أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها على منطقة الخليج، البحث عن تورا بورا بابلية لقنابل أمريكا الذكية

ت + ت - الحجم الطبيعي

نظم المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية في الكويت بالتعاون مع «البيان» ندوة أخرى حول تداعيات الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة الأمريكية على دول الخليج العربية. وتضمنت ورقة عمل الندوة التي اشتملت على اربعة محاور الحديث عن انعكاسات تلك الهجمات عنها المنطقة اقتصاديا وامنيا وما اثارته تلك الهجمات من تساؤلات جاءت الاجابة عنها في أوراق محاور الندوة الثلاثة: ـ المحور الأول: الحرب ضد الإرهاب واقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي. أ. د. محمد رضا علي العدل استاذ الاقتصاد، مدير أسبق لمركز بحوث الشرق الأوسط، عميد اسبق لكلية التجارة «جامعة عين شمس». ـ المحور الثاني: التداعيات السياسية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر على منطقة الخليج العربي. أ. د. محمد السعيد ادريس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ـ المحور الثالث: الانعكاسات الأمنية لأحداث 11 سبتمبر على منطقة الخليج كما تحدث خلال الندوة أ. أحمد ابراهيم محمود مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام وتضمنت الندوة تعقيبا من د. حسن أبو طالب مساعد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية الاستراتيجية ومداخلات من الحضور وتعقيبات ختامية من المتحدثين الثلاثة. وافتتح الندوة اشرف كشك مدير فرع المركز الدبلوماسي بالقاهرة منسق عام الندوة الذي اشار إلى ان أحداث الحادي عشر من سبتمبر شكلت منعطفا تاريخيا مهما في العالم اجمع، تلك الأحداث التي أكدت مجددا على ان العالم يواجه خطرا داهما وهو ظاهرة الإرهاب بكل صوره. ونظرا لتشابك العلاقات الدولية تفاعلت المنطقة العربية عامة ومنطقة الخليج بوجه خاص مع تلك الأحداث.. فمن جانبه أصدر مجلس التعاون لدول الخليج العربية بيانا يؤكد فيه على ان «دول مجلس التعاون ستعمل بجهد مع الاسرة الدولية على اجتثاث آفة الإرهاب»، كما أكد القادة الخليجيون ادانتهم لتلك الهجمات. ولاشك ان منطقة الخليج العربي كانت اكثر المناطق تأثرا بتداعيات هذه الأحداث سواء من النواحي الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية.. ومن ثم كان لزاما على المركز الدبلوماسي رصد تلك التداعيات من خلال ندوة اليوم وذلك ضمن اهتماماته بالقضايا الخليجية والعربية الراهنة». وقدم للندوة وادارها الدكتور حسن أبو طالب الذي قال «ان ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية لم تقتصر آثاره على الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية فقط وانما امتدت هذه الاثار الى العالم كله. والقول بأن عالم ما قبل 11 سبتمبر يختلف عن عالم ما بعد 11 سبتمبر يبدو صحيحا إلى حد كبير، وان كان هناك بعض الجزئيات سنحاول ان نلقي الضوء عليها فيما بعد، وسنحاول بالتالي من خلال هذه الندوة ان نجيب على تساؤلات من قبيل: كيف تأثرنا؟ وكيف يمكن لنا ان نتجاوز الآثار السلبية ان وجدت؟ وان كان هناك ثمة تغيير في العالم فأين موقعنا نحن؟ وفيما يلي عرض لأبرز ماورد في الأوراق الثلاثة: الورقة الأولى د. محمد العدل: منذ الهجمات الشرسة التي تعرضت لها الولايات المتحدة فيما عُرف بأحداث الحادي عشر من سبتمبر تداعت أحداث تابعة ومازالت تتداعى.. فاعتبرت الولايات المتحدة أنها في حالة حرب ضد الإرهاب ونهض الثالوث الاقتصادي السياسي الأعظم تأثيرا في مجرى النظام العالمي مشكلا الحلف الرئيسي في هذه الحرب مع مشاركات متفاوتة من أطراف أخرى مثل روسيا والصين ودول إسلامية وعربية في الشرق الأوسط وخارجه. ولسنا الآن بصدد تناول ما تنطوي عليه هذه الحرب من انعكاسات واحتمالات سياسية، بل نركز على ما يبدو الآن وما يتوقع أن يكون لهذه الحرب من آثار على الاقتصاد الخليجي واقتصادات الأقطار العربية الخليجية آخذين في الاعتبار صعوبة الفصل بين السياسة والاقتصاد ولاسيما في هذه الحالة، فسوف تظل التوقعات عن الجبهة الاقتصادية مرهونة باحتمالات تطور العمليات الاستراتيجية السياسية، ومن الصعب تقدير هذه الاحتمالات بقدر معقول من اليقين، فالطرف المحارب الرئيسي ـ الولايات المتحدة ـ لا يفصح عن خطوط حركته المستقبلية اللهم إلا ما يتداول هنا وهناك من معلومات حول أن هذه الحرب مستمرة، وأن مسرحها في أفغانستان هو طور أول لها يحتمل أن يتلوه أطوار أخرى بحيث تطال الحرب دولا أخرى في المنطقة. ومع ذلك فسوف نفترض في هذا العرض السيناريو الأقل تشاؤما وهو أن هذه الحرب محدودة في أفغانستان، فتدمير الهيكل الرئيسي للقاعدة وحكومة طالبان يمثل النجاح الضروري في الحرب ضد الإرهاب رغم أن هذا النجاح كما يبدو من التصريحات الصادرة عن واشنطن ليس كافيا. وانطلاقا من ذلك، للأحداث منذ 11 سبتمبر وقع اقتصادي ملموس على الولايات المتحدة، ومجمل الاقتصاد العالمي، ولعل معظم المراقبين يتفقون أن المحصلة الصافية الملموسة حتى الآن والمتوقع أن تستمر خلال العام المقبل تكمن في اشتداد حدة الانكماش الاقتصادي. ونقول المحصلة الصافية، لأنه ثمة قطاعات تنتعش بهذه الحرب كما أن قطاعات أخرى سوف تضرر، والأهم من ذلك أن هذه الحرب أدت إلى زيادة عدم اليقين لكافة الأطراف المساهمين في الاقتصاد العالمي، هذا الاقتصاد الذي وصلت تشابكات عملياته المالية والإنتاجية إلى مستوى غير مسبوق من قبل بحيث بات لا يحتمل أي اضطرابات في بعض مكوناته، وزيادة عدم اليقين تدفع في الأغلب إلى الانكماش، والاقتصاد الأمريكي والعالمي قد دخل بالفعل في طور انكماش قبل الحادي عشر من سبتمبر، ومن ثم فزيادة عدم اليقين بعد هذا التاريخ من شأنها زيادة حدة هذا الانكماش، والأخطر أن يتسارع ويدخل الاقتصاد العالمي في أزمة حادة. في مثل هذه الظروف يكون من الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد الخليجي واقتصاديات أقطاره، وقبل إجراء ذلك قد يحسن الإشارة إلى الحالة الاقتصادية لهذه الاقتصاديات قبل عام من هذه الأحداث، فربما يكون ذلك هاما للتعرف على حدة التحول الذي يحتمل أن تتعرض له هذه الاقتصادات بعد هذه الأحداث وهو ما نقوم به في الجزء الثاني من هذه الورقة، أما الجزء الثالث فيعرض للصورة العامة للاقتصاد الخليجي بعد الحادي عشر من سبتمبر وما يتوقع له خلال الأجل القصير، وفي الجزء الرابع نلقي أضواء على أثر الأحداث على اقتصادات عدد من الأقطار العربية الخليجية مما توافرت بيانات عنها، أما الجزء الخامس والأخير فيشير إلى توصيات لمجلس التعاون ولصانعي القرار السياسي في هذه الأقطار للتقليل من الآثار السلبية التي تنطوي عليها هذه الأحداث. ثانيا: الحالة الاقتصادية قبل الحادي عشر من سبتمبر: لاشك أننا نعبر عن الحقيقة عندما نقول ان الاقتصاد الخليجي ككل واقتصادات أقطاره يعتمد على أسعار النفط. ففي ظل ارتفاعه تسود موجات رواج وازدهار والعكس في حالة هبوطه تحدث موجات من الانكماش يتباطأ معه النمو الاقتصادي. وقد كان العام المنصرم 2000/2001 عام انتعاش نسبي شهده الاقتصاد الخليجي، الأمر الذي كان يبرر إلى حد ما التوقعات المتفائلة التي بدأت تظهر قرب نهاية عام 2000 وذلك نتيجة لارتفاع أسعار البترول، وقد قدرت الإيرادات الفعلية لدول مجلس التعاون الخليجي بنحو 125 مليار دولار في عام 2000، وذهبت التوقعات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول سوف يقفز إلى 300 مليار دولار مسجلا بذلك أعلى مستويات نمو، وذلك عكس السنوات السابقة التي شهدت تباطؤا في