نموذج مصغر عن حياة أهل البحر في الزمن الماضي

حكايات الصيد وأهازيج البحّارة تصدح في قصر الحصن

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة ارتباط خاص بين حياة الإماراتيين في الزمن الماضي والبحر، فقد كان البحر مصدر رزق للأجداد بما فيه من أسماك وفيرة متنوعة ولؤلؤ ثمين، وكان وجهتهم اليومية للصيد والتنزه والرحلات، ينطلقون من شواطئه عند بزوغ الفجر، ولا يعودون إلا عند مغيب الشمس محملين بما جنوه من عملهم الشاق والممتع في آن، ومرددين أناشيد البحارة التي كانت تخفف عنهم شيئاً من لهيب حرارة الشمس، وتحثهم على العمل وبذل الجهد في سبيل تحصيل الرزق.

ويرسم مهرجان قصر الحصن المقام في العاصمة أبوظبي حالياً حتى 13 من الشهر الجاري، ملامح من البيئة البحرية التي كانت حاضرة في ذاك الزمان، من خلال نموذج مصغر عن حياة البحارة الأجداد، وكيف كانوا يصنعون قوارب الصيد، والأشرعة، والقراقير، والمجاديف، وشباك الصيد، حيث يتعرف الزوار إلى تاريخ هذه الحرف وكيف نشأت وتطورت ومدى المحافظة عليها واستمرار استخدامها في الزمن الراهن.

اللؤلؤ والمحار

ويتوسط ناصر آل علي رئيس جمعية بن ماجد للفنون الشعبية في إمارة رأس الخيمة، المكان الذي يعرض مجموعة متنوعة من الأصداف واللؤلؤ والمحار، ويجاوره مجموعة من النهّامين الذين كانوا يستعدون لإطلاق مجموعة من الأهازيج البحرية المحببة، وقبل أن يتحدث عن المهرجان والمشاركة، يسرد آل علي الذي يشارك للمرة الرابعة على التوالي قصصاً من الماضي، فقد كان شاهداً على حكايات البحر والبحارة في زمن الأجداد، واختبر بنفسه قيمة العمل في مهنة الصيد التي كانت تشكل ثروة بديلة عن النفط في تلك المرحلة.

تحدث آل علي عن موجودات البيئة البحرية وأسهب في الحديث عن أدوات الغوص والأصداف وصيد المحار الذي يحوي اللؤلؤ، حيث كان الغواصون من جميع الإمارات يجتمعون في أبوظبي لصيد اللؤلؤ، مشيراً إلى أن الأصداف لها أنواع عديدة وأحجام مختلفة واستخدامات متعددة، وقد استخدمت قديماً في الكثير من مجالات الحياة، كصناعة الألعاب الشعبية الخاصة بالبنات والأولاد، ومن أنواع الأصداف ما استخدم كأدوات للزينة النسائية مثل «صدف الصفد» الذي استخدم كمكحلة للعين.

تفصيل الشراع

وفي مكان آخر يجلس محمد عبد الله الحمادي، ماداً شراعه على الأرض ممسكاً بأطرافه يخيطها بإتقان ودقة، ويتحدث عن صناعة الأشرعة التي تدخل فيها قماش الغزل القديم الذي يمتص الماء، والحبال والخيوط والميبر أو إبرة الخياطة، ويقول: يُبسط القماش بعد أن تتم خياطته، ثم يوضع الحبل ويتم تفصيل الشراع، بعد ذلك تثنى قطعة القماش على الحبل، ثم تجري عملية خياطة كاملة للشراع بالميبر، من أجل توثيق القماش.

بعدها يتم وضع حبل تحت القماش يسمى (المح) في بطن الشراع، ثم تتم عملية الخياطة من جديد، وبعد أن يتم تحديد الشراع من الأعلى ومن «اليوش» الأسفل – يضاف حبل آخر يسمى «الداسي» في أعلى الشراع من كل جانب، ما عدا الشفرة التي بها حبل رفيع جداً يسمى (المح).

ويؤكد الحمادي أن صناعة الشراع الواحد يمكن أن تستغرق بضعة أيام، ويمكن أن تتم في يوم واحد إذا تعاون عليها عدد من الصنّاع.

قارب الغوص

ويتحدث البحّار الشاب سبيل النوبي المشارك للسنة الثانية في مهرجان قصر الحصن، عن صناعة قارب الغوص القديم التقليدي الذي يستخدم لأغراض الغوص والسفر والتجارة وفقاً للنوع والحجم، ويقول إن القارب يصنع من الخشب عبر تركيب القاعدة التي تسمى «البيس» والمكابح ومن ثم بناء المحمل وتثبيت الشراع.

