الرواية والمسرح تفوقا عليه في معالجة قضايا الراهن

الشعر العربي..قصائد سكنت أوجاع العرب

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ظل الشعر العربي مسكوناً بمأساة الإنسان العربي على مر عصور، استطاع خلالها «ديوان العرب» أن ينظم حروف قصائده على وتر الألم، فأنتج أبياتاً لم تفقد صداها أبداً، وعبرت عما يمر به العربي من وجع، وعبر عن ذاته وطموحاته ورومانسيته، إلا أنه بدا في السنوات الأخيرة يقف عاجزاً أمام ما تشهده منطقتنا العربية من هزات عنيفه، خلفت وراءها وجعاً قاسياً يرفض مغادرة الأحياء العربية. في وقت أظهرت فيه الحروب، وجه الإرهاب والتطرف البشع، الذي رفع منسوب الدماء في الشوارع العربية وعمق من جراحها.

واللافت أن حكايات الوجع العربي لم تتوقف عند حدود نشرات الأخبار، وإنما أخذت تتغلغل في النصوص الأدبية على اختلاف مشاربها، فشكلت الفنون صوتاً نافذاً يروي بعضاً من ملامح هذه الحكايات، التي لم تتخلف عنها الرواية لتسردها أحداثاً بين سطورها، ولم تخل منها خشبات المسرح، والأمر ذاته انسحب على الأغاني التي وصفها الراحل محمود درويش يوماً بأنها كـ «جذور الشجرة، فإذا ماتت بأرض، أزهرت في كل أرض»، في حين أن الشعر تراجع عن معالجة هذا الوجع، ليأتي في مرتبة أقل من أقرانه، رغم أنه «ديوان العرب»، ولا يزال في جعبته الكثير من القصائد التي عبرت عن واقع شعوب المنطقة، ومكنته من تسيد عرش فنون التعبير العربية.

هل فقد الشعر العربي بريقه، ولم يعد قادراً على التعبير عن الألم العربي؟ سؤال طافت به «البيان» على عدد من الشعراء، الذين أكدوا أن «ديوان العرب» لا يزال حافظاً لماء وجهه، وقادراً على التعبير عن الألم، وأنه لا يزال يمثل الرئة التي تتنفس بها البشرية، معتبرين أن تراجعه كفن مستقل، لا يعني تراجع الشاعرية نفسها، والتي تكاد تسكن كافة الفنون، وبينوا أن الضيق الذي أصاب منابر الشعر أجبر الشباب على الانصراف نحو وجهات أخرى.

الشاعر اللبناني شوقي بزيع رفض مبدأ غياب الشعر عن ساحة التعبير عن أوجاع المنطقة العربية، لصالح الرواية والمسرح التي تقدمت عليه في هذا الشأن، وقال: «يمكن للقصيدة الآن أن تتحدث عن علاقة الإنسان العربي بقضايا الاحتلال والمقاومة والعدالة والحرية، والاستبداد.

ولكن يصعب عليها مثلاً أن تقارب الصراعات العربية ـ العربية، أو الصراعات المحلية»، منوهاً إلى أن المسرح والرواية يمتلكان العدة الكافية للتعبير عن هذه الصراعات، بحكم طبيعتها ولغتها وقدرتها على الدخول إلى جميع أشكال التعبير النثري، قادرة على مقاربة هذه الوقائع مهما صغرت وكانت تفصيلية«.

وقال:»أنا لا أوافق القول بأن هذا الوقت هو زمان الرواية والمسرح، كما ذهب جابر عصفور، وأرى أن الشعر موجود في العالم، وأن الشعرية موجودة ونسبتها لا تخف أبداً، رغم أنها قد تتراجع كفن مستقل، ولكنها تظل متواجدة في كافة أشكال التعبير الأخرى من الرواية والمسرح والفن التشكيلي والموسيقى، وفي حال قمنا بعزل الشعر من كافة هذه الفنون فلن يبقى منها إلا الأشكال الباهتة والجافة والميتة«.

وتابع:»لا أرى أن الشعر العربي حالياً في أسوأ حالاته، كونه يعيش أصلاً في أزمة ولا يكاد يخرج من واحدة إلا ويلج أخرى، وإذا تابعنا الصحافة العربية في نصف القرن الفائت، نجد أن سؤال الأزمة في الشعر العربي دائم التكرار، وأعتقد أنه من الطبيعي أن يكون الشعر في أزمة، لأنه أصلاً تعبير عن أزمة الإنسان والوجود وأزمة النقص في العدالة والحرية والجمال«.

