جـــذور

المتاحف الشخصية بين الضرورات المنهجية والهواية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تنقسم المتاحف في العادة وبصورة عامّة، إلى قسمين: تاريخية وحديثة. فالمتاحف التاريخية هي الموجودة في الحصون والقصور والقلاع والمباني القديمة، التي لم تصبح في الوقت المعاصر تتحمّل كثرة الزائرين، مع صغر مساحات القاعات، إضافة إلى ضعف التأمين ضد السرقة والحريق. وأما المتاحف الحديثة فهي غالباً ما تكون معدّة إعداداً جيّداً، ومخصّصة لعرض التحف والآثار ولها مميّزات معماريّة مناسبة للزيارة، وتتوافّر فيها وسائل للتأمين ضدّ السرقة والحريق، إضافة إلى الإضاءة الجيّدة، والتّكييف الجيّد.

وفعلياً، تغرس المتاحف مفاهيم الانتماء الوطني من خلال زيادة الثقافة العامّة، وعن طريق التعريف بالآثار والتاريخ وعرض المعثورات الطبيعية والآثارية والتراثية. وتساهم في تكوين مفاهيم جديدة حول أهميّة التراث الطبيعي والآثاري.. وغير ذلك الكثير، كما تمنح الزائرين فرصة عملية للتّعرّف على آثار وتراث الدّولة.

وفي الوقت نفسه، تعد المتاحف معالم حضارية متميّزة في مدن الدولة، وتقدّم للأجيال النّاشئة مجالاً للتعلّم وتلمس الواقع الثقافي متمثّلاً في المعروضات المختلفة، وهي كذلك تتناسب مع كلّ شرائح الزائرين، وتتوافق مع أفهامهم وإدراكاتهم.

ومن أهم الأمور أنّ المتاحف هي المكان الوحيد والمثالي لعرض نتائج التنقيبات الآثارية، وعن طريقها يرى أفراد الجمهور تاريخ بلدهم. وعادة ما تكون المتاحف الحديثة حريصة على عرض التحف والمعثورات بطرق علمية صحيحة ومتسلسلة ومتوازنة ومسجّلة وموثّقة.

ولكن على الإدارات المسؤولة القيام بالتّسويق الإعلامي لدعوة الجمهور لزيارة المتاحف. كما أنّ عديداً من هذه المتاحف لا يخلو من عرض الموروث الشّعبيّ، مثل: الملابس والثياب التقليديّة، الطّبّ الشّعبيّ وأدواته، الأسواق التقليديّة ومجسّمات لها ولمحتوياتها، محتويات المنزل التقليدي، الأسلحة القديمة، أدوات الريّ والسّقاية.. وإلى غير ذلك.

معالم

وفي العقود الثلاثة الأخيرة، أخذ مواطنو الدولة إنشاء متاحف شخصيّة في البيوت أو في أماكن مخصّصة يقومون بوضع كثير من الأدوات التقليديّة فيها، وهذا النّوع يسمّى تجاوزاً: متحفاً.. وهو مجرّد صالات عرض. وفي حقيقة الأمر، فإن عدداً من المواطنين وجدوا في التراث ضالّتهم، وبغيتهم من حيث حبّهم للتراث، ورغبتهم في تمثيله وتشخيصه وتقديمه للجمهور.

ومن هنا، انطلق هؤلاء يبحثون عن معالم الماضي وآثاره، ويفتتحون لهم صالات أو قاعات.. بل حتى خيماً وغرفاً في بيوتهم وفي أماكن إقامتهم، ويضعون هذه المعثورات واللقى في هذه القاعات والغرف. وشاع بين النّاس أنّ هذه متاحف تراثيّة، بل وتجاوز بعضهم وسمّاها متاحف آثاريّة.

