هل استشرف الشامسي في ستينيات القرن الفائت منجز الإمارات في الفضاء حالياً؟

«المريخ 2117»..إرهاصات مبكرة في الشعر الإماراتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

نعرف أن الشعر هو ديوان العرب، كما نعرف أن الشاعر هو لسان حال قبيلته، ونعرف كذلك أن الأفكار ملقاة في الطرقات و«الشاطر» فقط هو الذي يلتقطها، لكن الذي قد لا يعرفه الكثيرون أن الشاعر إنسان مبتكر، ومفكر، ذو خيالٍ فاره وشاسع، وقارئ جيد للمستقبل، وهو متطلع دوماً إلى شيء آخر لا يراه الإنسان العادي.

ذلك أن الشاعر حالمٌ بطبيعته، يرى الأرض بعدسته، ويصور السماء كما يود قلبه أن تكون، ثم يروح إلى الأعماق فيستكشف الدواخل من باب الخيال والمتخيّل إجمالاً.

 لذا لا نستغرب كثيراً حين نقرأ لفتاة العرب قصيدة نجدُ فيها مفردتين غريبتين على المتلقي في ذلك الزمن..ويتجسد هذا في ذكر عوشة بنت خليفة السويدي "فتاة العرب" نهر جيحون في قصيدتها «يا كمْ يا عاذل تعذلون» التي غناها الفنان الراحل جابر جاسم. إذ تقول فيها:

شط الفرات ونهر جيحون

دمعي وْهطال الغماما

وين الحمايا لي يثيبون

كنهم من الدنيا عداما

وكما هو معروف جغرافياً، فإن نهري سيحون وجيحون من الأنهار الرئيسية في آسيا الوسطى، وهما من أطول أنهار آسيا. وكان يطلق على هذه المنطقة قديماً اسم ما وراء النهر وهي المنطقة الواقعة بين هذين النهرين..منطقة صحراوية بغالبيتها، وعرفت لاحقاً ب: بلاد القوقاز أيضاً.

فكيف علمت فتاة العرب هذه المعلومات الجغرافية الدقيقة لتضمنها نصها المذكور بينما هي لم تعرف بعد الخرائط المكانية والجغرافية؟

«نخطف من حوله»

وهذا تماماً، كما حدث مع الشاعر الراحل علي بن ارحمه الشامسي، الذي تطلع إلى السماء فكان حلمه أن يطير إليها كي يستقر هناك عند غيمة مجنونة برفقة حبيبته.. وهنا الشامسي أيضا ً لم يكن يعرف شيئا ً بعد عن غزو القمر.

ولا عن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الشاعر الفارس..وخطط وبرامج عمل دولة الإمارات للوصول إلى الفضاء، وعلى رأسها إطلاق «نايف 1» ليكون أول قمر صناعي نانومتري إماراتي. ولنقرأ ما قاله الشامسي في الخصوص:

عالم الارصاد بيّن لي

لي يبا الرحله تسمحوله !

هل بتسمح لي انآ وخلي

بنْعَبر في وسط كبسوله

القمر لي عازل الظلي

مشتهين نْخطف من حوله

لا غرابة في أن أسئلة عديدة تلح علينا مع قراءة هذه الأبيات، ومنها: كيف كان يمكن للشاعر أن يستدعي مفردات مثل «كبسوله»، وهي مركبة الفضاء، لولا أن الله تعالى قد غرس في روحه الموهبة التي طارت بأحلامه إلى السماء؟

ولا ندري بدقة ذاك الوقت الذي نظمت فيه القصيدة، ولكن، على الأرجح، ومن خلال ما وصلني من تصوير غير ملون لها، يبدو أنها كانت في ستينيات القرن الماضي، أي في الفترة الزمنية ذاتها التي انطلقت فيها مركبة الفضاء السوفييتية/‏‏ الروسية «فوستوك1»في 12 أبريل 1961.. وكانت بقيادة يوري غاغارين .

ثم يواصل الشاعر الشامسي وصف حالته حينما انطلق مع من يحب إلى الفضاء، بدقة، فهو يعرف تماماً أن من يصعد إلى الفضاء يجب أن يمتلك مواصفات تضمن له العبور الآمن، حيث تنعدم الجاذبية الأرضية، وهنا يعوّل على رفيقة الرحلة في انضباط الوزن وعدم الاختلال.

إذ يمثل وجودها بجانبه قمة الثبات. فلا يخشى بعدها من اختلال أو اعتلال في الطريق نحو القمر. وهناك توجد السعادة والاستقرار، هناك حيث لا كلام ولا ملام ولا عذال ولا حساد، ولا من يرون في حالة الحب العالية، خللا ما، وهكذا يقول الشاعر:

كلنا في الوزن نختلي

ما نحس بثقل الحموله

فوق سطح القمر بنحلّي

في سماً خضره ومجهوله

نلاحظ في البيت الثاني، تحديداً في عجزه، استخدام الشاعر لمفردة «مجهولة» في السياق. فهو يعلم أن المكان الذي يتمنى السفر إليه لا يعرفه أحد، رغم وصول الإنسان في ستينيات القرن الـ20 إلى القمر، ولو كُتب هذا الشعر بأيامنا لاستبدل الشاعر كلمة «مجهولة» بـ «مأهولة» وهو يقرأ ويعيش تفاصيل مفاجأة الإمارات 2117 التي أعلنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.

وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكأن رؤى الشعراء وأفكارهم تتقاطع هنا لتنقلنا عبر زمنين إلى حلمين مختلفين، وكأن المواطن الشاعر حين كان يحلم لذاته قبل سنوات، يعلم أن الحلم سيتحقق لأبنائه وأحفاده، على يد وبفضل فكر ووعي وابتكار شاعر وفارس يقود دفّة التميز إلى جانب إخوانه القادة في دولة اللامستحيل: الإمارات، بكل جمالها وقوتها وفرادتها.

«أحسن من الذلّي»

ما تخاف نضيع ونولّي

في سماً خضره ومجهوله

قلت له: احسن من الذلّي

عيشةً عالأرض مخذوله

بين قيل وقايل وقللّي

والكلام وكثرة عذوله

سنلحظ هنا تكراراً مقصوداً بالبيت الأول.. طبقاً لما جاء على لسان الشاعر الشامسي وهو يلقي قصيدته تلك، وأتى ذلك كحوار بينه وبين رفيقة الرحلة التي قالت: «ما تخاف نضيع ونولّي».

فرد : «قلت له أحسن من الذلّي»، هنا رفض للواقع الذي يعيشه وقد فرض عليه قيوداً منعته من الحرية التي ينشدها في الحب، لذا يتطلع إلى مكان قصيّ يعيش فيه مع من يهوى دون منغصات، ليصل نهاية الأمر إلى حقيقة يراها ماثلة أمامه: من يعيشون على الأرض يمارسون سلوكيات لا يستسيغها، كالقيل والقال، لذا فإن سطح القمر أكثر الأماكن أماناً ليعيش الحب محاطاً بالسعادة والفرح.

Email