كتاب فرنسي يحكي قصة صرح حضاري على أرض الإمارات

«لوفر أبوظبي» أول متحف عالمي في العالم العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

- «لوفر أبوظبي» أول متحف عالمي في العالم العربي (PDF)

لا شكّ أن متحف اللوفر في قلب العاصمة الفرنسية باريس هو أحد أشهر وأكبر المتاحف في العالم. وهو يحتوي على مجموعات فنيّة يقارب عدد الأعمال التي تحتويها النصف مليون عمل.

وقد كان قصر اللوفر قبل أن يصبح متحفا مقر ملوك العديد من ملوك فرنسا وتحوّل إلى متحف بعد أن قرر الملك لويس الرابع عشر ــ الملك الشمس، كما كانوا يطلقون عليه ــ نقل مقر مملكته إلى قصر فرساي الشهير في نهاية القرن السابع عشر.

وفي عام 2007 تمّ توقيع اتفاق بين الإمارات والحكومة الفرنسية لإنشاء متحف «لوفر أبوظبي» كأوّل متحف ذي طبيعة عالمية ــ يونيفرسال ــ في العالم العربي. واعتبارا من عام 2010 تم الشروع بورشة عمل لبناء متحف «لوفر أبوظبي» من تصميم المعماري الفرنسي الشهير «جان نوفيل».

مساهمات بحثية

أول من أمس طُرح للبيع في المكتبات الفرنسية كتاب يحمل عنوان «لوفر أبوظبي. متحف جديد عالمي ــ يونيفرسال»، الصادر عن دار نشر المطبوعات الجامعية الفرنسية وبمساهمة «هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة» و«لوفر أبوظبي» و«متحف اللوفر الفرنسي» و«وكالة متاحف فرنسا». يبلغ عدد صفحاته 174 صفحة.

ويضم هذا الكتاب عدّة مساهمات لأخصائيين في مجال المتاحف والفن والتاريخ وبحيث تم ّتكريس فصل لكل مساهمة. هذا بالإضافة إلى تمهيد ومقدّمة. تجدر الإشارة أن الفصل الثامن والأخير من هذا العمل مكرّس لتقديم عرض بالصور للمسار التاريخي الذي شهد تحقيق «فكرة إشادة متحف عالمي ــ يونيفرسال»..

وذلك منذ «متحف اشمولن» الذي بني خلال سنوات 1687 و1683 بمبادرة من جامعة أكسفورد للمحافظة على التركة الفنيّة لـ «الياس اشمول» الذي كان قد تخلّى بها للجامعة عام 1677 وحتّى متحف «لوفر أبوظبي» المقام في «جزيرة السعديات» القريبة من شاطئ أبوظبي والتي «تستقبل مجموعة من المؤسسات الثقافية الرائدة»، حسب التوصيف المقدّم.

ومرورا بـ«المتحف البريطاني» في لندن ومتحف «اللوفر» في العاصمة الفرنسية باريس وغيرهما.

خطوة غير مسبوقة

حررت مقدّمة هذا الكتاب المشرفات الثلاث على إنجازه أي «شارلوت ــ شاستيل روسّو»، التي تحمل الدكتوراه في تاريخ الفن وخريجة مدرسة اللوفر؛ و«لورنس دي كار»، التي شغلت منصب المدير العلمي لــ«وكالة متاحف فرنسا» والمسؤولة عن تطوير متحف لوفر أبوظبي؛ و«دومينيك دو فون ــ ريو»، الأمينـــــــة الرئيسية لمتحف اللوفر والتي كانت مسؤولة عن «التنسيق العلمي لمشروع لوفر أبوظبي».

وتقول الكلمات الأولى من المقدّمة ما مفاده: «إن إنشاء متحف أبوظبي يمثّل حركة لا سابق لها في تاريخ المتاحف. إنه المتحف الأول الذي يولد من اتفاق دبلوماسي بين بلدين. وهو أوّل متحف عالمي ــ يونيفرسال ـ في العالم العربي، وأوّل متحف يحمل اسم اللوفر خارج التراب الفرنسي».

دلالة علمية

والإشارة أيضا أن توقيع الاتفاق لإنشاء «لوفر أبوظبي» جاء في سياق توقيع آخر بين «20 متحفاً أوروبياً وأميركياً كبيراً عام 2002 على ميثاق تمّ فيه التأكيد على القيمة الكبيرة للمتاحف العالمية». وتحديد القول في هذا السياق أن «مشروع لوفر أبوظبي أسس خطابه على عرض أعمال ذات أصول ثقافية وجغرافية متنوّعة، وعلى مفترق الحضارات العربية ــ الإسلامية والغربية والآسيوية».

