السينما الإماراتية «تخاصم» الرواية ومبدعيها

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشكل السينما والرواية، ضفتي إبداع، لا يمكن لأي منهما الاستغناء عن الأخرى، فهما تشكلان توأمين يسيران معاً، لينتج عنهما عشرات الأعمال التي أثارت انتباه الجمهور، ومكنته من إعادة بناء علاقته مع الرواية، كما في رائعة الكاتب فيكتور هيغو »البؤساء« التي استفزت إلهام صناع السينما مرات عديدة.

هذا الارتباط بدا واضحاً في هوليوود والسينما الأوروبية، والعربية أيضاً، حيث تمتلك الأخيرة قائمة طويلة اقتبست من روايات، أحدثها فيلم »هيبتا: المحاضرة الأخيرة«، و»الفيل الأزرق«، و»عمارة يعقوبيان« وغيرها، كما استفادت أيضاً من إرث نجيب محفوظ الروائي، حيث حولت على الأقل 22 من رواياته لأفلام.

وبنظرة سريعة على السينما الاماراتية نكتشف أنها لم ترتبط مع الرواية ابداً، لتبدو أنها تعيش معها في حالة »خصام«، فلا الرواية اقتربت من السينما، ولا صناع الأخيرة أعاروها انتباهاً كالذي منحوه للقصص القصيرة. ولا سبب واضح يبين حالة »الخصام« هذه بين ضفتي الإبداع الإماراتي.

وللوقوف على ذلك، تواصلت »البيان« مع الطرفين، لتخلص إلى أن صناع السينما يرون بأن ذلك سببه عدم وجود الرواية القادرة على استفزازهم، في حين عزا آخرون ذلك لقلة كتبة السيناريو الذين تلقى على عاتقهم مهمة كتابة النص السينمائي، في حين برر بعض الكتاب ذلك بوجود فجوة بين الطرفين.

الروائي علي أبو الريش أكد لـ »البيان« أن السينما الإماراتية لا تزال ناشئة. وقال: »أعتقد أن السينمائيين الإماراتيين ما زالوا بحاجة لخبرة أعمق في البحث عن الرواية، التي تمتلك القيمة الرفيعة التي تتناسب مع الصورة، وهو ما يشبه البحث عن المجهول«، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن يتم تقييم عمل السينما من دون الرواية، قائلاً: »الصورة وحدها لا تكفي..

ولا بد أن يكون هناك تجسيد آخر للعمل السينمائي، وهو ما يمكن توافره في الرواية، التي يمكنها تجسيد الصورة بالشكل السردي العفوي، يقدم للمشاهد قيمة إبداعية«. وأضاف: »السينما لدينا لا تزال في بداية الطريق، ولكن ذلك لا يعفي السينمائيين من الوقوف بجانب كتاب الرواية، والسير معاً لتقديم أعمال فنية يستفيد منها الطرفان، خاصة أن الرواية يمكنها تقديم صورة كاملة الأحداث والرؤى«.

أبو الريش نفى جدلية »عدم نضوج الرواية الإماراتية«. وقال: »لا أعتقد ذلك، لأن العمل الروائي بالإمارات بلغ من العمر 40 عاماً ونيفاً، ولو فرضنا جدلاً وجود قصور بالرواية الإماراتية، فيمكن للسينمائيين الإماراتيين البحث عن رواية عربية لتجسيدها على الشاشة، لتعميق علاقتهم بالرواية، مع مراعاة وجود الخصوصية والفروقات بين منطقة وأخرى«.

فجوة

على النسق ذاته، جاء رأي الكاتبة نجيبة الرفاعي التي اعتبرت أن الإحجام عن تجسيد الرواية الإماراتية على الشاشة، هو من السينمائيين، مشيرة لوجود فجوة بين الطرفين. وقالت: »بلا شك، إن كلا الطرفين يحتاجان لبعضهما بعضاً، وبالتالي فلا بد أن يكون هناك رابط بينهما«. وتابعت: »أي سينمائي يبحث عن الأفكار الجديدة التي يمكن لها ضمان تحقيق الربح..

ولكن هذا لا يعني عدم وجود روايات إماراتية تستحق أن تتحول لأعمال سينمائية، لما تحمله من قيمة أدبيه وفنية عالية«. الرفاعي أشارت لوجود اختلاف بطبيعة الإنتاج الروائي الإماراتي، قائلة أن »بعض الروايات الإماراتية تقترب من الخواطر الشعرية، وهذه لا تصلح للسينما التي تحتاج لحركة وشخصيات مالكة لقدرة التفاعل مع بعضها«. وأكدت أن الرواية الإماراتية لا تزال بحاجة لخطوة أكبر.