ويضيف قد يستغرق صنع المركب من ثلاثة إلى ستة أشهر، مشيراً إلى أن طول المركب يتراوح بين 43 و60 قدماً، وهو لا يزال يستخدم حالياً في السباقات الشراعية والسباقات التراثية.

صناعة القراقير

ويتحدث أحمد علي محمد عن أقفاص القراقير التي يتم بواسطتها اصطياط الأسماك بمختلف أنواعها وأحجامها، وكيف تطورت هذه الحرفة عبر الزمن، وأدخلت عليها تقنيات حديثة، ويوضح أن القرقور هو عبارة عن قفص مشبك على شكل نصف بيضاوي مصنوع من المعدن المرن «السيم»، وله فتحتان الأولى وهي البوابة «البابه» وهي التي يدخل منها السمك ولا يستطيع الخروج منها لأنها على شكل مخروطي يسهل دخول السمك ويصعب عليه الخروج، والثانية وهي تكون مقابلة لفتحة الدخول وتكون مغلقة تفتح عندما يتم إخراج السمك منها.

ويشير إلى أن القرقور كان يُصنع في السابق من جريد النخل، وكان يثبت بداخله حجر لكي يغطس في البحر.

مناسبة

مراحل قارب الشاشة

تعرض منطقة البحر في مهرجان قصر الحصن التراثي مراحل تصنيع قارب الصيـد القديم «الشاشة»، الذي يصنع من جريد النخـل، وهو نوع من القوارب البدائية استخدمه الأجداد قديماً وانتشر بشكل خاص في إمارة الفجيرة، وما زال مستخدماً حتى الآن، يتسع لأربعة بحارة، ويمتاز بطرفين مدببين، وداخله محشو بأطراف السعف (الكرب)، لكي يطفو على سطح الماء.

وهذا النوع من المراكب لا تدخل فيه المسامير أبداً، لأنه يُخاط بالحبال المصنوعة من جريد نخل «المزربان» الوحيد المناسب لصناعة هذا القارب التقليدي، وهو أيضاً من أفضل الأنواع من حيث الثقب لإدخال الحبال.

ويمكن للبحار صنع «الشاشة» في يوم واحد إلى ثلاثة أيام، ويستخدم القارب للصيد في المياه الضحلة، ويتميز بكلفته القليلة وسرعة بنائه، وهو القارب الوحيد الذي لا يغرق حتى في أعتى الأمواج، إذ يظل طافياً على السطح ويمكنه أن يعمّر عشر سنوات.

حرفة

صناعة شباك الصيد

يتعرف زوار منطقة البحر ضمن مهرجان قصر الحصن على حرفة خياطة شباك الصيد باستخدام الأدوات والمواد التقليدية، ومجالات استخدام شباك الصيد المختلفة. ويعرض الصيادون المشاركون مهارة رمي الشباك لصيد الأسماك، والأنواع الموجودة في دولة الإمارات.

فن

أناشيد الغوص

يستمع زوار المهرجان إلى أناشيد البحارة التي تسمى «النهمة»، وهي فن من فنون البحر ويغنيها «النهّام» من دون موسيقى من أجل بعث الحماس والقوة في نفوس البحارة، وتشجيعهم على العمل وبذل الجهد لتحقيق الصيد الوفير، والعودة الغانمة، وتخفيف وطأة الغربة والفراق، وشوق البحارة والغواصين لزوجاتهم وعائلاتهم، ويكشف عن حجم معاناتهم في موسم الغوص، فتراهم ينجزون أعمالهم الشاقة بهمّة ونشاط غير مبالين بالتعب.

نشاطات للزوار في منطقة البحر

يمكن للزوار ركوب قوارب الداو التقليدية، وخوض تجربة فلق المحار، وربما يحالفهم الحظ بالعثور داخلها على لؤلؤة يستطيعون شراءها. ويتعرف الزوار إلى الطرق التقليدية للغوص بحثاً عن اللؤلؤ، وتطور الأساليب الحديثة المستخدمة لتنشيط سوق صادرات أبوظبي منه.

يتفاعل الزوار مع المنشدين أثناء الجلوس معهم، والاستماع إليهم، والتعرف إلى تاريخ هذه الأهازيج والغرض منها. ويتعلم الزوار كيفية تمليح أسماك الصيد لحفظها، ويمكنهم شراء الأسماك والملح ومحاولة صناعتها بأنفسهم في المنزل. يمكن للزوار الاستماع إلى القصص الشعبية بأسلوب مسرحي جذاب، حيث يشارك الأطفال باستخدام العصي وارتداء الأزياء التقليدية.

Email