«الصيام والوقاية من السرطان»

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

للصيام آثار متعددة ومتنوعة على صحة الإنسان البدنية والنفسية بشكل عام وعلى جسمه وأجهزته وأعضائه بشكل خاص، وتتوزع مفاعيله المباشرة وغير المباشرة على كل الصعد المتعلقة بصحة الإنسان من الوقاية من الأمراض إلى التخلص من آثارها. كما يتحكم الصيام بالكثير من الأنشطة البدنية الحيوية فيحسّن من أدائها ويرفع من مستوى فعاليتها ويجدّد حركتها.

تمحورت الدراسات الطبية العالمية التي تناولت آثار الصيام على الأجهزة والأعضاء في جسم الإنسان ودوره في الوقاية من الأمراض وفي تحسين الظروف الصحية للفرد والعائلة حول الوظائف الأساسية والبالغة الأهمية ومنها: توفير الطاقة وترشيدها وإعادة توزيعها، والتخلص من السموم والفضلات، وتحسين وظائف الجهاز الهضمي، وتحسين عمليات الجهاز التنفسي، وتحسين نشاطات القلب والدورة الدموية، وتحسين وظائف الدماغ والجهاز العصبي، وتحسين عمليات جهاز المناعـــة، وخفض نسبة السكر في الــدم، وخفض ضغط الدم الانقباضي، وتقليــل نسبة الشحــــوم في الدم.

كما راحت الدراسات تتركز وتتوزع حول محاور تخصصية معينة لكشف ورصد دور الصيام في معالجة بعض الأمراض المزمنة أو الخطيرة والتي لها آثار سلبية ضخمة على الفرد والعائلة والمجتمع كأمراض القلب والشرايين وأمراض الكبد والجهاز الهضمي وداء السكري وأمراض الروماتيزم والســرطان.

وقد ظهرت آثار إيجابية جليّة على جبهتي الوقاية والعلاج من الأمراض عندما أجريت أبحاث ودراسات معمّقة تناولت أثر الصيام على المرضى المصابين بأمراض مزمنة محددة كالتهابات القولون التقرحية ومتلازمة القولون الهيّوجي وتصلب الشرايين وتجلط الدم وارتفاع ضغطه وداء الخرف وداء «الزهايمر» وتلف الخلايا الدماغية أو هرمها وغيرها من الظواهر المرضية الخطيرة والأمراض الصعبة.

وقد أثبتت التجارب العلمية أيضاً أن الصيام يزيد من استجابة الخلايا للأنسولين، ويزيد من فعالية مستقبلات الهرمونات كالأديبونيسيتين مما يزيد من فرص الوقاية من داء السكري أو التخفيف من آثاره السلبية، كما أثبتت دوراً هاما للصيام في تركيز ورفع مستويات الكوليسترول الحميد، وخفض مستويات الكوليسترول الضارّ وترسبات الدهون بشكل عام مما يساعد بشكل واضح وفعال على الوقاية من أمراض العصر: «أمراض القلب والشرايين».

أما الدراسات التي تناولت دور الصيام في الوقاية من السرطان أو في علاجه فلقد حازت رواجاً متصاعداً وسلكت مسالك متعددة ودخلت إلى الموضوع من أبواب مختلفة، فمن دخول معترك التخلص من السموم والفضلات وأهمية الصيام في تحصيل ذلك إلى دور الصيام في تقوية جهاز المناعة ومن دراسة أثر الصيام على نشوء الأورام بشكل عام إلى دوره في تحسين نوعية العلاج الكيميـــائي وردّات فعـــل المرضى تجاهـــه.

وقد ظهرت في المدة الأخيرة دراسات علمية جديدة تطرقت لنظريات أخرى كمقاومة الخلايا لنشوء الأورام في جسم الصائم أو مقاومة الجسم نفسه للخلايا السرطانية عند الصائمين، وأجريت أبحاث مخبرية على الفئران والثدييات وعلى مجموعات من المتطوعين الصائمين وعلى مرضى السرطان أنفسهم، وقد ظهرت نتائج باهرة ونشر بعضها في بعض المجلات الطبية الأميركية والأوروبية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تدني نسبة سرطان الغدد اللمفاوية إلى مستويات قاربت «الصفر» في إحدى الدراسات الفرنسية التي تناولت دور الصيام المتقطع في الوقاية من الأورام اللمفاوية. ومن الدراسات التي لاقت أخيراً اهتماماً بالغاً من الباحثين والمهتمين بدور الصيام في مقاومة الأورام دراسة تناولت دور الصيام في تدني نسبة سرطان الكبد عبر منع أنسجته التالفة من التحول إلى أنسجة سرطانية.

فرض الله سبحانه وتعالى الصيام على الإنسان وجعل فيه أسباب العافية والصحة والوقاية من الأمراض له ولعائلته ومجتمعه وجعل فيه «نعمةً» مخفيّة لو تأملها وتدّبر ما فيها وبحث في أسرارها لوجد فيها الكثير من «الألطاف» الجليّة و«الكنوز» الخفيّة، ليسعد بها ويتنعّم بها شاكراً حامداً راضياً !.

* استشاري في أمراض الأنسجة والخلايا ورئيس شعبة بمستشفى دبي

Email