النمو الاقتصادي. وطبيعي أن يؤدي هذا التحسن في الإيرادات إلى نمو عال في الإنفاق العام وما يؤدي إليه من نمو في القطاعات الاقتصادية وفي المحصلة زيادة مضاعفة في الناتج المحلي الإجمالي. وكان ذلك أمرا ملاحظا في دول المجلس. الاكثر تضرراً ربما تكون منطقة الخليج العربي أحد أكبر المتضررين خارج الولايات المتحدة من جراء كارثة الحادي عشر من سبتمبر وتوابعها، وإذا نحينا جانبا ومؤقتا أثر ذلك على سوق البترول وأسعاره فإن الضرر قد بدأ في الظهور في كل من الاستثمارات الخارجية وأسواق المال والسياحة والطيران والتأمين. تضررت الاستثمارات الخارجية سواء في صورة أسهم أو ودائع بالدولار الأمريكي، وتراجع مؤشرات أداء الأسواق المالية يؤثر سلبا على هذه الاستثمارات. وتشير أحد التوقعات إلى أن خسائر السعودية قد تصل إلى 28مليار دولار من جملة استثماراتها البالغة 150 مليار دولار. وفيما يتعلق بالأسواق المالية فقد أثرت الأحداث عليها سريعا، فبعد كارثة الهجوم في الولايات المتحدة هوى مؤشر الأسعار في سوق الأسهم السعودية ـ وتمثل حصة السوق السعودية النسبة الأكبر من إجمالي كمية وحجم الصفقات للأسهم المتداولة بالأسواق الخليجية ـ كما هبط مؤشر سوق البحرين ب3.5% من قيمة الإقفال التالي للحادث، وعلى العكس من ذلك جاءت نتائج سوق دبي وأبو ظبي ومسقط وقطر حيث حققت نموا بعد الحادث، وكان طبيعيا أن يتأثر قطاع السياحة شأن النشاط السياحي في أقطار العالم. وفي الوقت الذي تأثرت السياحة في الخليج بأكثر من 40%، إلا أنه يتوقع أن تنتعش السياحة البينية العربية، كما أن السفر إلى العمرة والحج لا يحتمل أن يتأثر سلبا بهذه التطورات. ومن ناحية أخرى زادت نفقات الشحن والتأمين بدرجة عالية، الأمر الذي سوف ينعكس في زيادة للسلع الاستثمارية والوسيطة والاستهلاكية، ويتوقع أن يعمل المستوردون على نقل هذه الأعباء إلى المستهلكين النهائيين، إلا أن القدرة على إحداث هذا النقل ليست مطلقة. ومن ثم ربما يؤثر ذلك على تقليل رفاهية المستهلكين من جهة وتخفيض أرباح المستثمرين من ناحية أخرى. أما فيما يتعلق بسوق البترول وما يتمخض عنه من أسعار فلهذه الأحداث عليه آثار مباشرة وغير مباشرة. فلحظيا دفعت الهجمات ضد الولايات المتحدة سعر البترول إلى أعلى وإلى أكثر من 31 دولاراً للبرميل، ويبدو أن هذا الارتفاع اللحظي كان سبب الصدمة التي ولدت انطباعا بأن اضطرابا شديدا سوف يحدث في سوق البترول الأمر الذي قد يحد من المعروض منه في السوق العالمي، وبالتالي اتجه السعر نحو الارتفاع. إلا أنه لم يأت الأسبوع الثاني بعد الهجمات إلا وكان السعر قد انخفض إلى 22.75 دولاراً للبرميل. وانخفاض سعر البترول على هذا النحو الحاد يتوقع أن يولد آثارا انكماشية حادة، فينخفض الإنفاق العام، وقد تظهر بعض الموازنات العامة في بعض الأقطار العربية عجزا، كما سوف ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي، ويخيم مناخ انكماشي عام يدفع إلى توقعات متشائمة لدى رجال الأعمال فيقل أيضا الاستثمار الخاص والنشاط الاقتصادي، وإذا افترضنا استمرار الوضع المتدني لسعر النفط وبقاء الأشياء الأخرى على حالها فإن الانكماش قد يغزي نفسه بنفسه الأمر الذي يلحق أضرارا فادحة بالاقتصادات الخليجية. ومن ثم فالأمر جد جلل، ويتعين إعمال الفكر لاستشراف الأزمة المحدقة وكيفية مواجهتها. ونشير هنا إلى المتغير الأساسي المولد للأزمة والدافع إلى تفاقمها وهو سوق البترول. يمكن القول ببساطة أن الطلب العالمي على البترول يتوقف على متغيرين رئيسيين هما نمو سوق الانتاج العالمي وسعر البترول. وإذا أمعنا النظر في الاقتصاد العالمي نجد أن الهجمات الإرهابية ضربته بشدة وهو على وجه التحديد في لحظة ضعف. فقبل الحادي عشر من سبتمبر شهدت الثلاث اقتصادات الأساسية في العالم بالفعل تباطوءاً آنيا لأول مرة منذ عام 1990 فاليابان انزلقت إلى انكماش انخفاض النمو الاقتصادي للولايات المتحدة إلى ما يقرب من الصفر أما الاقتصاد الأوروبي فكان التباطؤ فيه حادا، وأخذ نمو التجارة العالمية في التناقص من 13% في السنة الماضية إلى 2% متوقع في هذا العام، وانخفضت أسعار السلع غير النفطية بنسبة 7%، كما انخفضت تدفقات رؤوس الأموال إلى البلدان النامية من 240بليون دولار إلى ما يتوقع أن يكون 160بليون دولار هذا العام. وانعكس ذلك على قطاعات عديدة. عرضة للمراجعة ويعتمد مدى عمق هذه الاتجاهات الانكماشية وسرعة الاستشفاء منها على الحالة النفسية في الأسواق والسياسات المستقبلية ـ والأحداث العسكرية الغير القابلة للتنبؤ بها. ولذلك فهذه التقديرات عرضة للمراجعة. وإذا استرجعنا أن الطلب على البترول محفز بنمو الناتج المحلي أكثر مما هو محفز بمتغير السعر، فهذه الاتجاهات الانكماشية يتوقع أن تضعف الطلب على البترول، وفي ظل ثبات العرض يمكن أن يتدهور سعره إلى ما دون العشرين دولاراً للبرميل. ولذلك سارعت دول الأوبك الخليجية بالدعوة لاجتماع وزراء البترول لدول المنظمة والذي انعقد في فيينا في 14نوفمبر 2001، حيث تقرر فيه تخفيض إنتاج دول المنظمة ب1.5مليون برميل يوميا اعتبارا من أول يناير 2002 شريطة أن يلتزم المنتجون غير الأعضاء في الأوبك التزاما جاداً في نفس الوقت بتخفيض إنتاجهم بـ 500ألف برميل يوميا. وعلى افتراض أن التخفيض المقرر من جانب الأوبك والمتوقع من جانب غير الأعضاء فيه يعادل الانخفاض في الطلب على البترول بفعل ضعف النمو الاقتصادي. فالسؤال الآن هل يمكن أن ينجح مخطط انخفاض المعروض من البترول في الحفاظ على سعره؟ تعاني الأوبك دائما من مشكلة عدم الانصياع الكافي لحصص الإنتاج التي تقررها، وهو الأمر الذي يطلق عليه الإيرانيون «التسرب النفطي» الأمر الذي يحد من فعالية الأوبك ككارتل اقتصادي. وإضافة إلى ذلك ثمة عدد من الاعتبارات يمكن أن تسهم في مزيد من الحد لهذه الفعالية بعضها يمكن أن يؤثر في الأجل القصير والآخر في الأجل الطويل مثل: ـ تدهور نسبة إنتاج الأوبك إلى الإنتاج العالمي ويتوقع أن يتسارع ميل هذه النسبة للانخفاض بعد أن يصبح بترول بحر قزوين مطروحا في الأسواق. حصة دول الخليج ما زالت ثابتة داخل مجمل إنتاج الأوبك. ـ يتوقع أن يقل ما تستورده الصين من بترول الشرق الأوسط نتيجة لتزايد اعتمادها على البترول الروسي. ـ شرعت بعض دول شرق آسيا في تقليل اعتمادها على بترول الشرق الأوسط بالتحول إلى الغاز الطبيعي المنتج محليا. ـ بعد إزاحة حكومة طالبان ووجود حكومة معتدلة في أفغانستان أصبحت الساحة مهيأة لبناء خط غاز طبيعي يربط بين بحر قزوين وتركيا وأوروبا. وعليه فالاقتصاد الخليجي صار الآن بالفعل تحت وطأة صدمة خارجية عنيفة سوف تدفع إلى خفض نمو الناتج المحلي لدول الخليج. وكذلك، اضطراب موازناتها العامة مما سوف يدفعها إلى تقليل الإنفاق العام الموجه للتنمية. لعل الأزمة المحدقة قد أظهرت صواب الاستراتيجية التي تبناها مجلس التعاون الخليجي ودوله في تنويع مصادر الدخل القومي وتقليل الاعتماد على مصدر وحيد للصادرات. الورقة الثانية د. محمد السعيد ادريس الإشكالية الأساسية في التعامل مع الانعكاسات السياسية في الخليج المترتبة على الحرب الأمريكية ـ الأفغانية أن هذه الانعكاسات لا تقتصر فقط على الآثار المباشرة لهذه الحرب على دول مجلس التعاون الخليجي (داخل كل دولة، بين الدول الست، وبين هذه الدول والعالم الخارجي)، لكنها تمتد إلى التداعيات الآنية والمحتملة لهذه الحرب وبالذات على صعيدين، أولهما: الخطوات الأمريكية المحتملة في الحرب الممتدة ضد الإرهاب، وهل ستشمل دولا عربية وإسلامية أخرى أم لا، وثانيهما: مستقبل النظام العالمي بعد هذه الحرب