمة» تغطى بها ساحة توزيع اللحم. وقد تغير الوضع الآن بسبب وجود بدائل للأعشاب ولتذليل التعب تغطى المساحة بقطعة أو قطع كبيرة من البلاستيك.

يتوضأ امهر الذباحين ويجهز السكين ويختبره، فيما أقوياء القرية يسقطون الثور أرضا، وتتم عملة النحر بحضور حشد كبير من السكان، ويجلس الجميع في حلقة واسعة يجري وسطها توزيع اللحم، حيث توضع القطع واحدة واحدة حتى تشكل أكواما بعدد العائلات المعنية مصطفة بإحكام وسط الساحة.

ويسمى كل كوم من اللحم «السهمة» ويمكن للعائلات الكبيرة أن تضاعف اشتراكها للحصول على حصتين كما يمكن للصغيرة منها ان تحصل على نصف حصة باقتسام «سهمة» واحدة بين عائلتين. المهم أن الأمور تجري في توافق بين الجميع وبما يرضي الجميع.

فرصة لترميم التصدعات

قال «حميمي» وهو تصغير اسم احمد لدى سكان القبائل: »لوزيعة سنة سارية ولا أتصور اختفاءها ما دام ثمة قرى بهذه المنطقة»، وأكد أن كثير، ممن تركوا القرى إلى المدن يشتركون ويقطعون مئات الكيلومترات لحضور الوليمة والحصول على حصصهم من اللحم، وكان آخرها في عيد الفطر المبارك حين قدم عدد ممن يقطنون العاصمة.

ووصف هذا الشيخ السبعيني الذي ترك بلدته بعد ان فتح له استقلال البلاد عام 1962 المجال للعيش بالمدينة، «لوزيعة« بكونها «مناسبة تضامنية راقية حيث يتعاون الناس على الشراء وتقاسم ما يشترى جماعيا في أجواء من الفرح والتآزر وأخوة مثالية تقصي كل الضغائن وتفتح المجال للعناق والتقارب.

وترمم كل التصدعات، وفيها يكون جميع السكان سواسية، فالفقير يفرح وينال حصته وهو لم يدفع مقابلها لأن غيره من الميسورين دفعوا محله... هي فرصة للتواصل الاجتماعي وإحياء السنن النبيلة والجميلة».

وانبهر عمار وهو شاب في التاسعة عشرة من العمر حين حضر لأول مرة في حياته تظاهرة لوزيعة بمسقط ببلدة «اعشابو» مسقط راس والده، وقال لـ «البيان» اقيم في العاصمة وتنقلت مع اسرتي إلى البلدة وحضرت لاول مرة وليمة لوزيعة يوم الجمعة 26 فبراير الماضي بمناسبة المولد النبوي الشريف، فعشت أجواء رائعة لم يسبق ان عشتها، شهدت ذلك التعاون التام بين الناس كبارهم وصغارهم وتخال ان هؤلاء ملائكة لم يسبق لهم ان اختلفوا على أمر.

تظاهرة غارقة في القدم

سألت «البيان» مصطفى عبدلي الأستاذ في علم الاجتماع والباحث في العادات القديمة عن تاريخ «لوزيعة» فقال ليس ثمة ما يدل على بداية هذه التظاهرة ولكن ارتباطها بمناسبات الأفراح يعطي الانطباع بأنها قديمة جدا وصارت عادة متأصلة عمرها قرون من الزمن، ولم يستبعد ان تكون بدايتها مع بداية التجمعات السكانية البربرية في العهود السحيقة. فالتقويم الامازيغي في قرنه الثلاثين، وهو يسبق التقويم الميلادي بنحو عشرة قرون، و«لوزيعة» تمارس في هذه المناسبة.

وربما كانت من طقوس الأقدمين ممن عمروا شمال إفريقيا وتطورت مع تطور الزمن وصارت ميزة المناسبات الدينية الاسلامية. وما دفع الأستاذ مصطفى لهذا الاستنتاج كون «لوزيعة» متأصلة خاصة في المناطق الناطقة بالامازيغية في القبائل والاوراس ومنطقة بني ميزاب الصحراوية التي حافظت كلها على عادات غارقة في القدم.

الجزائر ـ مراد الطرابلسي

Email