وبعد التأكيد على الدلالة الثقافية والعالمية لمتحف لوفر أبوظبي يتم التأكيد أيضا على أنه «أحد التعبيرات» البليغة في العالم المعاصر. والإشارة أنه من الطبيعي أن تتعدد الآراء والنقاشات التي أُثيرت حول إنشاء المتحف لدوافع متعددة، لكن ذلك لا يمنع واقعاً أن «مجموع المؤسسات والفرق التي تمّت تعبئتها منذ بداية المشروع لم تتوقف عن تقديم الإجابات على التحديات المطروحة»، كما نقرأ.

لغة عالمية

في الفصل الأول من الكتاب الذي يحمل عنوان «متحف أبوظبي العالمي: منظور تاريخي» يقدّم «زكي أنور نسيبة»، المستشار الثقافي لدى وزارة شؤون الرئاسة في دولة الإمارات العربية، رؤية تاريخية لدور الفن باعتباره «اللغة العالمية الأولى للإنسانية».

وأن «الإبداع» هو إحدى الميزات التي يتحلّى بها الإنسان منذ القديم، كما تدلّ تلك النقوش التي تركها على الحجر. وإشارته أنه يوجد في الإمارات نماذج من تلك النقوش تعود إلى مئات بل آلاف السنوات.

الورقة الرابحة

ويكرّس الكاتب في هذا السياق عددا من الصفحات لتوصيف الدور التأسيسي والتاريخي للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، في بناء دولة الإمارات المتحدة الحديثة. وكانت أولوياته هي الاستثمار بما اعتبره الورقة الرابحة الأكبر والأكثر قيمة لديه، أي شعبه.

تركّزت مسيرة تحديث الإمارات على تقديم الكثير من الجهود في قطاع التربية والتعليم. وينقل الكاتب عن الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، قوله ما مضمونه «التربية هي مفتاح المستقبل؛ وثروتنا الحقيقية هي المعارف التي نستطيع أن نضعها تحت تصرّف الأجيال الشابّة».

وفي مثل ذلك المنظور الاستراتيجي لأهمية التربية تمّ بناء «متحف العين الوطني» ــ متحف الآثار والانثروبولوجيا ــ الذي تمّ افتتاحه عام 1971. وتابعت حكومة أبوظبي بعد رحيل الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، سياسات التطوير في منظور المستقبل في أفق عام 2030، كما يشرح الكاتب.

مقر ثقافي

وتحديد القول إن «جزيرة السعديات» غدت منذ عام 2006 بمثابة «مقر ثقافي» لم يتأخّر عن أن يصبح «أكبر مركز لتجمّع المؤسسات الثقافية والتربوية في المنطقة». وعلى هذا الجزيرة الصغيرة قام لاحقاً «لوفر أبوظبي» و«متحف زايد الوطني» و«متحف غوغنهايم أبوظبي» ومتاحف أخرى و«جامعة نيويورك أبوظبي» ومؤسسات أخرى.

في الفصل الثاني من الكتاب تناقش المشرفتان على إنجاز هذا العمل شارلوت شاستيل ــ روسّو ودومينيك دو فون ــ ريول مع بييرروزنبيرغ، عضو الأكاديمية الفرنسية، والرئيس ــ المدير العام الشرفي لمتحف اللوفر بباريس، مفهوم» المتحف العالمي بين النزعتين القومية والعالمية ــ يونيفرسال».

ويشير «روزنبيرغ» أن فكرة «المتحف العالمي» راودت أوّلا ذهن فيفان دونون، الذي ترأس متحف اللوفر في بدايات القرن التاسع عشر وكان وزير الفنون في ظل نابليون. لكن التحقق الأوّل لتلك الفكرة كان في انجلترا مع متحف اشمولن في اكسفورد وفي المتحف البريطاني في لندن.

لكن التأكيد بالتوازي مع ذلك أن متحف اللوفر هو الذي طرح بجديّة فكرة الانفتاح على العالم، وأن إنشاء متحف لوفر أبوظبي يندرج حكما في إطار مثل هذا الطموح.

نزعة عالمية

وتحت عنوان «هل اللوفر هو نموذج ــ موديل ــ فريد للمتحف العالمي؟»، تشرح دومينيك دو فون ريو أن ما هو «جيّد ينتمي إلى العالم كلّه، أينما كان مكانه»، كما تنقل عن رسالة وجهها الموسيقي كارل زيلتر للشاعر غوته تعود إلى عام 1800. وهي تؤكّد أن النزوع إلى العالمية في الفن برز في أوروبا بقوّة منذ القرن التاسع عشر.

وتبحث سيلفيا نايف، أستاذة الأدب العربي في جامعة جنيف منذ عام 2006، والحائزة من تلك الجامعة عام 1993 على شهادة الدكتوراه حول «الفن»، فيما تسميه «التراث في العالم العربي بين الخصوصية والعالمية ـ يونيفرسال».