وتواصل بعض أصحاب هذه المتاحف مع المدارس والجامعات وشركات السياحة، ودعوهم لزيارة متاحفهم والاطّلاع على مخزوناتها، وزاد اهتمامهم بالإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي فتوافّرت لهم مساحات كبيرة للتواصل مع الجمهور، وتكوّنت لدى بعضهم حصيلة جيّدة من المعرفة بالجمهور المدرسي والجامعي، وتمكّن عدد منهم من عرض مخزوناتهم في الأيّام التراثيّة وفي المهرجانات والاحتفالات والجامعات والكلّيّات.

مطالبات

وكان لافتاً في هذا الشأن، تسابق النّاس إلى أصحاب المتاحف الشخصية، للحصول على مقتنياتهم ومعثوراتهم واستعارتها لعرضها في العديد من الأماكن. ومن هنا توافّرت لأصحاب المتاحف إمكانيات كبيرة لتطوير العروض، وشراء نوعيّات جديدة منها. وليس بالضرورة أنّ هؤلاء المتحفيّين قد تحصّلوا على دعم رسميّ إلا فيما ندر، ولهذا فإنّه تكاد تكون كلّ جهودهم فرديّة، ومن هنا تأتي مطالبات بعضهم بالحصول على الدعم الحكومي للمضيّ في أعمالهم التراثيّة.

وفي حقيقة الأمر، فإنّ الغالبيّة العظمى إن لم يكن الجميع في هذا المجال، تعد من الهواة، وأنّ هذه المنشآت لم تتّسم بالمهنيّة، فهي مجرّد صفّ أدوات لا غير يصاحبه استعمال جيّد لوسائل التواصل الاجتماعي، مع إجادة الوصول للنّاس مستغلّين المناسبات والمواسم، بل قامت بعض جمعيات النّفع العام، وخاصّة جمعيّات الفنون، بافتتاح متاحف خاصّة ومتخصّصة في الغوص أو الأسفار أو عالَم البحار. وللأسف، فإن كثيراً من هذه المتاحف لا تعرف الأكاديميّة ولا تعترف بالمهنيّة والتخصّصيّة، وكان العديد من المتحفيّين يصرف أموالاً طائلة لشراء المعثورات واللقى، بل يسافر بعضهم إلى أماكن بعيدة للحصول على هذه اللقى.

أصوات تعلو

ومن الأمور التي تؤخذ عليهم، أنّهم غير متخصّصين في التراث أو الآثار أو التاريخ، بل تغلب عليهم الهواية والميل العاطفي إلى الماضي بآلاته وأدواته ووسائله وأجهزته. وبعدما يتمّ إنشاء المتحف، وتزدحم فيه اللقى والأدوات تعلو أصوات هؤلاء المتحفيين مطالبة بضرورة تلقّيهم الدّعم من الحكومة أو من الجهات الرسميّة، مع أنّ بداية متحف كل منهم لا علاقة لها بالجانب الرسمي، بل ولا حتى بالجانب العلميّ الموضوعيّ.

وفي النّهاية، ربما يلجأ بعضهم إلى بيع مخزوناته التراثيّة المادّيّة، وأنا بصراحة أتخوّف من الهواة غير العالِمين بالتاريخ ومعالم التراث والآثار، إذ إنّهم يبرزون أمام الجمهور على أنّهم متخصّصون أو علماء في هذه الميادين، وهم ليسوا كذلك.

ركائز ومعايير

لا شك أن أصحاب هذه المتاحف مخلصون محبّون للتراث راغبون في إبرازه، عاملون على حفظ مظاهره المادّيّة، وهم يسهمون في رفد التراث المحلّيّ وحفظه وعرضه وتقديمه، إلا أنّ ذلك لا يعفيهم من العفوية واختلاط المفاهيم بين التاريخ والتراث والآثار، وأنا أرجو منهم أن يتواصلوا مع المتخصّصين، وأن يأخذوا منهم اقتراحاتهم وتوجيهاتهم في طريقة العرض وتسلسل الحقب والعصور التاريخيّة وفي طرق الجمع. وأنا في الوقت نفسه، أتمنّى أن يتلقّى الجادّون والمتخصّصون منهم دعماً وتشجيعاً من الجهات الرسميّة ومن المؤسّسات.