فظاظة الواقع

يؤكد شوقي بزيع أن الشعر يظل ماء العالم وهواءه والرئة التي يتنفس من خلالها البشرية. وقال:»الشعر يعبر عن حاجتنا إلى كسر فظاظة الواقع وتليينه عبر هذه الحساسية الفاتنة التي نقارب بها الأشياء وتجعل الحياة والأرض متيسرة«، داعياً في الوقت نفسه إلى ضرورة إبعاد الشعر عن مهمات يومية وآنية وأن يترك للشاعر مهمة مقاربة الأشياء كما يراها هو وليس كما تراها الايديولوجيا.

وأشار إلى أن هناك العديد من القضايا التي يقاربها الشعر من غير وجهة، ويتصدى لها.

وقال بزيع:»من طبيعة الشعر ألا يكون جاهزاً ونهائياً، وليس ثمة وصفة لحل أزمات الإنسانية التي يقاربها الشعر، ولا حتى لأزمة الشعر نفسه، وهو الذي يجاهد البحث عن خلطة سحرية تمكن الشاعر من العثور على ضالته، عبر التوثيق بين مقتضيات البعد الوظيفي للكتابة وبين بعدها الجمالي، وبين محتوى القصيدة من جهة ومحتوياتها التعبيرية من جهة أخرى«.

واستطرد:»أن الايديولوجيا، تعودت دائماً على طرح مهمات على الشعر قد لا تكون من طبيعته، في محاولة منها لأن تنتصر لنفسها قبل أي شيء آخر، في حين أن الشعر ينتصر لأدواته ولغته ولطبيعته، لأن قضايا العالم العادلة لا يمكن أن تصنع من شعر رديء، شعراً جيداً، والعكس صحيح«.

وتابع:»كل أزمة يعيشها الشعر باعتقادي أنها لصالحه، لمحاولته المستمرة الابتعاد عن المصالحة مع نفسه من جهة والمصالحة مع الواقع من جهة أخرى، ليصبح بالضبط و«كأن حربه حربان» كما يقول الشاعر محمود درويش في قصيدة «سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا»، وبالتالي لا يجب علينا إثقال الشعر بالمهمات التفصيلية، وببؤس الواقع، وبتقديري أن كافة العقائد والايديولوجيات قد أساءت إلى الشعر ولم تراع خصوصيته، وجميعها تريده خادماً لها، وهو ما يعني تجريد الشاعر من إنسانيته«.

منابر

«الشعر العربي عبر عن أوجاع الأمة في فتراتها المختلفة وخاصة الراهنة منها»، بهذا التعبير، فضل مدير بيت الشعر في نواكشوط الموريتانية، الدكتور عبد الله ولد السيد، البدء بحديثه، وقال:»التعبير عن الوجع في الفن وتحديداً الشعر، عادة لا يكون بالكلام، فالأمر يتطلب وقفة تأملية، ورموز لا يراها الإنسان مباشرة أو بطريقة تلقائية.

وعموما فنحن نرى أن الشعر العربي عبر عن أوجاع الإنسان بشكل عام ومأساته في فقدانه لذاته وانطماس هويته واحتلال بعض أوطانه، والتهديدات التي يواجهها، كما عبر أيضاً عن الحنين في استلهام التراث والقيم النبيلة، والشجاعة العربية، والإنسان العربي وحضاراته التي قادت الأمم«. ويرى د. السيد أن»الشعر هو غذاء روحي قادر على استقطاب الناشئة«.

وقال:»عندما ضاقت منابر الشعر والفنون عامة، انصرفت بعض شرائح المجتمع نحو وجهات أخرى، نجدها مالت نحو التطرف، وبالتالي لا بد أن يكون هناك منابر شعرية وفنية قادرة على إيواء هذه الشرائح«، مستشهداً في هذا الصدد بقول أرسطو أن»الشعر هو تطهير للنفس«. وقال:»لا يمكن للإنسان أن يريح نفسه إلا في أجواء الفن والشعر«.

تجربة بيت الشعر في نواكشوط بدت ثرية، وساهمت في استقطاب الشعراء، وفتح الأفاق أمامهم لتجويد القصيدة ومخاطبة أبناء المنطقة والتعبير عن أوجاعهم. وفي هذا السياق.

قال د. السيد:»في الواقع أن بيت الشعر في نواكشوط أصبح مأوى للشباب، يقيهم من أماكن أخرى إذا جاؤوها يقرأون فيها ثقافة التطرف، لذا استطاع بيت الشعر ايجاد بدائل عن هذه الأماكن، ما مكنه من إشغال الشباب برسالة الفن التي أصبحت متداولة بينهم، وأصبحوا معها يبثون القصائد فيما بينهم، يعبرون فيها عن صور الحب والحوار والانفتاح، وهذه هي صور الفن عموماً«.