وموقع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا النظام، هل سترسخ هذه الحرب مكانة الولايات المتحدة كقطب عالمي أحادي، أم ستفرض نوعا من التعددية القطبية، ربما يأخذ في البداية شكل «وفاق القوى» بين الولايات المتحدة وعدد من القوى العالمية المنافسة للولايات المتحدة. فإذا قررت الولايات المتحدة مثلا أن تشن حربا ضد إحدى الدول العربية وليكن العراق هو البداية، أو إذا قررت فرض حرب أفغانية في فلسطين يخوضها شارون وتحميه أمريكا على غرار المؤشرات الجديدة المترتبة على التصعيد الإسرائيلي الخطير ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات بضوء أخضر أمريكي، إذا حدث شيء من هذا فإن مواقف الدول العربية الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي من الولايات المتحدة سوف تتغير، وما ظهر على أنه خلاف في وجهات النظر لم يتطور إلى أزمة أثناء الحرب الأمريكية في أفغانستان (النموذج السعودي كان الأوضح في ذلك) فإنه قد يتحول إلى أزمة حقيقية، حتما ستفرض نتائج جديدة في الخليج وبالذات على صعيد العلاقات الخليجية ـ الأمريكية وما يمكن أن يحدث من تداعيات سواء على الصعيد الداخلي للدول الست أو للعلاقات فيما بينها، ومستقبل مجلس التعاون كمنظمة إقليمية. الانعكاسات أجمعت الدول العربية الست أعضاء مجلس التعاون الخليجي على إدانة التفجيرات التي حدثت في نيويورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر الماضي، لكنها كانت حريصة، وعلى لسان جميل الحجيلان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، على أن تشير إلى ضرورة توخي الولايات المتحدة عدم الاندفاع في توجيه اتهامات لا دليل عليها «الأمر الذي يثير مشاعر العداء والاستفزاز ضد دول وشعوب لا علاقة لها بمثل هذه الأعمال الإجرامية والتي طالما شجبتها وأدانتها، وتصدت لها بكل الوسائل». الدعوة إلى وجوب التروي وعدم الاندفاع التي تحدث عنها جميل الحجيلان كانت تعكس مخاوف خليجية مفرطة لتركيز الولايات المتحدة توجيه الاتهامات إلى أسامة بن لادن والأفغان العرب وتنظيم القاعدة ومعهم حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان. هذه المخاوف كانت ناتجة، بالطبع، من إدراك صعوبة المواقف التي سوف يتعين على الدول الخليجية اتخاذها في حالة قيام الولايات المتحدة بشن حرب ضد أفغانستان. فقد أدركت الدول الخليجية أعضاء المجلس ـ منذ البداية ـ ستكون مطالبة باتخاذ مواقف شديدة الحساسية، وأن الخيارات ستكون شديدة التعقيد. فقد كانت هناك ثمة مخاوف مبكرة في عدد من العواصم الخليجية من أن يفرض عليها أي عمل عسكري أمريكي مقبل متطلبات للمساهمة، ولو بشكل غير مباشر، حيث لا تريد دول الخليج التورط في تقديم مساندة لوجستية للأعمال العسكرية الأمريكية المتوقعة في أي لحظة، ولذلك حرصت بعض هذه الدول أن تستبق الأحداث وأن تقدم إرهاصات بمواقف لعل وعسى يمكنها أن تتجنب مأزق التعرض لضغوط مباشرة بالمشاركة في الحرب. وكان واضحا أن الدول الخليجية تحاول إرضاء الولايات المتحدة وفي الوقت ذاته أن تحرص على عدم استدراجها للتورط في تقديم مساندة لوجستية في الأعمال العسكرية الأمريكية المتوقعة في أي لحظة، من هنا ترددت أنباء عن وجود استعداد لدى بعض هذه الدول لتقديم دعم حيوي لواشنطن من نوع آخر، وذلك بتضييق الخناق على تمويل جماعات متشددة مماثلة لتلك المشتبه بها في الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة، حيث أبدت الاستعداد لاتخاذ مواقف أشد صرامة ضد التمويل الخاص من جانب مواطنيها لبعض الجمعيات الإسلامية الأخرى، إلى جانب إبداء الاستعداد لتقديم تعاون في مجال المخابرات وتبادل المعلومات والوثائق. وللتجاوب مع المطالب الأمريكية اتخذت الدول الخليجية إجراءات لمراقبة أرصدة مشتبه تمويلها للإرهاب. وكان واضحا أن الدول الخليجية حريصة على إبداء أعلى درجة من التعاون مع الولايات المتحدة عن طريق المبادرة بمثل تلك الإجراءات لتفادي التورط في عمل عسكري مباشر أو تقديم دعم لوجيستي للقوات الأمريكية، وكانت المبادرة السعودية والإماراتية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع حركة طالبان من أبرز أشكال التجاوب مع الموقف الأمريكي. لكن هذا لم يمنع ما تردد عن وجود استعداد للتعاون، بل وحدث مثل هذا التعاون العسكري مع الولايات المتحدة من جانب بعض دول المجلس في شكل تسهيلات لوجستية وتمويل الأسطول الأمريكي في الخليج والطائرات التي استخدمت لضرب حركة طالبان، رغم وجود نفي لمثل هذه المعلومات. مجمل هذه المواقف التي اتخذتها الدول الست أعضاء المجلس إما استجابة لضغوط أمريكية أو تحسبا لهذه الضغوط من الأزمة الناتجة عن انفجارات نيويورك وواشنطن والحرب الأمريكية على «الإرهاب» التي بدأت بالحرب الأمريكية في أفغانستان كانت لها انعكاسات شديدة الأهمية والخطورة، وبالذات على صعيدين، أولهما: على صعيد العلاقات الخليجية ـ الأمريكية ومستقبل هذه العلاقة، وثانيهما: على المستوى الداخلي في كل دولة خليجية وخاصة على صعيد السيادة والاستقرار السياسي إلى جانب انعكاسات إقليمية أخرى أبرزها مستقبل العلاقة مع باكستان وأفغانستان وإيران. العلاقات مع أمريكا لم تكن العلاقات بين معظم الدول الخليجية والولايات المتحدة قبل تفجر أزمة الولايات المتحدة مع الإرهاب الدولي عقب انفجارات نيويورك وواشنطن إيجابية في عمومها، بل كانت هناك مشاكل ظاهرة بسبب الموقف الأمريكي شديد السلبية إزاء المذابح التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وتسويف حكومة شارون لعملية السلام دون اهتمام أمريكي. وحتى عندما تجاوبت الدول الخليجية ومنها السعودية بدرجات معقولة، وإن كانت متفاوتة، مع المطالب الأمريكية فإن الإدارة الأمريكية لم تحاول مساندة هذه الدول بموقف إيجابي على صعيد القضية الفلسطينية، وباءت محاولات هذه الدول في جمع الرئيس الأمريكي جورج بوش مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر الماضي، مما دفع بالأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي إلى القول: إن المواقف الأمريكية من القضية الفلسطينية تؤدي إلى إفقاد العقل»، وكل ما فعله كولن باول وزير الخارجية الأمريكية هو اللجوء إلى المزاح في التعليق على تعبير الأمير السعودي، وذلك بالقول في مؤتمر صحفي: «لقد التقيته ـ يقصد سعود الفيصل ـ وأؤكد أنه لم يصبح مجنونا». لقد تجاهلت الولايات المتحدة حق الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، في التنسيق في المواقف والآراء بما يحترم إرادة الطرفين ويراعي الخصوصيات. لم يكن هناك تنسيق من الجانب الأمريكي مع الجانب السعودي، على الأقل لاكتشاف حقيقة هوية مرتكبي العملية الإرهابية، ومع ذلك حاولت الرياض مجاملة واشنطن لتكتشف أن تلك المجاملة لا جدوى لها. وهناك قائمة من الحالات التي حدث فيها إحراج للحكومة السعودية بسبب تسرع السلطات الأمريكية في اتخاذ القرارات. ومن هذه الحالات قرار تجميد أرصدة رجل الأعمال السعودي ياسين القاضي وأمواله في الداخل والخارج من قبل السلطات الأمريكية والبريطانية بحجة قيامه بتمويل تنظيم «القاعدة»، الأمر الذي نفاه هذا المواطن جملة وتفصيلا، ثم يأتي قرار عمدة نيويورك رودولف جولياني برفض معونة مالية قدمها الأمير السعودي الوليد بن طلال لضحايا انفجارات نيويورك. وجاء هذا الرفض بسبب دعوة الأمير السعودي للبحث في الأسباب التي أدت إلى مثل هذا الهجوم الإجرامي، مشيرا إلى أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين الأولى، وإن القضاء على الإرهاب يقتضي التصدي بموضوعية لهذه القضية. كما قامت