وقد اشتهر عدد من محبّي التراث الجامعين له، من أمثال الباحثة: فاطمة المغنّي، أحمد بن خميس بن قيدوه، صالح بن أحمد حنبلوه، عبدالله الكعبي. ولعدد من هؤلاء الجامعين، صلات وتواصل مع الصحافة ووسائل الإعلام والتواصل الأخرى. كما أصدرت جمعيّة ابن ماجد كتاباً يحتوي على بيانات للعديد من مقتنيات متحف الجمعية.

جائزة

من الممكن إنشاء وإقرار جائزة سنويّة تُمْنَح لأفضل متحفٍ شخصيّ على مستوى الدولة، لكن ذلك يجب أن يكون وفق شروط وضوابط معيّنة. وعلى أن ينشْر الوعي بقيمة المقتنيات الآثارية والتراثية ومحتويات المتاحف في وسائل الإعلام المختلفة، والاستفادة من طرق التواصل الاجتماعي. وأيضاً، مع إنشاء مواقع في الانترنت يشرف عليها متخصّصون في الآثار والتراث والمتاحف تعنى بتفسير وشرح طبيعة وتاريخ الملتقطات الآثارية والشواهد التراثية، بدل أن يتولّى هذا الأمر أفراد من الهواة.

مبادرة واجبة

علينا عدم ترك أمور الآثار والتراث لبعض التوجهات العفوية غير المخططة، بحيث نكرس النهج العلمي وتفسير الظواهر حسب أصولها العلمية ووفق معطياتها التاريخية. ولا يمنع في الوقت نفسه، من أن تبادر الجهات المختصّة في إمارات الدولة، إلى إنشاء متحف كبير، يضمّ ما لدى جامعي مفردات التراث ومن يعمدون إلى تأسيس متاحف شخصية، من تراثيات ومعثورات، على أن تسجّل هذه اللقى بأسماء أصحابها، وينسب هذا المتحف لأصحاب المتاحف الأصليين وتثبّت حقوقهم. وأن يطبع كتيّب خاصّ يشمل عناوين هذه المتاحف يوزّع على الجمهور بأنواعه، على أن يتمّ عرض المعثورات بطريقة سليمة صحيحة وعلميّة.

صلات غائبة

كثيرة هي الأمور الملاحظة بشأن النسبة الغالبة من المتاحف الخاصة، وعلى رأسها أنه لا توجد صلات موضوعيّة أو زمنيّة أو تاريخيّة بين معروضاتها، فهي تنتمي لأزمان مختلفة ولِعصور متباينة، كما أن المواد التي صنعت منها محتوياتها متنوّعة وتعود إلى فترات وحقب تاريخية متباينة. واللافت أيضا، في هذا الصدد، أن كثيراً من هذه المعروضات لا يفرّق أصحابها في تصنيفها وموضوعها بين التراث والآثار، إذ إن جميعها عندهم وفي عرفهم وتعريفهم لها، آثار، وهي طبعاً، غالباً ما تكون ليست كذلك فعلياً. وأيضأ، يتداول هؤلاء، أحياناً، الأدوات والآلات فيما بينهم، إمّا عن طريق البيع والشراء أو عن طريق الإهداء.

Ⅶوظيفة المتاحف الأساسية تعزيز مفاهيم الانتماء الوطني عبر زيادة الثقافة والتعريف بالآثار والتاريخ

Ⅶتسابق الناس إلى المسؤولين عنها للحصول على مقتنياتهم ظاهرة مستجدة تحتاج دراستها بدقة

Ⅶجهود فردية ومبادرات ذاتية يسارع القائمون عليها بعد مضي فترة زمنية محددة إلى طلب الدعم الحكومي

Ⅶالنسبة الغالبة من أصحابها حريصة على الترويج الحرفي لما لديها من محتويات عبر «التواصل الاجتماعي»

Email