فيلم بقراءات متعددة

جيك ييلنهيله عدو نفسه في «إينيمي»

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تعتبر السينما السريالية (الخيالية أو الرمزية) خياراً مثالياً للتيار العام من الجمهور الذي يريد مشاهدة فيلم ما لأجل الاستمتاع بالقصة والترفيه عن نفسه. فالجمهور لن يتقبلها كونها سينما تدعو للتفكر والتأمل ولها عدة تفاسير.

هذا النوع من السينما موجه لنوعية معينة من الناس، وفي الغالب لا تحقق أعمالها نجاحات تجارية، لأن الغرض منها فني بالدرجة الأولى، ولا تعرض أعمالها سوى في صالات محدودة ومختارة.

هوليوود ابتعدت بشكل واضح عن السينما السيريالية، لأنها لا تدر أموالاً، وتجنبت إنتاج أفلامها، ولعل أبرز مثال نذكره صانع الأفلام الأميركي ديفيد لينش وهو رائد هذه السينما منذ ثمانينات القرن الماضي الذي اتجه لأوروبا لإنتاج أعماله التي تلقى رواجاً كبيراً هناك، وخصوصاً في فرنسا.

منذ توقف لينش عن العمل لأسباب شخصية لم نر فيلماً سيريالياً لافتاً حتى جاء فيلم Enemy أو «عدو» عام 2014 للمخرج الكندي الفرنسي دينيس فيلنوف، والمقتبس من رواية بعنوان «الشبيه» أو The Double الصادرة عام 2002 للمؤلف البرتغالي خوسيه ساراماغو. فيلنوف لم يعرف بالسيريالية في أعماله السابقة إلا أنه أضاف الكثير من الأدوات الإبداعية لفيلمه لم يذكرها ساراماغو قط في روايته، ما جعله فيلماً يمزج السيريالية بالرعب.

نرى امرأة حاملاً في بداية الفيلم في لقطة وحيدة بدت كأنها لوحة فنية (سنعود إليها لاحقاً)، ثم يقطع فيلنوف إلى بروفيسور تاريخ وعلوم سياسية يدعى آدم بيل (جيك ييلنهيله) يعيش حياته بصورة روتينية، ونلاحظ أنه يتردد على مكان سري مثل ناد تحت الأرض يمارس مرتادوه طقوساً غامضة كدهس العناكب، بينما آدم ينظر إليهم نظرة مدمن ملؤها الإرهاق. في يوم ما ينصحه زميله بأن يغير من أسلوب حياته بالذهاب إلى السينما أو استئجار فيلم ومشاهدته في المنزل.

يستأجر آدم الفيلم ويشاهده، لكنه يصدم بمشهد يرى فيه ممثلاً يقف في الخلفية يشبهه تماماً. يصاب آدم بالذهول فيبحث عن اسم الممثل وأعماله السابقة ويشاهدها للتأكد مما رأته عيناه أول مرة، وعندها يفيق على حقيقة صادمة عليه اكتشافها: من هذا الشبيه؟ هل هو توأم لا يعلم عنه؟

يبدأ آدم رحلة استكشاف الشبيه واسمه آنثوني (أيضاً جيك ييلنهيله) بالاتصال به والتحدث إلى زوجته هيلين (سارة غادون) إلى أن يلتقي معه في غرفة بفندق ليقطع الشك باليقين. عينا آدم مازالتا غير مصدقتين فيذهب إلى والدته (إيزابيلا روسوليني) للتأكد من احتمال وجود شقيق توأم له، فتؤكد والدته عدم وجود توأم وتدعوه لطرد الأوهام من رأسه، (سنعود لمشهد الأم لاحقاً).