واشنطن أيضا بإحراج الحكومة السعودية، وذلك بإصدار قائمة بأسماء 22 شخصا تعتبرهم إرهابيين مطلوبين للعدالة، ومن بين هذه الأسماء أربعة سعوديين معتقلين لدى السلطات السعودية تقول واشنطن إن لهم دورا في تفجير مجمع ثكنات الخبر العسكري في الظهران. وكان واضحا أن هناك بوادر أزمة في العلاقات الأمريكية ـ السعودية بسبب عدم الاستجابة الكاملة للمطالب الأمريكية، وإذا كانت الإدارة الأمريكية، وعلى لسان وزير الخارجية كولن باول والمتحدث باسم الرئاسة قد حرصت على نفي أي أزمة مع السعودية فإن شخصيات أمريكية بارزة في الكونجرس والإعلام الأمريكي قد تجاوزت حدود الاختلاف مع السعودية إلى اتهامات مباشرة وتعريض يسئ كثيرا للعلاقات بين البلدين. وإذا كانت السعودية قد تصدت إلى هذه الحملة العدائية ومن بينها اتهامات عضوي الكونجرس الأمريكي جون ماكين وجوزيف ليبرمان للسعودية ومصر بأنهما: «تلعبان دورا مزدوجا» وأن عليهما تحديد موقفهما من الإرهاب «وأنهما على الطريق الخطأ»، فالأمر الذي لا شك فيه أن نتائج سلبية سوف تحدث على صعيد العلاقات الخليجية ـ الأمريكية، وسوف يطرح سؤال الوجود العسكري الأمريكي في الخليج إلى متى بشكل أكثر جدية؟ وإذا ما سمح بفتح مثل هذا الملف فإن الكثير من التداعيات الإقليمية سوف تفرض نفسها ليس فقط على صعيد علاقات دول مجلس التعاون مع إيران والعراق، بل ربما على صعيد العلاقات بين دول المجلس، إذا أخذنا في الاعتبار مغزى منح أمريكا دولة البحرين صفة الحليف الرئيسي لأمريكا في الخارج وبالذات بالنسبة للسعودية، حيث يمكن النظر إلى مثل هذا التطور على أنه يعد بمثابة إسفين هدفه خلخلة التوازن السياسي بين دول المجلس. هناك أيضا التأثير بعيد المدى على صعيد تدعيم حملة العداء بين الغرب والإسلام وتأجيج الجنوح نحو دفع حملة الصدام بين الحضارات كإطار جديد للعلاقات الدولية بدلا من ترسيخ التعاون والتعايش والاستقرار الدولي كأهداف عليا للنظام العالمي. داخليا وعلى الرغم من أهمية تأثير الأزمة على العلاقات الخارجية وبالتحديد العلاقات الخليجية ـ الأمريكية فإن انعكاسات الأزمة داخليا تحظى بأولوية كبيرة لأنها تتعلق بأهم قضيتين تشغلان الحكومات: الشرعية والاستقرار. فالذي يدرس أنماط التفاعلات الخليجية ـ الخليجية على مدى عقود أربع منذ الانسحاب البريطاني من الخليج عام 1971 سوف يجد أن أنماط التحالفات بين الدول الخليجية كانت تقوم في الأساس بدافع من التهديدات التي تتعلق بالشرعية والاستقرار السياسي. كانت الدول تعتبر أن من يهدد الشرعية والاستقرار هو العدو الأول الذي يجب التحالف ضده، بغض النظر عن مدى قدرته العسكرية من عدمها، بل أن دول مجلس التعاون كان تتحالف مع الأقوى عسكريا ضد الأضعف عسكريا، ولكن شرط أن يكون الأخطر على الشرعية والاستقرار السياسي. تحالفت هذه الدول في عقد السبعينيات مع إيران الشاه الأقوى عسكريا ضد العراق الأخطر سياسيا على الشرعية والاستقرار السياسي رغم أن العراق كان في وضع عسكري أضعف من إيران. وفي عقد الثمانينيات تبدلت التحالفات ولكن على نفس القاعدة، فقد تحالفت هذه الدول مع العراق الأقوى عسكريا ضد إيران الأخطر سياسيا (تصدير الثورة) والأضعف عسكريا إلى هذا الحد يلعب هذا المتغير الدور المحوري في تطور التفاعلات الخليجية. الأحداث الأخيرة تمثل تهديدا للشرعية وللاستقرار وأيضا للسيادة: أ ـ فهي تعتبر تهديدا للسيادة من منظور المطالب الأمريكية بإلغاء التعليم الديني في السعودية، وخلخلة البناء المذهبي والشرعية الدينية لنظام الحكم السعودي وإذا ما حدث هذا في السعودية فسوف يمتد ضمنا إلى دول أخرى خليجية مجاورة. هناك بعد جديد يتهدد السيادة يمكن تسميته «بمبدأ ايفانوف». ويتلخص هذا المبدأ في دعوة وزير الخارجية الروسي ايجور ايفانوف بسن مبدأ جديد في العلاقات الدولية يصدر عن الأمم المتحدة يحمل الدول وزر عجزها عن قمع الإرهابيين داخلها ويحملها مسئولية تجاوز هؤلاء وتهديدهم لدول أخرى، ويعطي للمجتمع الدول والدول حق التدخل في الشئون الداخلية للدول لقمع منظمات إرهابية وتحميل الدول التي تنتمي إليها تلك المنظمات المسئولية عن عجزها القيام بالمهمة. إقرار مثل هذا المبدأ سوف يفتح أبواب التدخل الخارجي على مصراعيها للدول الكبرى في شئون دول أخرى تحت ستار قمع منظمات إرهابية، بل سيعطي هذه الدول حق شن حرب ضد مواطني تلك الدولة باعتبارهم مسئولين عن عجزهم التصدي للإرهاب داخل دولتهم. دول الخليج التي خرج منها العدد الأكبر من المسئولين عن العمليات الإرهابية الأخيرة، وفقا للمزاعم الأمريكية، ربما تجد نفسها مطالبة بدفع تعويضات هائلة للولايات المتحدة، أو ربما تكون معرضة في المستقبل لاعتداءات خارجية، ولعل مثل هذا التطور المحتمل يخدم الأهداف الأمريكية في الحرب الممتدة ضد الإرهاب لتطول دولا عربية ومنظمات عربية للمقاومة. ب ـ أما بالنسبة للتهديدات التي سوف تلحق الشرعية فيه تتعلق أيضا بالضغوط الأمريكية الراهنة ضد التعليم الديني عموما والمذهب الوهابي خصوصا الذي يشكل المصدر الأساسي لشرعية النظام الحاكم في السعودية، وربما يفرض على السعودية، وفقا لما ذكرته مجلة الايكونوميست البريطانية 13 أكتوبر 2000 البحث عن مصدر جديد للشرعية. المجلة أخذت من الفتوى التي أصدرها الشيخ حمود بن عقله الشعيبي «بتكفير كل من ظاهر الكفار وأعانهم على المسلمين» مدخلا لتفجير قضية الشرعية السياسية في السعودية، إذا ما تورطت السعودية مع أمريكا في الحرب ضد أفغانستان، لكن يمكن إثارة القضية من منظور آخر هو اتجاه الحكومة السعودية من تقليل الارتكاز على «الوهابية» كمصدر أساسي لشرعية نظام الحكم، وذلك بالتجاوب مع الضغوط الأمريكية، والوقوع في دائرة الدفاع عن النفس على غرار ما فعل وزير الأوقاف السعودي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ الذي حاول أن ينفي وجود مذهب باسم «الوهابية» من الأساس. ففي حواره مع صحيفة «عحاظ» السعودية ونخبة من رجال الفكر 18/11/2001 قال: «إن ما يدعونه بالوهابية ويزعمون أننا عليه هي منهج السلف وجوهر الدين، وليس هناك داع لتسميتها بذلك، لأنها ليست مذهبا جديدا». وأضاف أنه: «ليس هناك مذهب أسمه الوهابية وأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي ينسب إليه تأسيس هذه الحركة لم يأت بجديد بل أحيا مذهب السلف الذي يحرص على أن يكون الدين خالصا وخاليا من الشوائب والبدع». ج ـ أما بالنسبة لمشكلة الاستقرار السياسي فهي ناتجة من اتجاه الدول الخليجية بالتضييق على منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية وبالذات التي لها اهتمامات دينية استجابة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 الذي صدر استنادا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويلزم الدول الأعضاء وغير الأعضاء في المنظمة الدولية باتخاذ سلسلة من الإجراءات المحددة لمنع تمويل أو مساعدة الإرهاب، أو الإرهابيين أو توفير ملاذ آمن لهم، فضلا عن التعاون الدولي والتنسيق في مجال تبادل المعلومات بموجب أحكام القوانين الوطنية والدولية. تضييق مجمل هذه الإجراءات تكشف أن جهودا باتت تبذل تحت مسمى تجفيف منابع الإرهاب بالتضييق على الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني في الدول الخليجية التي كانت تعتبر المنفذ الوحيد المتاح لممارسة المشاركة. محاصرة أنشطة هذه الجمعيات من شأنه التضييق على هامش الديمقراطية المتاح الذي لا يحتمل تضييقا لكن يلاحظ على التطورات الأخيرة أمرين: أولهما: أنها سوف توسع دائرة الساعين نحو المشاركة فالحكومات الخليجية كانت تسترضي قطاعا عريضا من أصحاب