العين الثالثة

دوروثيا لانج غيّرت بعــــدســتها الـرأي العـام

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يقل دور فن التصوير الفوتوغرافي منذ نشأته وحتى اليوم، عن بقية الفنون التي ساهمت في تغيير الرأي العام، إما عبر الكشف عن العديد من الجوانب الإنسانية التي غفلت عنها المجتمعات، أو الارتقاء بجماليات الإبداع، ليخلد التاريخ نتاجها في كل مكان وأوان.



وإن كنا نعرف الكثير عن تجارب المبدعين في عالم الأدب والموسيقى والتشكيل، إلا أن معرفتنا في العالم العربي عن ثقافة فن التصوير، لا تزال قليلة.

«البيان» تسلط الضوء، بالتعاون مع جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، في كل شهر، على إحدى روائع الصور التي اعتبرت بمثابة أيقونة في عالم التصوير الفوتوغرافي، والحكاية التي تكمن خلفها، إلى جانب تجربة المصور الإبداعية، وذلك عبر تقديم قراءة لأحد كتب التصوير.
الأم المهاجرة



نبدأ في هذه الحلقة من صورة «الأم المهاجرة»، التي أتيح لزوار معرض «دبي للصورة» العالمي، الذي نظمه القائمون على الجائزة خلال شهر مارس الماضي، مشاهدتها. وقادنا بحثنا عن خفايا تلك الصورة، إلى كتاب الرحلة الفنية للمصورة «دوروثيا لانج – الإمساك بوميض الصاعقة»، للكاتبة الأميركية وحفيدة المصورة إليزابيث بارتريدج .

تستهل إليزابيث كتابها، بظروف التقاط دوروثيا تلك الصورة، لتقول إنه لم يكن يُقدر لدوروثيا التقاط هذه الصورة في أوائل شهر مارس عام 1936، الذي كان نهاية فصل الشتاء ببرده القارس، لو أنها تابعت طريقها.

 حيث أمضت دوروثيا خلال تلك الفترة، ما يقرب من الشهر على الطرقات، وهي تلتقط صور الحياة البائسة للمزارعين المهاجرين العاملين بالحصاد في كاليفورنيا.

منعطف نوعي


كانت دوروثيا المنهكة حتى الرمق الأخير، تقود سيارتها باتجاه الشمال، وهي تحلم بالعودة إلى بيتها، ولم يخطر في بالها التوقف حين طالعتها لوحة على الطريق مكتوبة بخط اليد «مخيم قاطفي البازلاء» لدى مرورها ببلدة نيبومو التي سبق وزارتها قبل عام في أول مهمة تصوير لها من قبل الحكومة..

 حيث أقنعت نفسها أنه لا جدوى من التوقف، فما صورته خلال مهمتها، شبيه تماماً بما سيكون عليه الحال في هذا المخيم.

لكنها، ودون أن تعي، قررت بعد قطعها 20 ميلاً، الالتفاف والعودة إلى المخيم، لتكتشف أن المحصول الذي رزح تحت أسبوعين متواصلين من المطر المنهمر، قد تلف، وليجد المزارعون أنفسهم بلا عمل أو مال لشراء الطعام.

خاضت دوروثيا في الطين، لتصل إلى خيمة ممزقة، تحتمي بها أم مهاجرة مع أطفالها السبعة، والتي لا يتجاوز عمرها 32 عاماً. كانت العائلة تعيش على خضار الحقل التي جمدها الصقيع، والعصافير التي يتمكن أطفالها من اصطيادها.
أثر


وبسرعة، التقطت دوروثيا صوراً لهم، لتركب سيارتها مجدداً وتعود إلى بيتها. ولكن لا لتأخذ قسطاً من الراحة، بل لتقوم بتظهير صور النيجاتيف لتلك الأم، والإسراع بها إلى صحيفة «سان فرانسيسكو نيوز»، التي نشرت صورتين منها مع مقالة في 10 مارس 1936.

وما إن نشرت الصور، حتى أمرت الحكومة الفيدرالية بتوفير الطعام للمهاجرين في ذاك المخيم، بقيمة 20 ألف باوند.

1895
طفولة دوروثيا لانج التي ولدت عام 1895، اقترنت بمأساتين، الأولى في السابعة من عمرها، حيث أصيبت بشلل الأطفال، ما تسبب لها بالعرج. ودفعتها حالتها إلى العزلة وقراءة الكتب، لتكتشف عشقها لأعمال شكسبير.

أما المأساة الثانية، فتمثلت في الظروف المالية القاسية التي واجهتها عائلتها، وهي من الطبقة المتوسطة عام 1907، ما دفع الأسرة إلى الاستقرار في بيت جدتها صوفي، التي تعمل في الحياكة، والتي هاجرت مع زوجها إلى الولايات المتحدة عام 1850. وسرعان ما أدركت الجدة نباهة عقل دوروثيا.
غير مرئية



كانت تذهب بعد المدرسة إلى المكتبة لتكتب واجباتها حتى انتهاء ساعات عمل والدتها، لتعودا معاً إلى البيت، لكنها بدلاً من الدراسة، كانت تقرأ بشغف ما تختاره من كتب تحيط بها.

وتعلمت آنذاك، ألاّ تكون مرئية، حيث وجب عليها العودة بمفردها إلى البيت مرتين في الأسبوع، وابتكرت هذا الأسلوب المرتبط برسم ملامح حيادية على وجهها، كي تتحاشى أية تحرشات.
“سأكون مصورة”

في مرحلة الثانوية، كانت دوروثيا تتغيب عن المدرسة في الكثير من الأحيان، لتزور المتاحف والغاليريهات، وتتجول في الشوارع، متأملة الجمال في تفاصيل لا يراها غيرها، كالثياب المنشورة على حبال الغسيل التي ترفرف في الهواء.

