التسمم بالرصاص.. القاتل المستتر

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الوقاية من التسمم بالرصاص أمر ممكن تماماً، هذا ما تقوله منظمة الصحة العالمية في دراسة حديثة لها، وقد أشارت أيضاً تقديرات معهد القياسات الصحية والتقييم إلى أنه في عام 2013 تسبب التعرض للرصاص في 853000 وفاة وفي 16.8 مليون سنة من سنوات العمر المصححة باحتساب مدد العجز من جراء الآثار الطويلة الأمد في الصحة، وتتحمل المناطق النامية أعلى عبء مترتب على ذلك. ومن الأمور المقلقة بوجه خاص دور التعرض للرصاص في حدوث الإعاقة الذهنية لدى الأطفال.

وحتى مع الاعتراف الواسع النطاق بهذه المشكلة ومع اتخاذ العديد من البلدان إجراءات في هذا الصدد، يظل التعرض للرصاص، وخصوصاً في مرحلة الطفولة، من الشواغل الرئيسية لمقدمي خدمات الرعاية الصحية ومسؤولي الصحة العمومية على نطاق العالم.

يشير مصطلح التسمم بالرصاص إلى فرط تعرض الإنسان للرصاص. وطريقة التعرض الأكثر شيوعاً هي الابتلاع. وقد يحدث التعرض على مدى فترة زمنية قصيرة (التسمم الحاد) أو على مدى فترة زمنية طويلة (التسمم المزمن).

ولم يُحدد حتى الآن مستوى مأمون للتعرض للرصاص. ونتيجة لذلك فإن بعض السلطات الصحية تُعرِّف فرط التعرض بأنه زيادة تركيز الرصاص في الدم على القيمة المرجعية لدى السكان ككل. وعادة ما تكون هذه القيمة المرجعية هي المتوسط الهندسي لتركيز الرصاص في الدم لدى أعلى نسبة 2.5٪ أو 5٪ من السكان، أي المئين رقم 97.5 أو 95 بالترتيب.

ففي الولايات المتحدة الأميركية مثلاً، يبلغ المئين رقم 97.5 لتركيز الرصاص في الدم لدى الأطفال دون السادسة من العمر 5 ميكروغرامات/‏ ديسيلترات. ويشكل هذا التركيز نفسه القيمة للمئين الثامن والتسعين في الأطفال دون السابعة من العمر في فرنسا.

الأضرار الصحية

يتراكم الرصاص في الجسم ويؤثر على جميع الأجهزة العضوية. وقد يؤدي التعرض للرصاص إلى آثار صحية مزمنة وموهنة في جميع الفئات العمرية، ولكنه يضر بصغار الأطفال بصفة خاصة. ويعود ذلك إلى أن نمو الجهاز العصبي سريع التأثر بسمية الرصاص، حتى في ظل التعرض الذي لا يتسبب في أعراض وعلامات ظاهرة للعيان. وقد يؤدي التعرض للرصاص في الطفولة المبكرة إلى نقص القدرات الإدراكية وخلل القراءة واضطراب نقص الانتباه والسلوك المعادي للمجتمع. كما قد يسبب التعرض للرصاص فرط ضغط الدم، والقصور الكلوي، وتسمم جهاز المناعة والأعضاء التناسلية.

ويؤدي امتصاص كميات كبيرة من الرصاص إلى الغيبوبة والاختلاجات بل وقد يؤدي إلى الوفاة. أما الأطفال الناجون من التسمم الوخيم بالرصاص فقد يعانون من إصابة عصبية دائمة مثل الصمم والتخلف العقلي.

أشارت تقديرات معهد القياسات الصحية والتقييم إلى أنه في عام 2013 تسبب التعرض للرصاص في 853000 وفاة من جراء الآثار الطويلة الأمد في الصحة، وتتحمل البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أعلى عبء مترتب على ذلك. كما أن تقديرات المعهد تشير إلى أن التعرض للرصاص تسبب في 9.3% من العبء العالمي لإعاقة الذهنية المجهولة السبب (أي الإعاقة الذهنية غير الناتجة عن أسباب معروفة مثل العوامل الجينية)، و4% من العبء العالمي لمرض القلب الإقفاري، و6.6% من العبء العالمي للسكتات الدماغية.

مصادر تعرض الإنسان للرصاص

للرصاص استخدامات عديدة؛ ومن ثم فهناك العديد من المصادر المحتملة للتعرض. وتتمثل المصادر المهمة في حالات التلوث البيئي الناتجة عن عمليات إعادة تدوير بطاريات الرصاص الحمضية غير الرسمية، وعمليات استخراج الرصاص وصهره غير الخاضعة للرقابة الجيدة؛ واستخدام الأدوية التقليدية التي تحتوي على الرصاص؛ والخزف المزجج الذي يحتوي على الرصاص والذي يُستخدم في صناعة أوعية الطعام؛ والطلاء المحتوي على الرصاص. وكان البنزين المزود بالرصاص يمثل مصدراً مهماً للتعرض ولكنه لم يعد يُستخدم في معظم البلدان.

في سياق العمل على التخلص من الطلاء المحتوي على الرصاص، يشمل مصطلح «الطلاء المحتوي على الرصاص» الدهانات وطلاء الورنيش والأصباغ وطلاء التلميع وطلاء التبطين وسائر أنواع طلاء التغطية.

وعادة ما يتكوّن الطلاء من مزيج مركب من الراتنجات والأصباغ ومواد الحشو والمذيبات وغيرها من الإضافات. والطلاء المحتوي على الرصاص هو الذي أضيف إليه مركب واحد أو أكثر من مركبات الرصاص كي يكتسب خصائص معينة، مثل اللون أو مقاومة الصدأ أو سرعة الجفاف.

وتضاف مركبات الرصاص إلى بعض أنواع المينا والطلاء العضوي القائم على المذيبات. ونادراً ما يضاف الرصاص إلى الدهانات المستحلبة القائمة على الماء. وقد يتراوح محتوى الرصاص في الطلاء بين أقل من 90 جزءاً في المليون (90 ميليغراماً /‏ كيلوغراماً) وأكثر من 000 100 جزء في المليون (000 100 مليغرام/‏ كيلوغرام).

وقد تحتوي أنواع الطلاء التي لا يضاف إليها الرصاص على كمية صغيرة من الرصاص كأحد الملوثات الموجودة في المواد الخام المستخدمة في الصناعة، ولكن المحتوى من الرصاص في هذه الحالة يقل عادة عن 90 جزءاً في المليون.

مشكلات

مازال الطلاء المحتوي على الرصاص مستخدماً في معظم البلدان، وبعد القضاء التدريجي على البنزين المزود بالرصاص، أصبح هذا النوع من الطلاء أحد أهم مصادر تعرض الأطفال للرصاص. ويُعد الطلاء المحتوي على الرصاص مأموناً طالما كان سليماً؛ ولكن مع تقادمه يبدأ الطلاء في التلف ويتفتت في شكل رقائق وأتربة تلوث بيئة المنزل. ويسهل ابتلاع الأطفال الصغار لرقائق الطلاء وأتربته.

خطورة

يظل الطلاء المحتوي على الرصاص مصدراً للتعرض لعدة سنوات في المستقبل. فحتى في البلدان التي حظرت استخدام الطلاء المحتوي على الرصاص منذ عقود مازال هناك العديد من المنازل التي توجد فيها أسطح مغطاة بهذا النوع من الطلاء.

 وكلما عجلت البلدان بحظر الطلاء المحتوي على الرصاص استطعنا التخلص من هذا الموروث السام على نحو أسرع.

Email