وأضاف:»أعتقد أنه على منابر الفن والإعلام على حد سواء أن تتنافس فيما بينها، كونها تعتبر السبيل الوحيد لإنقاذ الإنسان العربي والتخفيف من أوجاعه، والمساهمة في وضعه على السكة الصحيحة، التي تمكنه من الوصول إلى أهدافه الحقيقية التي من خلالها يستطيع بناء مجتمعاته«.

حياة نبيلة

أما الشاعر المصري حسن عامر، صاحب ديوان»أكتب بالدم الأسود«، فاعتبر أن»الشعر في العموم والمطلق هو المعبر عن هموم الإنسان والذات الإنسانية المشتركة«، قائلاً إن»الذات الإنسانية هي أرضية مشتركة لا تقصي أحداً، ويشترك فيها الجميع بغض النظر عن الانحيازات السياسية والجغرافية والدينية وغيرها«.

مؤكداً أن»الشعر يمكنه التعبير عن آلام الشعوب العربية وغير العربية«. حسن عامر أكد أن الشعر العربي ومعه كافة أشكال الفنون الأخرى تقف ضد التطرف وأشكال القبح والإرهاب.

وقال:»الفن عموماً وتحديداً الشعر هو المرادف لكافة قيم الحياة النبيلة والجميلة«، مشيراً إلى أن تجربة الشعراء في مصر حالها حال التجارب العربية الأخرى، استطاعت أن تعبر ولو بقليل عن هذا الوجع. وقال:»انتشار الفن على الساحة، يمكن أن يحوله إلى سلاح فتاك قادر على مواجهة كافة أشكال التطرف، لما يحمله من قيم جمالية مبدعة«.

الشاعر الدكتور طلال الجنيبي، أكد من طرفه، أن الشعر لا يزال يمثل أكثر الطرق فاعلية في التعبير عن الذات العربية.

وقال:»الأشكال الأدبية الأخرى التي أخذت زخماً في السنوات الأخيرة، استطاعت أن تكتسب مساحة، ولكنها لن تؤثر على قدرة الشعر العربي على تقديم المضامين التي توثر في المجتمعات، نظراً لما تمثله في الوجدان الجمعي والتراكم الفكري، ومهما انحسر دور الشعر وواجهة من عوائق في الوقت الراهن يبقى دوره مؤثراً ولديه القدرة على التعبير عن الوجدان والضمير العربي بصورة عامة.

«وأضاف:»الشعر يعيش الأزمة من دون شك، وبطبيعة الحال قد لا يشكل الدور الذي كان يمثله في مراحل سابقة في التاريخ، ولكن فاعليته ظلت موجودة بدليل أن الاستشهاد به لا يزال قائماً في الثقافة العربية، ولا تزال معظم الحكم تأتي على هيئة أبيات شعرية، وما زلنا ننظر للشعراء بنظرة مميزة لما يشكلونه من قيمة اعتبارية وفعلية في المجتمعات العربية«. وفي رده على سؤال حول قدرة الشعر على أن التحول لسلاح لمواجهة ظواهر التطرف.

قال:»الشعر لن يستطيع لعب هذا الدور، بسبب قلة جودة المقدم منه في العقد الأخير من الزمن، إلى جانب انحساره وتراجعه بسبب قلة الاهتمام به، مقارنة مع الأشكال الأدبية الأخرى، وأعتقد أنه لو وضع في إطاره الصحيح واسترجع الدور المنوط به، والذي لعبه في مراحل سابقة، بالتأكيد أنه سيستطيع أن يشكل سلاحاً فاعلاً في مواجهة التطرف.

«زيتونة القدس».. ديوان يُبحر في هموم العرب

إصدارات شعرية كثيرة، شهدتها الساحة العربية خلال العقد الأخير، تهادت أبياتها على وقع القضايا العربية، ليبرز من بينها ديوان «زيتونة القدس» للشاعر الدكتور أنور عبد الحميد الموسى، والذي عبر فيه عن الوجع العربي بشكل عام، وأعاد من خلاله بوصلة الألم إلى القضية الفلسطينية، عبر مجموعة قصائد يصفها أنور الموسى بأنها «مفعمة بما يصبو إليه أحرار العالم».