وفي مساهمة ذات طابع نظري بحت تشرح أنه «من الممكن أن نميّز بالنسبة للعالم العربي بين ثلاث فئات تراثية تتناظر مع ثلاث حقب تاريخية هي الحقب القديمة والإسلامية والحديثة».

نماذج عربية

وبالاعتماد على تقديم نبذة تاريخية سريعة لمجموعة من المبدعين العرب، مثل النحّات المصري «محمود مختار» ــ توفي عام 1934 ــ الذي درس بباريس، حيث صمم «النموذج المصغّر» لما سيصبح فيما بعد عمله الشهير «نهضة مصر»، تشرح الكاتبة أن التراث مثّل أيضا مرجعيّة في سبيل صياغة لغة فنيّة. وهذه هي أطروحتها الأساسية في مساهمتها.

ودراسة نظرية أخرى تحت عنوان «عرض ماضٍ مشترك: النزعات العالمية والمجموعات الأثرية». كاتبها جان فرانسوا شارنييه، هو أحد العاملين في «وكالة متاحف فرنسا».

الأطروحة الرئيسية التي يقدّمها ويشرحها تتمثّل في جملة قيلت منذ القرن الثاني قبل العصر الميلادي، ومفادها: «أن الحقيقة تكمن في رؤية شاملة ـ بانورامية ــ وليس محلّية للأحداث (....). فيما مضى لم تكن الأحداث التي تجري في العالم تترابط فيما بينها. لكن فيما بعد غدت ترتبط بعضها مع البعض الآخر».

وفي مجمل هذه المساهمة تتم مناقشة مفهوم «المتحف العالمي» من زاوية ما يمكن أن تقدّمه «الآثار المعروضة في المتاحف» أو المتواجدة في جوف الأرض من «إرث إنساني مشترك». والتأسيس عبر ذلك لنوع من «التناسق المتبادل بين الثقافات» كأحد طموحات «المتاحف العالمية».

أصول مشتركة

والتأكيد أن «تبادل النظر بعد إزالة الحواجز يسمح بالتقارب». سلسلة المرجعيات«الفكرية» و«التاريخية»،التي يسوقها كاتب هذه المساهمة لشرح وجود «إرث إنساني مشترك»، طويلة. ويختم مساهمته بالقول إن «الإنسانية مدعوّة للعودة إلى أصولها المشتركة. وهذا برنامج رائع لمتحف عالمي».

وبعد بحث «كريستين ماسيل»، من «المتحف الوطني الفرنسي للفن الحديث»، المعروف بـ«مركز بومبيدو» في مساهمتها حول «النزعة العالمية والفن المعاصر في عالم معولم»، يتم تكريس المساهمة الأخيرة في الكتاب للبحث في «لوفر أبوظبي وخصوصية النزعة العالمية الفرنسية». يقدّم المساهمة «الكسندر كازيروني»، الأستاذ في كلية العلوم السياسية بباريس.

يبدأ المؤلف مساهمته بتأكيد أن «لوفر أبوظبي استفاد من مشروع علمي تجديدي». ويضيف أن اتفاق تأسيسه أكّد على توصيفه بـ«متحف عالمي». ويصفه الكاتب أنه «إحدى المنشآت الأساسية» لـ«المنطقة الثقافية» في جزيرة السعديات.

ويشير الكاتب أنه إلى جانب «حوار الحضارات»، مثّل «لوفر أبوظبي» أحد تعبيرات «الميل العالمي»، كإحدى سماته الخاصّة التي لا تمتلكها المتاحف الأخرى المجاورة له.

بهذا المعنى يشير المؤلف أيضا أن المنطقة الثقافية ــ في جزيرة السعديات ــ تضم مجموعة من النماذج ــ الموديلات ــ المختلفة، الفرنسية والأميركية والبريطانية. ويقيم الكاتب مقارنة بين مختلف متاحف المنطقة الثقافية التي تجمع بين التراث والحداثة وبين العالمية والمحلية.

متحف عالمي

يتم التركيز على القول في مختلف مساهمات هذا الكتاب، أنه بعد قرنين من بروز مفهوم «المتحف العالمي» يمكن للمعنى العميق الذي يمثله «لوفر أبوظبي»، من حيث الجمع بين أعمال من أصول ثقافية وجغرافية متنوّعة، أن يكون مثالاً لاختراع متحف القرن الحادي والعشرين.

الكتاب: «لوفر» أبوظبي

متحف جديد عالمي يونيفرسال؟

تأليف: شارلوت شاستيل روسّو

لورنس دي كاتر

دومينيك دو فون ــ ريو..وآخرون.

Le Louvre ABU DHABI

Charlotte Chastel – Rousseau

Laurence des Cars

Dominique de Font - Réault et….

Email