«كريستيان»

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في المطار استأجر «كريستيان» سيارة ليقودها بنفسه في طرقات هذه المدينة، وحمدان قلق لأنها الزيارة الأولى لصديقه، إضافة إلى ذلك الضباب الذي حل، ولكن احتراماً لرغبة «كريستيان»، ظل حمدان بالقرب من البرج، منتظراً وصول صديقه في الزمان والمكان المضروب بينهما، ظل ملازماً هاتفه.

- أتمنى ألا تتوه في طرقاتنا.

- لا تقلق يا حمدان، لدي بالسيارة خريطة رائعة وذكية، ولكن ما قد يعوقني هو الضباب الذي يخفي ملامح الأشياء..

- أين أنت الآن؟! أو أخبرني عما تراه وأنت تقود!

- أرى عالماً من خيال يا حمدان، أبراج تتعانق في السماء، وطرقاً تداعب مشاعري.

أسرت المدينة كريستيان منذ الوهلة الأولى، فهو مندهش، ومع كمية الضباب، كاد أن يشعر بالفعل أنه يسبح في الخيال، فهناك أجزاء بدت واضحة وأخرى معلقة بالسماء، والرجل يعيش التفاصيل بكل شارع يمر به.

- كريستيان هل أنت معي؟

- اعذرني، فالمنظر كاد أن يسحرني يا صديقي، وكأنني أعيش حلماً جميلاً، هل بالفعل هذه المدينة الساحرة توجد في شبه الجزيرة العربية يا حمدان؟!!

- أجل كريستيان، إنها من جعلت المستحيل حقيقة.

- شيء مذهل.. مذهل!

- والآن.. قل لي أين أنت أو ما الذي تشاهده أمامك؟!

- أرى جماعة يرتدون لباسكم الأبيض وغطاء الرأس الملكي.

- إنها «الكندوره»، وهي التي تعبر عن هويتنا في الخليج.

- كم أنتم رائعون! سأستفسر منهم.. انتظرني!!

رأى كريستيان مجموعة من الشباب، ذهل كثيراً حين استقبلوه بحفاوة، كان يعتقد أنه من الصعب محادثة الغرباء!، ولكن جرت الأمور على عكس ذلك، فقد تعاونوا معه ورحبوا به وعاملوه بلطف شديد.

- حمدان.. المفاجأة تلجمني حقاً!!

- من ماذا؟!

- وجدتهم وكأنهم جميعاً أنت.

(ضحك حمدان لردة فعل كريستيان)

- إنهم لطفاء جداً، يسلمون عليّ بحرارة وكأنهم يعرفونني منذ زمن، قاموا بدعوتي، وقال لي أحدهم إنه سيوصلني، وأن أعتبره أخاً لي تخيل؟ ما هذا؟!!

- أهل بلادنا كرماء، وتلك هي العادات والتقاليد، فنحن هنا نتعامل مع الضيف وكأنه فرد من أفراد عائلتنا.

كانت ردود «كريستيان» على حمدان فيها الكثير من الدهشة، فقد وجد حياة جديدة لم يشهدها من قبل، أحب المكان والتطور الذي يسبق دولاً متقدمة عديدة في العالم.

- كريستيان هل عرفت أين أنت الآن؟

- نعم أرى فتاة ترتدي وشاحاً أسود طويلاً، وهي تأخذ امرأة كبيرة بذات الوشاح على كرسي متحرك.. كم هي رائعة تلازم والدتها بأهم مرحلة من حياتها..

- الوشاح الذي تقصده هو العباءة، وما تراه يعبر عن الأخلاق التي تربينا عليها، فنحن نقول للكبير بركة، وبوجوده سعادة كبيرة.. والآن.. قل لي أين أنت؟

- أنا هنا!!! حمدان لا تقلق لن أفقد الطريق، لأن جميلات السحب على أطراف الطريق ستأخذني إليك..

كريستيان يصف المدينة فرحاً، ينظر إليها وكأنها تحفة فنية نادرة، صممت بأسلوب حديث، وخيالي، تذهل كل من قد يراها، لم يكترث للضباب، وما تخفيه خلفها، بل يحس برغبة كبيرة في اكتشافها، واكتشاف ما خلف هذا الضباب الذي يستر أجزاء من مفاتنها.

- انتظرني أنا قادم.. سأعاود الاتصال بك مجدداً..

أحس كريستيان بشعور ورغبة إلى شيء ما، لم يستطع تحديده!. فهو يعيش حالة من العشق، لذا، لم يتابع الحديث مع حمدان عبر الهاتف، حتى لا يحرم نفسه الشعور باللحظات الجميلة التي قد يشعر بها، فأراد أن يكون خاضعاً كلياً لها.

اقترب كريستيان من البرج، ليشاهد تلك القطعة، والتي بدت كالكريستال الذي يخترق الأرض ليعانق السحاب، بكل شموخ وهيبة وكبرياء، وهناك التقى كريستيان بصديقه حمدان، وهناك حلم يتجدد، ورغبة اكتشفها بداخله، وفرحة تتراقص كالنوافير التي يراها بالقرب من المكان.

- أخيراً.. كريستيان، أهلا بك يا صديقي.

- أنا حقاً سعيد، وقد قررت ووضعت حلمي الذي لطالما حلمت به..

- سعيد لأجلك.. ولكن وما هو قرارك؟!

- قررت أن أستقر في هذه البلاد، فهنا فقط سأحقق حلمي..

فرح حمدان بسماع هذا القرار، كيف لايقونة العالم التي سحرت زوارها، وأوفت وعودها بتحقيق أحلامهم والكشف عن رغباتهم المفقودة، ومن لا يرغب بالاستقرار والعيش في هذه الأرض الطيبة!..

مرت الأيام والسنون، أصبح فيها كريستيان رجل أعمال عالمي معروف، له علاقات عديدة داخل وخارج الإمارات، تزوج من فتاة كندية لطيفة وجميلة، أنجب منها فتاة كالملاك، تسمى «دبي».

Email