تصل الأمور إلى مشهد اللقاء بين آدم وزوجة آنثوني المذهولة من وجود ذلك الشبيه، ثم انخراطها في البكاء من رعب الصدمة (سنفسر هذا المشهد لاحقاً هنا)، ثم تنتقل الشكوك من رأس آدم إلى رأس شبيهه آنثوني الذي يغضب ويجن جنونه ويتهم آدم بدخول منزله في غيابه خصوصاً أنهما شبيهان وزوجة آنثوني الحامل لا تستطيع التمييز بينهما. يحاول آدم تبرئة نفسه دون فائدة. يقترح آنثوني حلاً مجنوناً مقابل الاختفاء من حياة آدم، وهو خروجه أي آنثوني مع زوجة آدم، ميري (ميلاني لوران) ليجرح مشاعرها ويفسد العلاقة بينهما. يوافق آدم فقط للتخلص من هذا الأمر الأشبه بالكابوس الذي لا يعلم كيف ينهيه.

ميري تكتشف أن آنثوني ليس زوجها، لأن آدم الذي تعرفه لا يلبس خاتم زواج، فتتشاجر معه في السيارة ويتعرضان لحادث مروع لكن من غير الواضح ما إذا كانا قد لقيا حتفيهما. بالتزامن مع سير أحداث الفيلم نلاحظ تركيز المخرج على عنكبوت صغير يظهر في المشهد الثاني ثم يكبر تدريجياً مع تطور أحداث الفيلم حتى يغطي سماء مدينة تورنتو الكندية، حيث صور الفيلم في منظر مرعب، لكنه من أغرب ما شهدته السينما السيريالية. للعلم، فإن العنكبوت إضافة المخرج فيلنوف الإبداعية للفيلم ولم يذكره ساراماغو في روايته إطلاقاً.

نهاية الفيلم لقطة اعتبرها بعض النقاد أكثر مشهد مخيف في تاريخ السينما. اللقطة عبارة عن آدم ينظر إلى عنكبوت بحجمه (حجم آدم) والعنكبوت يبدو خائفاً من آدم، فما معنى ذلك؟

القراءة الكلاسيكية للفيلم تقول إن ساراماغو يسقط على دولته البرتغال عندما حكمها رئيس الوزراء أنتونيو سالازار من 1932 إلى 1968، وتميز حكمه بالقمع وتقليص الحريات وحارب الديمقراطية والشيوعية (التي ينتمي إليها ساراماغو)، وكان أقرب إلى الحكم السلطوي ودعم الجنرال فرانكو في إسبانيا أيام الحرب الأهلية في ثلاثينيات القرن الماضي.

ففي الفيلم نرى أن آدم لم يصدق ثم لم يتقبل وجود شبيه له في إسقاط واضح على الحكومة والشعب في البرتغال في ذلك الوقت، حيث إن مكونهما واحد وهو الإنسان، لكن الإنسان في السلطة لا يعطي الفرصة لأخيه من الشعب للعيش بسلام والتعبير عن نفسه. قراءة أخرى تقول إن ساراماغو لم يغير رأيه في بلده حتى بعد انتهاء حكم سالازار، والدليل أنه نشر روايته عام 2002 بعد 34 عاماً من سقوط الحكم الدكتاتوري. والدليل الآخر أن آدم بروفيسور العلوم السياسية في الفيلم يقول في محاضرته إن الحكم الدكتاتوري يمنع الفرد من التعبير عن نفسه ويلهيه بأشياء أخرى، وأن هذا نمط يعيد نفسه منذ فجر التاريخ.

قراءة ثالثة تقول إن ساراماغو يسقط على مواطنيه المثقفين والذين يرمز لهم في الرواية والفيلم بشخصية البروفيسور، حيث إن العنكبوت (السلطة الشمولية) يكبر أمامه ويظهر ضخماً يغطي سماء المدينة كأنه يظللها حتى يتجسد بحجمه في اللقطة الأخيرة، والمغزى أن الأفراد الواعين المثقفين لا يدركون أن السلطة تحاول السيطرة عليهم إلا عندما يفوت الأوان ويصبح الأمر واقعاً.

قراءة رابعة تقول إن المخرج فيلنوف يسقط على مدينته تورونتو التي تعاني انقساماً ثقافياً.

أما قراءتنا للفيلم فهي أن آنثوني مصاب بانفصام في شخصيته يتحول من خلاله إلى آدم وقرر التحرر من حياة الزوجية بمجرد أن حبلت زوجته كي لا يتحمل المسؤولية، فترك زوجته لصالح المرأة الأخرى، وهو بروفيسور تاريخ وعلوم سياسية في الجامعة.