الاتجاهات الدينية بالتوسيع من هامش أنشطة المنظمات والجمعيات الخيرية، وكان أصحاب الاتجاهات العلمانيين هم الأكثر اعتناء بمطلب المشاركة السياسية. وكانت الحكومة ترفض التجاوب إلا في حدود تنفيس الأزمات وبالذات التكيف مع مطالب تأسيس عقد اجتماعي جديد يعوض عن تردي مكتسبات دولة الرفاه الاجتماعي التي تداعت بفعل الأزمات الاقتصادية وتداعيات حرب الخليج الثانية. الآن مع التضييق على منظمات الأعمال الخيرية ذات البعد الديني، ومحاصرة أنشطة هذه الجمعيات للحد من مكانة العامل الديني في الشرعية السياسية، فإنها سوف تفتح على نفسها أبواباً واسعة من المطالب الديمقراطية وجهود البحث عن شرعية جديدة للحكم قد تؤثر سلبيا على الأسر الحاكمة. ثانيهما: أن محاصرة المنظمات والجمعيات الخيرية الأهلية أشعل منافسة حامية بين أصحاب الاتجاهات الليبرالية والعلمانية ضد أصحاب الاتجاهات الدينية. وما يحدث في الكويت منذ تحميل أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، من صدامات بين أنصار الاتجاهين داخل مجلس الأمة الكويتي وخارجه ما يكشف خطورة هذه التطورات. اقليمياً على الرغم من التحفظات التي التزمت بها دول مجلس التعاون في التجاوب مع المطالب الأمريكية بالمشاركة بشكل أو آخر في الحرب ضد حركة طالبان فإن النتائج التي انتهت إليها هذه الحرب سوف تطرح تحديات مهمة على صعيد العلاقات مع كل من باكستان وإيران. هذه التحديات مفادها أن النتائج الأخيرة للحرب التي جاءت على حساب البشتون وطالبان وفي صالح تحالف الشمال جاءت ضد مصالح باكستان وفي صالح إيران، مما يمكن أن يزيد التنافس بين البلدين ويزيد حرج الموقف السعودي خصوصا في ظل العداء الشديد في أفغانستان لمن يسمونهم بالأفغان العرب والمجازر التي ارتكبت بحقهم. ـ كيف ستدير الدول الخليجية العلاقات مع كل من باكستان وإيران؟ ما هو الموقف من تنامي الدور التركي في أفغانستان؟ سؤالان يطرحان تحديات جديدة للدول الخليجية. لكن السؤال الأصعب هو كيف سيكون موقف الدول الخليجية في حالة قيام الولايات المتحدة بمد الحرب ضد الإرهاب إلى العراق وفي ظل المذابح التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في ظل صمت أمريكي مريب. من الورقة الأخيرة التي قدمها أحمد إبراهيم محمود من مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أعربت دول مجلس التعاون الخليجي، شأنها شأن معظم دول العالم، عن ادانتها الكاملة لهجمات 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن، وأكدت تعاطفها الكامل مع مأساة الولايات المتحدة، وأكدت استعدادها للتعاون معها في التحقيقات. وقد حثت دول مجلس التعاون الخليجي الولايات المتحدة في بادئ الأمر على التروي والتأكد من مسئولية أسامة بن لادن عن هجمات 11 سبتمبر ودراسة كافة الخيارات الأخرى قبل البدء في مهاجمة أفغانستان. وإلى جانب التعاطف الكامل مع كارثة تفجيرات نيويورك وواشنطن، فإن معظم دول الخليج حرصت على تأكيد أن هذه التفجيرات تمثل في أحد جوانبها انعكاسا للاختلالات التي تتسم بها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وبالذات فيما يتعلق بالتحيز الأمريكي الصارخ لإسرائيل، وهو ما ينعكس بقوة في صورة تجاهل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، دون أن تمارس الولايات المتحدة أى ضغط حقيقي على إسرائيل لإنهاء هذا الوضع، بل أن إسرائيل تحتمي بالمظلة الأمريكية، كما تحصل منها على أحدث أنواع الأسلحة والمعدات القتالية، جنبا إلى جنب مع حصول إسرائيل على دعم اقتصادي ضخم من الولايات المتحدة. ولذلك، فإن هذا التحيز الأمريكي لإسرائيل يعتبر مسئولا ـ بالإضافة إلى عوامل أخرى ـ عن وجود قدر كبير من الكراهية للسياسة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي. وقد أعربت معظم دول الخليج عن اعتقادها بأن من الضروري أن تكون معالجة الولايات المتحدة للأزمة متوازنة وموضوعية، بحيث لا تقتصر معالجة الإرهاب على الأدوات العسكرية والمالية والاقتصادية، ولكنها يجب أن تتضمن أيضا تعديل السياسة الأمريكية، ولاسيما فيما يتعلق بضرورة معالجة التحيز الأمريكي السافر لإسرائيل، والاعتراف بالحقوق الفلسطينية المشروعة بهدف إنهاء العداء للولايات المتحدة في العالم العربي والإسلامي، أو على الأقل تخفيف حدته، وضرورة عدم الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال الأجنبي، وهو ما تسعى إسرائيل إلى تحقيقه، حيث سعت إسرائيل إلى استغلال الأزمة لصالحها منذ البداية عن طريق محاولة وصف الانتفاضة الفلسطينية بـ «الإرهاب». وفى هذا الإطار، حرصت دول المجلس على التشديد على ضرورة ألا تؤدى الحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان إلى إلحاق أضرار بالمدنيين الأبرياء في أفغانستان، وضرورة تفادى أن تؤدى أى ضربة عسكرية أمريكية ضد أفغانستان إلى زيادة معاناة الشعب الأفغاني. الخليج والحملة الأمريكية تبنت دول مجلس التعاون الخليجي موقفا حذرا إزاء الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، وكان هذا الموقف الحذر نتاجا للعديد من العوامل والاعتبارات، أبرزها أن الولايات المتحدة لم تقدم أدلة كافية بشأن مسئولية من تعتبرهم منفذي الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن، جنبا إلى جنب مع الأخذ في الاعتبار موقف الرأي العام في هذه الدول، والذي إن لم يكن مؤيدا للهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة، إلا أنه كان ضد ضرب أفغانستان وزيادة معاناة الشعب الأفغاني البائس، بالإضافة إلى عدم الاقتناع بمدى مسئولية طالبان والقاعدة عن أحداث 11 سبتمبر. وفى هذا الإطار، فإنه بينما أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي عن دعمها الكامل للحملة العسكرية الأمريكية ضد أسامة بن لادن، خلال اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في جدة، إلا أن ذلك لا ينفى أن هذه الدول قد تحفظت عموما على السياسة الأمريكية خلال الأزمة. وقد اتفقت دول مجلس التعاون الخليجي أيضا على استراتيجية موحدة لمكافحة الإرهاب، وذلك في اجتماع وزراء داخلية دول المجلس، وتتضمن هذه الاستراتيجية التعاون وتبادل المعلومات والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف وتعزيز الجهود المبذولة في هذا المجال، كما أكدوا على إدانتهم لكافة الأعمال والجرائم الإرهابية بجميع أشكالها، وأيا كانت الأسباب التى تتستر خلفها. مطالب أمريكية على الجانب الآخر، فإن الإدارة الأمريكية طلبت من الدول الخليجية، ولاسيما السعودية، التعاون بدرجة أكبر في التحقيقات التى أجرتها أجهزة الأمن الداخلى في تلك الدول مع الجماعات المتطرفة، علاوة على القبض على الأفراد المشتبه في وجود علاقة لهم بأحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، كما ركزت المطالب الأمريكية أيضا على ضرورة السماح للأجهزة الأمنية الأمريكية بالتحقيق في خلفيات بعض المتورطين في هجمات نيويورك وواشنطن، وبالذات ممن يحملون الجنسية السعودية. وفى الوقت نفسه، طالبت الإدارة الأمريكية دول الخليج بالتعاون معها بدرجة أكبر في حربها ضد الإرهاب، ولاسيما من حيث تقديم تسهيلات عسكرية للحرب الأمريكية ضد أفغانستان، وبالذات السماح للقوات الأمريكية باستخدام القواعد العسكرية الخليجية، ولاسيما السعودية، والسماح بإنشاء مقر قيادة متقدمة للقوات الأمريكية في الخليج، إلا أن معظم دول الخليج رفضت هذه الطلبات الأمريكية تماما، وهو ما كان واحدا من الأسباب الرئيسية التى حركت حملة الهجوم الإعلامى والسياسى ضد المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة بغرض الضغط عليها للتجاوب مع الطلبات الأمريكية. ولذلك، فقد عانت العملية العسكرية الأمريكية في أفغانستان منذ البداية من مشكلة الافتقار إلى مقر قيادة متقدم قريب من ساحة العمليات. وكان قائد العملية الجنرال تومى فرانكس يدير العملية العسكرية من مقر قيادة القوات المركزية في تامبا في ولاية فلوريدا الأمريكية، وذلك بسبب رفض باكستان ودول الخليج والدول القريبة من مسرح الأحداث إعطاء الولايات المتحدة قاعدة متقدمة لإدارة عمليتها العسكرية في أفغانستان. وقد أثارت الحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان ردود فعل عنيفة في أوساط الرأى العام الخليجى، ولاسيما خلال الفترة التى ازدادت فيها عمليات القصف الجوى والصاروخى الأمريكى للمناطق السكنية، مما كان قد أوقع عددا كبيرا من الإصابات في أوساط المدنيين الأفغان البؤساء. وقد أدت هذه الحرب إلى ازدياد درجة العداء الشعبى للسياسة الأمريكية في العديد من الدول، وهو ما مثل عاملا إضافيا للضغط على حكومات تلك الدول. احتمالات ضرب العراق تباينت دول مجلس التعاون الخليجى في موقفها من احتمال توجيه ضربة أمريكية ضد العراق، في مرحلة تالية من الحرب الأمريكية ضد الإرهاب. فبعض الدول الخليجية أعربت صراحة عن رفضها لمبدأ استهداف العراق من جانب الولايات المتحدة، وأكدت على ضرورة ألا تمتد الحرب الأمريكية ضد الإرهاب إلى ضرب أى دول عربية أو إسلامية، لأن ذلك يمكن أن يؤدى إلى ردود فعل عنيفة في العالم العربى والإسلامى، ويمكن أن يزيد ذلك من درجة العداء والكراهية للسياسة الأمريكية. وعلى الجانب الآخر، فإن بعض الدول الخليجية لم تتخذ موقفا محددا من مسألة ضرب العراق، وبدا كما لو أن هناك نوعا من الترحيب الضمنى بهذه المسألة. ويشير مسئولون أمريكيون إلى أن البعض لمحوا إلى أن الظروف الحالية ربما توفر فرصة متاحة لإنهاء ما بقى معلقا بعد حرب الخليج، بل وتحريض الإدارة الأمريكية على أن نظام صدام حسين يعتبر أخطر من نظام طالبان. وعلى الجانب الأمريكي، تشير العديد من التحليلات إلى أن هناك عوامل عديدة ربما تشجع الإدارة الأمريكية على تفضيل خيار ضرب العراق عسكريا، لاعتبارات بعضها يتصل بمتغيرات سابقة على أزمة 11 سبتمبر، وبعضها الآخر يرتبط بهذه الأزمة. فمن المعروف أن إدارة بوش تسعى منذ وصولها إلى السلطة إلى تعديل مجالات الإنفاق العسكرى، مع التركيز بصفة خاصة على تخفيض الوجود العسكرى الأمريكى في الخليج والشرق الأوسط، إلا أن تحقيق هذا الهدف في الخليج يعتبر صعبا للغاية، بسبب استمرار ما تعتبره الولايات المتحدة تهديدا عراقيا لأمن الخليج. مما يضطر الولايات المتحدة إلى إبقاء قواتها البرية والبحرية الكثيفة في المنطقة من أجل ضمان أمن نفط الخليج، والدفاع عن الدول الصديقة. ولذلك، بدأت الإدارة الأمريكية تنظر في الوقت الحالى إلى نظام حكم الرئيس صدام حسين باعتباره حجر عثرة أمام سياستها الإقليمية في الخليج في الوقت الحالى، بدرجة أكبر من أى فترة ماضية. وعلى الرغم من أن ضرب العراق ربما لا يرتبط كثيرا بالحرب الأمريكية ضد الإرهاب، إلا أن بعض التحليلات الأمريكية تطرح عملية ضرب العراق بأنها باتت ضرورية للغاية من أجل استغلال الفرصة السانحة حاليا من أجل القضاء تماما على نظام الرئيس صدام حسين من خلال ضربة عسكرية أمريكية، ولاسيما بعد أن بات واضحا أن المعارضة العراقية أضعف من أن تتمكن من الإطاحة بهذا النظام. وفى الوقت الحالى، يرى بعض المسئولين الأمريكيين أن هجمات 11 سبتمبر أعطت للولايات المتحدة المبرر للقيام بكل ما تراه ملائما من أجل القضاء على الإرهاب، وتعجز أى قوة دولية عن توجيه النقد للسياسة الأمريكية في الظروف الحالية. ولذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تنجح الآن فيما فشلت فيه قبل عدة شهور، حينما فشلت الإدارة الأمريكية في تمرير مشروع قرار في مجلس الأمن بشأن «العقوبات الذكية»، بسبب معارضة روسيا والصين، وإلى حد ما فرنسا لهذا المشروع. وعلى أية حال، فإن الإدارة الأمريكية بدأت في تجهيز القوات اللازمة لشن الحرب ضد العراق، حتى تكون مستعدة لذلك متى صدر القرار السياسى لها في هذا الشأن. وجرى لهذا الغرض إرسال قوات أمريكية قوامها نحو ألفى جندى إلى الكويت للمشاركة في تدريبات عسكرية يطلق عليها اسم (ربيع الصحراء)، بالاشتراك مع حوالى خمسة آلاف جندى أمريكى موجودين بشكل دائم في الكويت، كما تحتفظ القوات الأمريكية بالفعل بأسلحة ومعدات في معسكر الدوحة في ضواحى الكويت، وذلك في إطار برنامج (التخزين المسبق للأسلحة). وكان الهدف من نشر هذه القوات تحقيق هدف مزدوج، الأول هو ردع العراق ومنعه من استغلال الانشغال الأمريكى بحرب أفغانستان من القيام بأى تحركات عسكرية جديدة ضد الكويت، وكان نشر القوات الأمريكية في الكويت يهدف إلى إفهام القيادة العراقية بأن الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عن الكويت رغم انشغالها بالحملة ضد طالبان والقاعدة. والثانى هو الاستعداد لاحتمال توسيع الحملة العسكرية الأمريكية لضرب العراق، حيث كان هذا الهدف واردا منذ البداية في الخطة العسكرية الأمريكية لما يعرف بـ (الحرب ضد الإرهاب). ورغم ذلك، فإن الكثير من المسئولين الكويتيين والأمريكيين أكدوا منذ البداية أن الهدف من التعزيزات العسكرية الأمريكية الأخيرة في الكويت ينحصر في الإطار الدفاعى فقط، وأنها لا تشير إلى قرب مهاجمة واشنطن للعراق. وكان واضحا منذ البداية أن قيام الولايات المتحدة بتوسيع نطاق الحرب، ولاسيما في اتجاه ضرب العراق، يتوقف على عاملين رئيسيين، أولهما النجاح في حيازة القبول والمساندة من القوى الدولية والإقليمية ذات الصلة فيما يتعلق بضرب العراق، وبالذات الدول الرئيسية في العالم العربى، بالإضافة إلى روسيا والصين وفرنسا. أما العامل الثانى، فهى يتمثل في نتائج الحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان، حيث أن نجاح هذه الحملة في تصفية حركة طالبان وتنظيم القاعدة، واعتقال أو قتل أسامة بن لادن وكبار مساعديه، سوف يشجع صقور الإدارة الأمريكية، وبالذات في وزارة الدفاع، على الانتقال إلى المرحلتين الثانية والثالثة للحرب، وتوسيع نطاق الحرب جغرافيا وسياسيا، ومن ثم، فإن النجاح الجزئى الذى حققته هذه الحملة ربما يشجع الإدارة الأمريكية لاحقا على الانتقال إلى مرحلة ضرب العراق، وربما دول أخرى في المنطقة، إذا تمكنت من حشد قدر معقول من الدعم والمساندة لهذه الحرب من جانب الدول الرئيسية في الشرق الأوسط. أثر الأزمة استراتيجياً تركت أزمة 11 سبتمبر آثارا بالغة الأهمية على الروابط الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربى. وتنبع هذه الآثار من العديد من الاعتبارات المتعلقة بتداعيات هجمات 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن، وكذلك فيما يتعلق بتطورات الحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان، علاوة على الانعكاسات الاستراتيجية التى سببتها الحملة العسكرية على منطقة الخليج، فضلا عن التأثيرات المحتملة لأى مراحل لاحقة في الحرب الأمريكية ضد الإرهاب. استكمال عملية التطويق الاستراتيجى الأمريكية لمنطقة الخليج تشير العديد من التحليلات إلى أن التخطيط العسكرى الأمريكى لحرب أفغانستان لا يقتصر فقط على توجيه ضربة عسكرية انتقامية لأفغانستان، وتدمير قدرات طالبان والقاعدة، ثم الرحيل عن المنطقة، كأن شيئا لم يكن، بل على العكس تسعى الولايات المتحدة إلى استغلال الأزمة من أجل البقاء الدائم في المنطقة، من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. وتشير