قصائد الديوان البالغ عددها نحو 145 قصيدة، تشبعت بشغف المهمومين بقضايا المنطقة العربية، وقدم من خلالها الشاعر سرداً عاطفياً ارتبط بأسماء المدن الفلسطينية، وأبحر عبر أبياتها في حارات بيروت ودمشق والشام، ومر فيها على العراق واليمن ومصر وغيرها من الدول العربية، ويمضي فيها باحثاً عن الوطن الضائع، حيث يقول في قصيدة «أبحث عن الوطن» (أبحث عنك/ بين زواريبِ اللعنة والشقاء / حتما سأجدك/ بين ضلوع الفقراء). في حين يصف في قصيدته «هكذا ننتحر» ما تمر به الأمة العربية من منحة كبيرة.

في هذا الديوان استخدم الشاعر في معظم قصائده أسلوب القصيدة العربية التقليدية، ملتزماً بالقافية والبحور الشعرية، حتى يتواءم مع موضوعه المرتبط بالتاريخ والعروبة وفي محاولة لرد الأماكن إلى أصلها العربي القديم، في حين اتسمت لغته العربية بالقوة والجزالة لتصل في بعض الأحيان إلى حد التعقيد، واستخدم فيه تراكيب نحوية عدة، وذكر للرموز التراثية العربية، الأمر الذي جعل من الديوان مادة خصبة للدراسة لأنه مفعم بالثنائيات والجزالة ومفردات التحليل النفسي وأدوات الحرب والأمكنة والإشارات والرموز.

تجارب

حضور لافت للنبطي على الساحة الوطنية

حضور القضايا العربية في الساحة الشعرية، لم يقتصر على شعراء الفصحى فقط، وإنما امتد أيضاً لرواد الشعر النبطي، الذين قدموا خلال السنوات الماضية قصائد تفيض بالحس الوطني، وتمني الأمن والأمان والاستقرار وعودة الأمور إلى نصابها الصحيح، وزوال الإرهاب والتطرف بكل أشكالهما، وهو ما يشكل دليلاً على أن ما يجري على الساحة العربية من أحداث، يشغل بال الشعراء على اختلاف مشاربهم ومدارسهم، وتؤثر فيهم، كما يؤكد ذلك أن الشعر يجب أن يكون نابعاً من تجربة ذاتية خاصة.

معظم التجارب الشعرية النبطية التي شهدتها المنطقة العربية، بينت توجه أصحاب هذا المذهب الشعري إلى ناحية الحكمة وصياغة النصائح في قصائدهم، التي حاولوا فيها المحافظة على معاييرها الجمالية والفنية، وهو ما يشير إلى تطور القصيدة النبطية، خاصة في منطقة الخليج العربي.

يذكر أن الشعر النبطي يطابق في شكله وأسسه الفنية الشعر العربي الفصيح التقليدي، وهو يعد شعراً عربي الأصول والأبنية والتقاليد، وتميز بكونه لصيقاً بالواقع، ومع تطور القصيدة النبطية، أصبح أصحابها يذهبون إلى الرمز الكلي، وهو أحد أنواع التناول الشعري الراقية، وبعضهم ذهب ناحية التخييل المضاعف ويصلون في ذلك إلى مستويات كبيرة تنافس شعراء الفصحى.

قصيدة

المباشرة والخطابية سمات النتاج الحديث

تشير كافة الدراسات إلى أن الشعراء دائماً ما كانوا في طليعة من يقومون بالأفعال التوعوية على الساحة العربية، من خلال مواكبتهم لما يجري على الساحة، ولا يزال بيت الشعر الذي أبدعه أبو القاسم الشابي: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة // فلا بد أن يستجيب القدر»، يرن بصداه في معظم الساحات العربية، ويتخذ منه كثيرون شعاراً لحماستهم، وبالمقارنة فمعظم القصائد التي شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة، جاءت ضعيفة ومتواضعة، بالمقارنة مع ما تشهده الساحة العربية من أحداث عنيفة، وحروب أتت نيرانها على الأخضر واليابس.

كما تؤكد معظم التقارير أن حضور قصيدة النثر لم يكن على مستوى حضور القصيدة الإيقاعية، ويجمع العديد من الشعراء على أن بعض الانتاجات الشعرية العربية التي ظهرت أخيراً كانت مباشرة وخطابية، وهو ما يبين انخفاض مستوى الشعرية فيها، في حال جردت من الحدث التي نظمت فيها، داعين في الوقت نفسه إلى أنه يجب على الشاعر عدم الاندفاع، حتى لا يفقد رهانه الشعري أو صياغته الجمالية من أجل الاستجابة للحماس، وبينوا أنه لا يجب أن يكون الشعر حطب الثورات والحروب.

Email