وقالت: »لا بد من تجسير الهوة بين الطرفين، وقد يكون ذلك عبر وجود اتفاق بين السينمائيين أنفسهم والروائيين، بحيث يعملان سوياً ضمن خط واحد لتقديم عمل فني يجمع الطرفين«.

حراك ملحوظ

المتابع لحركة الرواية الإماراتية، يشعر بزخم إنتاجها وطرقها لمواضيع اجتماعية كثيرة، حيث ظهرت روايات عدة في هذا الإطار، مثل »السيف والزهرة« لعلي أبو الريش، و»رائحة الزنجبيل« لصالحة غابش، و»شارع المحاكم« لأسماء الزرعوني، وغيرها.

في المقابل، بدأت السينما الإماراتية خاصة في العامين الأخيرين تشهد حراكاً ملحوظاً من حيث ارتفاع كم إنتاجها في الأفلام الطويلة، حيث نشهد خلال 2016 دخول 4 أفلام إماراتية طويلة في صالات السينما، لتتنافس على شباك التذاكر، إلا أن الملاحظة تظل تكمن في اعتماد هذه الأفلام على »سينما المؤلف«.

الشاعر والمخرج خالد البدور عزا الفجوة بين الرواية والسينما لأسباب كثيرة، منها عدم وجود كتبة السيناريو. وقال: »قلة عدد كتاب السيناريو يشكل معضلة بالسينما الإماراتية، وإن وجدوا فلا اهتمام لديهم بالرواية الاماراتية«. وتابع: »لدينا روايات كثيرة تمتلك البناء الروائي الجيد، الذي يمكن تحويله إلى سيناريو يتيح للمخرج إمكانية تنفيذه سينمائياً..

وذلك يتطلب وجود كاتب سيناريو يستطيع تحويله إلى صورة بصرية«. وواصل: »لدينا إنتاج أدبي جيد، وعلينا الاتفاق أن الروائي ليس من مهمته الكتابة للسينما، وإنما تقديم رواية ذات مضمون ومواصفات جيدة، في حين تقع مهمة تحويلها إلى الشاشة على كاهل السينمائي، الذي يجب أن يستخرج منها الصورة البصرية، التي يتطلع إليها«.

صورة بصرية

المخرج وليد الشحي، صاحب فيلم »دلافين«، أحال السبب لعدم وجود كم كبير من الروايات الإماراتية، التي يمكن تحويلها لأفلام. وقال: »ناتج الروايات عموماً بالدولة قليل، فضلاً عن أنه لا يمكن تحديد إذا كان يصلح أصلاً لأن يتحول لصورة بصرية، تتوافق مع متطلبات السينما، وبالنسبة لي فقد اطلعت على مجموعة روايات إماراتية..

ولم أجد الرواية التي تمكنني من تحويلها لفيلم«. الشحي أشار إلى أن بعض الروايات تحتمل التحول للسينما من دون فقدانها لروحها، فيما بعضها الآخر لا يحتمل هذه المغامرة. وقال: »بالنسبة لي أتطلع دائماً إلى الرواية التي يمكنها استفزازي بصرياً، وتقودني لاستخراج الصورة البصرية منها«.

لا يرى الشحي في الاتفاق بين الروائي والسينمائي للعمل معاً، للخروج بعمل سينمائي يجمع الطرفين، حلاً جيداً، وبرر ذلك بأن »روح العمل ستتلاشى، وسيفقد عمقه لكونه لم يكتب بروح روائية خالصة أو سينمائية خالصة«، قائلاً: »يمكن التعاون مع الروائيين في هذا الإطار بأن يتم تحويل الرواية إلى سيناريو ومن ثم تحويلها لفيلم، كما هو معمول في معظم سينمات العالم«.

عدم وجود علاقة بين الطرفين، وجدت فيه المخرجة عائشة الحمادي، سبباً رئيساً لهذا الفراق، قائلة: »أشعر بأن كل طرف يغرد وحده، ولحل هذه الإشكالية أعتقد أنه يجب علينا العمل على تطوير وتعميق هذه العلاقة«. وأشارت إلى أن عملها في الأفلام الوثائقية، لم يتح أمامها المجال لأن تذهب نحو الأفلام الروائية الطويلة، وبالتالي الاستفادة من النتاج الروائي الموجود في الدولة. وقالت: »بالتأكيد، إن لدينا روايات يمكن من خلالها خلق صورة بصرية جيدة، ولكن ذلك بحاجة إلى عملية بحث عميقة واطلاع على النتاج الروائي في الدولة«.

DVD

 

Email