الإرهاصات الأولية للإطار الاستراتيجى الجديد، الذى مازال في طور الإعداد، إلى أن الولايات المتحدة تعتزم ايلاء قدر أكبر من الاهتمام السياسى والعسكرى بالقارة الآسيوية، بما في ذلك منطقة الخليج، بعد أن ظلت على مدى العقود الخمسة الماضية تعطى الأولوية للقارة الأوروبية. وينطلق التخطيط العسكرى الأمريكى على أن آسيا تشهد تحولات جذرية من الناحية الأمنية، مما يتطلب إجراء تعديلات رئيسية في الاستراتيجية والوضع العسكرى الأمريكى في آسيا، إلا أنها كانت تفتقر قبل أزمة 11 سبتمبر الماضى إلى آليات ملائمة للتأثير في تلك المنطقة عموما، وفى منطقة جنوب آسيا خصوصا، ولاسيما أن جنوب آسيا تعتبر المنطقة الأكثر توترا في العالم في ظل وجود احتمالات تصعيد نووى بين الهند وباكستان. وفى هذا الإطار، تستحوذ منطقة الخليج العربى على أهمية محورية في السياسة الدفاعية الأمريكية، ولاسيما فيما يتعلق بضمان أمن نفط الخليج. فرصة للتطويق وإذا أخذنا نفط منطقة بحر قزوين في الحسبان، فإن ذلك يزيد أيضا من أهمية منطقة الخليج في الاستراتيجية الأمريكية، لأن نسبة كبيرة من صادرات النفط من منطقة بحر قزوين سوف تمر من الخليج العربى ومضيق هرمز. وفى الوقت نفسه، تنظر الولايات المتحدة بقلق شديد إلى بعض التهديدات القائمة في المنطقة، حيث يتمثل التهديد الرئيسى من وجهة النظر الأمريكية في احتمالات حدوث عدوان جديد من جانب العراق أو إيران على دول المجاورة، أى دول على مجلس التعاون الخليجى. وقد أتاحت الحرب الأمريكية ضد أفغانستان الفرصة للولايات المتحدة لاستكمال عملية السيطرة والتطويق الاستراتيجى لمنطقة الخليج العربى. فقد تمكنت الولايات المتحدة من تعزيز وتوطيد وجودها العسكرى والاقتصادى في منطقة الخليج عقب الغزو العراقى للكويت، وعملت طيلة عقد التسعينيات على تثبيت وتعزيز وجودها العسكرى في المنطقة، إلا أن هذا الأمر اقتصر في نهاية المطاف على غرب منطقة الخليج، في حين لم تكن الولايات المتحدة تملك وجودا مؤثرا في شرق الخليج العربى والظهير الجغرافى ـ الاستراتيجى لهذه المنطقة، أى في منطقة جنوب آسيا وأفغانستان. ولذلك، فإن أزمة 11 سبتمبر أتاحت للولايات المتحدة إرسال قوات عسكرية كبيرة نسبيا إلى منطقة جنوب آسيا، ومن غير المنتظر أن تنسحب القوات الأمريكية من تلك المنطقة عقب انتهاء العملية العسكرية، بل سوف تحتفظ بالضرورة بوجود عسكرى ما، حتى لو كان من خلال التخزين المسبق للأسلحة والمعدات العسكرية، أو إبرام اتفاقات ومعاهدات عسكرية مع دول تلك المنطقة. ويتكامل هذا المسعى الأمريكى مع مسعى آخر يتمثل في العمل على استغلال الأزمة الحالية من أجل امتلاك موطئ قدم استراتيجى على مقربة من احتياطى النفط الهائل في منطقة بحر قزوين، وهو ما يكمل هيمنة الولايات المتحدة على معظم احتياطيات النفط في العالم، كما أن ذلك يتيح لها فرصة مثالية للعب دور هام في الخلاف بين دول بحر قزوين، وهى: إيران وتركمنستان وكازاخستان وروسيا الاتحادية وأذربيجان. فمن المعروف أن دول بحر قزوين تختلف في مواقفها بشأن تقاسم ثروات البحر، ولاسيما مخزون الثروة النفطية الضخمة في البحر، والتى تحددها بعض التقديرات بحوالى 200 مليار برميل، حيث تتركز المشكلة حول كيفية تقاسم ثروات البحر، وكيفية شق طريق لخط أنابيب نقل النفط. وليس هناك من شك في أن هذه المسألة تعتبر أحد المكاسب الرئيسية للولايات المتحدة في الأزمة الحالية، إلا أننا لا نتفق مع الآراء التى تذهب إلى أن نفط بحر قزوين يعتبر المحدد الرئيسى للموقف الأمريكى من حرب أفغانستان، فهو أحد المحددات، ولكنه ليس المحدد الوحيد، بل ولا حتى المحدد المحورى. ويتمثل المكسب الرئيسى للولايات المتحدة في هذه الأزمة في أنها سوف تستطيع أن تمد وجودها العسكرى في آسيا الوسطى ودول بحر قزوين، مما سوف يتيح لها التدخل بصورة مباشرة في الخلافات المتعلقة بتقاسم ثروات بحر قزوين، ولاسيما بعد أن تمكنت من نشر قوات ضخمة في العديد من دول المنطقة، وباتت تستخدم قواعد عسكرية عديدة في تلك الدول. وسوف تمتلك الولايات المتحدة القدرة على التدخل مباشرة في حركة التفاعلات الإقليمية، وسوف تجد دول المناطق المذكورة نفسها مضطرة إلى التعامل مباشرة مع الولايات المتحدة، مما سوف يزيد حتما من الدور الأمريكى في تلك المناطق، كما سوف تضعف قدرة الأطراف الإقليمية على مساومة الولايات المتحدة أو الضغط عليها. 2 ـ تعزيز التعاون الأمنى والاستراتيجى الخليجى ـ الأمريكى عقب تفجيرات نيويورك وواشنطن، كان التركيز الأمريكى ينصب على إعطاء الأولوية لما أسمته بـ «الحرب ضد الإرهاب»، حيث سببت هذه التفجيرات تغيرا جوهريا في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية. فقد عجزت أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وبالذات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، عن رصد واكتشاف هجمات 11 سبتمبر أثناء مرحلة التخطيط والإعداد. وقد أكدت تفجيرات نيويورك وواشنطن على أن الولايات المتحدة سوف تظل في حاجة ملحة إلى مساعدة المجتمع الدولى، سواء من أجل مواجهة الإرهاب أو من أجل صيانة الأمن القومى الأمريكى، وهو وضع سوف يستمر لفترة طويلة في الحرب ضد الإرهاب وحدها، نظرا لأن هذه الحرب ليست حربا قصيرة، وإنما هى حرب ممتدة ومعقدة، وتشتمل على عناصر عسكرية وأمنية ومالية ولوجستية وسياسية واقتصادية. وبالتالى، فإن من المفترض أن تؤدى هذه الأزمة إلى الإقلال من التعالى وغطرسة القوة والاستغناء عن العالم الخارجى التى كانت إدارة جورج بوش تتعامل بها قبل الأزمة. وفى هذا الإطار، فإن أحد الدروس الأساسية لهجمات نيويورك وواشنطن يتمثل في أن الولايات المتحدة كانت تستطيع أن تتفادى القصور الأمنى والاستخباراتى الفادح الذى كشفته هذه الهجمات، فيما لو أنها تعاونت بصورة أكثر عمقا مع أجهزة الأمن العربية، ولو أنها كانت قد اعتمدت على الخبرات الأمنية العربية. ولذلك، فإن الولايات المتحدة تعتزم التركيز في المستقبل على توسيع دائرة التعاون مع أجهزة الاستخبارات العربية، التى تمتلك القدرة على اختراق التنظيمات الإرهابية المتطرفة، علاوة على التوسع في الاعتماد على عملاء عرب ومسلمين من أجل اختراق الخلايا الإرهابية للمتطرفين الإسلاميين. التأثير الامني تترك الأزمة الحالية انعكاسات داخلية هامة على الأوضاع الأمنية في دول الخليج، بدءا من هجمات 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن، ثم الحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان، والحرب ضد الإرهاب على امتداد الساحة الدولية، وصولا إلى حزمة الإجراءات الوقائية التى تزمع الولايات المتحدة اتخاذها من أجل تفادى وقوع مثل تلك الهجمات مجددا في المستقبل. فقد اعتبرت الإدارة الأمريكية أن أحداث 11 سبتمبر خلقت تهديدا جسيما أمام الولايات المتحدة، بسبب نجاح جماعة معادية في اختراق العمق الداخلى للولايات المتحدة، وإلحاق خسائر جسيمة في الأفراد والأهداف الأمريكية الحيوية. وفى الوقت نفسه، فقد مثلت هجمات 11 سبتمبر تطورا ثوريا في ظاهرة الإرهاب الدولى، بحيث أصبح أكثر خطورة من الحروب التقليدية، بعد أن تمكن من اختراق العمق الداخلى للولايات المتحدة، وأسقط عددا ضخما من الضحايا الأبرياء، وسبب دمارا هائلا وبالغ الخطورة، وأحدث ارتباكا مروعا في كافة الأنشطة الاقتصادية، ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن أيضا على الصعيد العالمى، كما تضمنت هذه التفجيرات استخداما لتكتيكات وآليات جديدة في العمل الإرهابى، كما عكست قدرة عالية من جانب المهاجمين على إخفاء المراحل التحضيرية