وبعد نجاحها في الثانوية، سألتها والدتها عما ستفعله لتعيل نفسها، فأجابت دوروثيا دون تردد، بأنها ستعمل كمصورة فوتوغرافية، على الرغم من أنها لم تمتلك أو تستخدم كاميرا في حياتها.
واستطاعت العمل كموظفة استقبال في استوديو تصوير أرنولد جانثيه، الذي اشتهر بصوره التي التقطها في الحي الصيني، إثر الزلزال عام 1906.

وسرعان ما تعلمت دوروثيا تظهير الصور ومعالجتها في الغرفة السوداء، ما فتح لها عالماً مذهلاً، وجدت فيه نفسها للمرة الأولى، وسرعان ما أصبحت مساعدته، بعدما قدم لها كاميرا قديمة من الاستوديو.



 وخلال السنوات التالية، عملت مع العديد من المصورين، وأخذت عدة دورات على يد أساتذة في التصوير، لتتعرف إلى نوع آخر من التصوير، غير البورتريه، والمتمثل بالتقاط تفاصيل الحياة اليومية.
احتراف

ما إن بلغت 22 عاماً، حتى قررت السفر مع صديقتها فلورنس أهلمستروم حول العالم، وتعرضتا للسرقة في سان فرانسيسكو، مما دفع دوروثيا للعمل في قسم تصوير بمحل تجاري، وصديقتها في شركة صرافة.

بعد مضي ستة أشهر، تمكنت من افتتاح استوديو خاص بها لتصوير البورتريه، وكان زبائنها من الأثرياء. ووزعت يومها بين العمل في النهار، ولقاء الفنانين في الاستوديو، حتى التقت بزوجها الأول، الرسام مانيارد ديكسون، الذي أنجبت منه ولدين.

وبانهيار السوق المالي عام 1929، توجهت العائلة إلى نيو مكسيكو، لتعيش في محمية نافاهو، وهناك اعتنت بأسرتها لمدة ثمانية أشهر، دون أن تلمس يدها الكاميرا. وعندما عادوا، وضعت طفليها في رعاية إحدى الأسر، وهو الذي كان شائعاً في ذاك الزمن، لتعود إلى العمل.
تصوير الشارع



وعادت دوروثيا إلى كاميرتها، حينما شد انتباهها خلال نظرها من النافذة، أحد العاطلين عن العمل، الذي كان واقفاً على مفترق الطريق، وفي عينيه نظرة حيرة وألم، لتسارع بالنزول لالتقاط صورته، والبدء بمنحى جديد في عالم التصوير، وبذا، بدأت مرحلة جديدة في خروجها بكاميرتها إلى الشارع.

وسرعان ما نشرت تلك الصورة، وأخرى لطوابير العاطلين، مع مقالة لبول تايلور مساعد الأستاذ الجامعي المتخصص في الاقتصاد الزراعي عام 1934، ليشكل الاثنان فريقاً، ويبدآن جولاتهما لمعرفة أحوال المزارعين الجوالين العاملين في قطف المحاصيل والحصاد، وذلك بتكليف من الحكومة، لدراسة ظروف معيشتهم البائسة ومحاولة تحسينها.
معسكر اليابانيين

وكُلفت من قبل الحكومة الاميريكة، بعد الهجوم على ميناء بيرل هاربور خلال الحرب العالمية الثانية، بالتقاط صور اليابانيين خلال انتقالهم إلى معسكر الاعتقال. واستطاعت دوروثيا بعدستها التقاط تعابير وجوههم التي تعكس مأساتهم، بعيداً عن المهانة والذل، ما أثار غضب الحكومة، لتحظر نشر صورها.
رحلة آسيا



استمرت رحلة دوروثيا مع التصوير، لتنتقل بكاميرتها خارج أميركا، لتزور العديد من البلدان الآسيوية لتصوير مختلف الجوانب الإنسانية في حياة الناس هناك، من الهند إلى باكستان، فأفغانستان وبالي.. وغيرها.

بغياب الشغف



«من الدروس التي تعلمتها خلال عملي على مشاريع التصوير، أنه حينما يغيب شغفك بمشروعك، عليك أن تدرك أنها اللحظة التي تحتاج إلى دفعها قدماً. واستمرارك بالدفع، يجبرك على أن تكون أكثر انفتاحاً في منظور رؤيتك للمشروع، ما يفتح لك آفاقاً جديدة للاكتشاف».

Ⅶ طفل من قاطفي المحاصيل - أوريغانو 1939
كلام الصور

الأم المهاجرة أو مزارعة بالمياومة - كاليفورنيا 1936
صخرة صغيرة - أركانساس 1938
عامل يومي على طريق سان دييغو – 1939
طفلان يابانيان يحملان علامة تعريفهما - هايورد 1942
امرأتان من الهنود الحمر - شرق غربي أميركا: 1923 إلى 1931
في قرية على النيل - مصر 1963
فنزويلا - 1960

الغسيل قبل إجلاء أبناء الجالية اليابانية بـ 40 ساعة - 1942
في مخيم عمال مكسيكيين - كاليفورنيا 1935
امرأة بعد تحررها من العبودية بذاكرة طويلة - ألاباما 1937
علاقات استهلاكية - سان فرانسيسكو 1952


الكتاب
دوروثيا لانج
الناشر كرونيكل بوكس 2013
الحجم
قطع كبير
الناشر
كرونيكل بوكس 2013
الصفحات
192

Email