عندما قرر آدم مشاهدة الفيلم كان آنثوني في حالة الانفصام بعيداً عن زوجته، ونسي أن هذا فيلمه الذي ظهر فيه في دور صغير قبل أن يصبح بروفيسوراً، وعندما رأى نفسه تولد الصراع بين الشخصيتين في داخله بسبب «النوستالجيا» فأراد آدم أن يسأل عن آنثوني وزوجته الحامل في شهرها السادس (أي أنه تركها منذ ستة أشهر كما أسلفنا في فقرة سابقة)، بينما غضب آنثوني ولم تعجبه محاولة آدم معاودة الاتصال مجدداً بزوجته، لأنه هجرها عن قناعة، فقرر آنثوني إيذاء ميري التي لم تكن تعلم أن آدم (آنثوني قبل هجر زوجته) متزوج. فتشاجرا ووقع الحادث.

في هذه القراءة العنكبوت رمز للمرأة في مفهوم آنثوني، ونرى العنكبوت يكبر، أي أن المسؤولية المتضخمة في رأسه والتي يتهرب منها تعود إليه من جديد، وبعد وقوع الحادث نرى آدم ينظر إلى ملابس آنثوني ثم يرتديها، أي أن آنثوني خرج من انفصامه وتخلص من آدم وتصالح مع زوجته، لكنه يجد مظروفاً في جيبه يحوي دعوة من ذلك النادي السري، وقرر الذهاب إلى النادي (وهو رمز لمكان يعتزل آنثوني فيه ليدخل في حالة الانفصام ويتحول إلى آدم)، لكنه أراد أن يستأذن زوجته التي طلبت منه البقاء معها بعد أن أدركت أنه عاد إلى رشده، فتفاجأ بوجود عنكبوت ضخم خائف أمامه، والتفسير أن آنثوني ينظر لزوجته كأنها عنكبوت تريد حبسه في شبكتها، وخوفها يعكس يقينها بأنه عندما طلب الخروج وحده يعني أنه يعود للتهرب من مسؤولياته.

أما ذهولها من وجود شبيه لزوجها في ذلك المشهد فهو حقيقة صدمتها عندما علمت أن زوجها مصاب بانفصام شخصية، وأنه يتظاهر بأنه لا يعرفها.

والدليل على هذه الفرضية مشهد يتحدث فيه آنثوني مع والدته التي تؤكد له عدم وجود توأم، فتقول له: «لديك وظيفة جيدة (بروفيسور في الجامعة)، فتوقف عن التفكير في أن تصبح ممثلاً»، في إشارة واضحة أن قرار آنثوني أن يصبح بروفيسوراً جاء بقمع وتأثير من والدته التي منعته من تحقيق أحلامه، وبعد هذا المشهد تحديداً يظهر العنكبوت الضخم في سماء المدينة والمقصود به والدته التي تقمعه.

وهناك قراءة مغايرة لكل ما سبق وهي أن الفيلم ليس ممنتجاً بالترتيب، وعلى المشاهد إعادة ترتيبه بعد مشاهدته والكثير من الأفلام السريالية كذلك، لكن ليست هذه المساحة مناسبة أو كافية لشرح ذلك.

وأخيراً نقول إن الكثير من الأفلام السريالية لها عدة قراءات، لأن هذا النوع من السينما يعتمد على كيفية تفسير كل مشاهد على حدة حسب فهمه، والنتيجة دائماً تكون عدة تأويلات للعمل الواحد.

5

جوائز حصدها فيلم إينيمي من هيئة الشاشة الكندية

3

ملايين و400 ألف دولار عائدات الفيلم وهو مبلغ متواضع جداً

16

ألف دولار إيرادات الفيلم من عرضه في صالة واحدة قبل توزيعه

120

صالة فقط عرضت الفيلم بعد التوزيع ما يدل على محدودية التوزيع

1

مليون و300 ألف فقط عائدات الفيلم في أميركا الشمالية

2

مليونان و388 ألف دولار عائدات الفيلم من العروض الدولية

Email