والتنفيذية للهجوم، بالإضافة إلى الدقة الشديدة والتزامن في تنفيذ العمليات، مما ترك تأثيرا مضاعفا لها. ولم تكتف الإدارة الأمريكية، ومعها النخبة الأكاديمية في الولايات المتحدة، بشن الحرب ضد أفغانستان، واستهداف قادة تنظيم القاعدة، وضرب الشبكة العالمية للإرهاب، وإنما بلورت أيضا حزمة من الإجراءات الرامية إلى تفادى حدوث أى هجمات إرهابية جديدة ضد الولايات المتحدة والغرب في المستقبل، وتشتمل هذه الإجراءات على: التصدى بصورة شاملة للإرهاب البيولوجى والكيميائى، والوقوف بحزم في مواجهة أى نظام للحكم يستخدم الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية ضد الولايات المتحدة أو مصالحها، بما في ذلك تنحية مثل هذا النظام عن الحكم. وفى الوقت نفسه، يجرى التركيز في الولايات المتحدة على ضرورة علاج الظروف التى سمحت لأسامة بن لادن بتجنيد مهاجمين انتحاريين، والظروف التى سمحت بزرع بذور الكراهية لأمريكا في قلب العالم الإسلامى. وبدلا من أن يتجه الفكر الأمريكى هنا نحو ضرورة معالجة التحيز السافر في السياسة الأمريكية لإسرائيل، فإن هناك ثمة فكرة شائعة في الأدبيات السياسية والخطاب السياسى الأمريكى تقوم على أن الدافع الرئيسى وراء التطرف والعداء للغرب وغضب المسلمين من الولايات المتحدة يتمثل في فشل العديد من الدول الإسلامية المعتدلة في تشكيل حكومات عصرية تستجيب لاحتياجات شعوبها واحتياجات المجتمعات المدنية التى لا يسمح لها سوى بأقل مستوى من النقاش والديمقراطية. والأكثر من ذلك، ان ثمة تياراً متنامياً في الإعلام الأمريكى والإسرائيلى يسعى إلى تأليب الإدارة الأمريكية ضد أصدقائها العرب، واتهامهم بأنهم يرعون الإرهاب. تنفيذ التصورات وإذا حاولت الإدارة الأمريكية أن تضع هذه التصورات موضع التنفيذ، فإن ذلك يمكن أن يترك انعكاسات أمنية داخلية سلبية في العديد من الدول عموما، وفى الدول الخليجية خصوصا. فمن حيث المبدأ، كانت الحملة العسكرية الأمريكية العنيفة ضد أفغانستان قد سببت ردود فعل داخلية عنيفة في دول مجلس التعاون الخليجى، ولاسيما في المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من أن كبار المسئولين الخليجيين عموما، والسعوديين خصوصا، انتقدوا الغارات الأمريكية ضد أفغانستان بحدة، فإن هذه الحملة سببت توترا في العلاقة بين بعض الحكومات وبين المتدينين المتشددين والمثقفين ورجال الدين في المنطقة. تعقيد التفاعلات اقليمياً يطلق مسئولون أمريكيون تأكيدات على أن توجيه ضربة عسكرية أمريكية ضد العراق تعتبر مسألة وقت، وأن هذه المسألة تعتبر محسومة من جانب الإدارة الأمريكية، بحيث تهدف هذه الضربة إلى الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين تماما، وليس مجرد الضغط عليه. والواقع، ان هناك ثمة تباينا في المواقف بين مسئولى الإدارة الأمريكية بشأن ضرب العراق، إلا أن هذا التباين لا يتعلق بالمبدأ ذاته، وإنما ينصب في الأساس على التوقيت. ولذلك، فإن هناك العديد من المصادر التى تتحدث عن إمكانية قيام الولايات المتحدة بتنفيذ سيناريو في العراق شبيه بما نفذته في أفغانستان، يقوم على إبعاد الرئيس صدام حسين ومجموعته عن السلطة وإحلال مجموعة موالية للغرب مكانه، حيث تتخوف الولايات المتحدة من تداعيات انهيار نظام الحكم في العراق. وتثير هذه الاحتمالات مخاوف عديدة، نظرا للانعكاسات السياسية والأمنية لهذه الضربة، ولاسيما فيما يتعلق ب: 1 ـ ان العراق في وضع أقوى بكثير من حركة طالبان في أفغانستان، بل أن تصريحات المسئولين العراقيين تؤكد على أن العراق الآن أقوى بكثير مما كان عليه أثناء حرب الخليج عام 1991. 2 ـ إن الضربة العسكرية الأمريكية للعراق تلقى معارضة شديدة من جانب معظم الحكومات العربية، بل ومن جانب الكثير من القوى الدولية المؤثرة، والتى ترفض جميعا التجاوب مع المواقف الأمريكية المتشددة في مواجهة العراق، وهو ما قد لا يوفر للولايات المتحدة المساندة السياسية المطلوبة للقيام بهذا العمل. وفى الوقت نفسه، فإن ضرب العراق عسكريا يمكن أن يفتح الباب أمام سيناريو الفوضى الشاملة، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، ولكن على الساحة الدولية ايضا، حيث يبدو من الممكن أن هذه الضربة سوف تتسبب ـ حال حدوثها ـ في انهيار التحالف الدولى المناهض للإرهاب، كما أنها يمكن أن تتسبب في تهييج قطاعات أكبر من العرب والمسلمين ضد السياسة الأمريكية، ولاسيما إذا شاركت إسرائيل في الضربة الأمريكية للعراق، وهو ما يمكن أن يؤدى إلى وقوع عمليات إرهابية ضد أهداف أمريكية على امتداد الساحة الدولية. التقارب الايراني ـ الامريكي أدت تطورات الحملة العسكرية الأمريكية ضد أفغانستان، والتحركات السياسية التى صاحبتها، إلى حدوث قدر من التقارب في العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية، حيث أدانت إيران هجمات 11 سبتمبر على نيويورك وواشنطن فور وقوعها. وبدا واضحا أن الإدارة الأمريكية اهتمت من جانبها بأن تكسب الجانب الإيرانى إلى صفها في هذه الأزمة، ولاسيما أن إيران كانت تستضيف بعض قيادات وفصائل التحالف الشمالي المناهض لطالبان، وتقدم له الدعم والمساندة السياسية والعسكرية، وتملك قدرة عالية على التأثير السياسى على قرارات هذا التحالف، وهو ما كان أمرا بالغ الأهمية للولايات المتحدة في بداية الأزمة ولا ينفى ما سبق أن هناك تباينا في المواقف داخل الإدارة ووسائل الإعلام الأمريكية بشأن الموقف من إيران. فمن ناحية هناك تيار هام من المحللين ووسائل الإعلام الأمريكية ينظر إلى إيران باعتبارها «القلب الحقيقى للارهاب الدولى والتهديد الطويل الأمد للسلام العالمى»، ولاسيما بسبب حرصها الزائد على تطوير طائفة واسعة من أسلحة الدمار الشامل، سواء الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، أو القدرات الكيماوية والبكتيرية والنووية، ويخلص هذا التيار إلى ضرورة ضرب إيران عسكريا في إطار الحرب ضد الإرهاب. وتؤيد إسرائيل بقوة هذا الاتجاه، وتحاول إقناع الإدارة الأمريكية به. وعلى الجانب الآخر، فإن التيار الأقوى داخل الإدارة الأمريكية الآن يرى أن هناك إمكانية للتقارب بين الولايات المتحدة وإيران، ولاسيما أن إيران قامت من وجهة نظرهم بدور بناء وإيجابى في مفاوضات بون التى أدت إلى الاتفاق على إنشاء حكومة مؤقتة في أفغانستان. وقد عبر عن هذا الموقف ريتشارد هاس مساعد وزير الخارجية الأمريكي، حينما أشار إلى أن الإيرانيين استخدموا نفوذهم بشكل ساعد على التوصل إلى اتفاق بون بين الفصائل الأفغانية. والواقع، إن حدوث المزيد من التطور الإيجابى في العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية يمكن أن يسبب آثارا متنوعة على الأمن في منطقة الخليج العربى، وسوف يتوقف مضمون هذه الآثار على عمق هذا التقارب الأمريكى ـ الإيرانى. فالتقارب يمكن أن يخفف من حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وهو التوتر الذى ظل لفترة طويلة يطرح إمكانية نشوب مواجهة عسكرية واسعة النطاق بين الجانبين، مما يعنى أن انتهاء التوتر يمكن أن يهدئ الأوضاع الأمنية والاستراتيجية في المنطقة. أما إذا كان هذا التقارب الأمريكى ـ الإيرانى أكثر عمقا، فإن ذلك يمكن أن يغرى إيران على القيام بدور القوة المهيمنة على منطقة الخليج، مستفيدة في ذلك من علاقاتها الجديدة مع الولايات المتحدة، إلا أن مثل هذا التطور يظل غير وارد في المدى القصير بسبب وجود تيارات سياسية قوية في كل من الولايات المتحدة وإيران تعارض حدوث مثل هذا التقارب. الكويت ـ المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية:

Email