المدمـر العجـوز شواريتـزنيغـر يفشل في استرجاع مجده

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يجب على كل نجم ممثل أن يأفل بعد سنوات النجومية المتوهجة؟ كلا ليس بالضرورة. هل يستطيع ممثل الصمود بنفس درجة العطاء؟ نعم ولكنها حالات قليلة حالفها الحظ كثيراً. هل يستطيع ممثل أن يعود بعد فترة طويلة من الأفول؟ بالتأكيد نعم.

يمثل الحالة الأولى الممثل الأميركي من أصل نمساوي آرنولد شوارتزنيغر، والحالة الثانية يمثلها النجمان دانزل واشنطن وتوم كروز، والثالثة الأسطورة آلباتشينو وويل سميث والممثل كينو ريفز.

دراسة حالة

سنبقى مع «آرني» كما يحلو للبعض تسميته في هوليوود خلال هذه السطور لدراسته كحالة أفول محتملة والسبب هو محاولاته المستميتة للعودة رغم قلة حظه. فالأفول هو ظاهرة في عالم هوليوود يصطدم بها الممثل فإما أن يتخطاها منذ البداية أو يدخل فيها ويخرج أو يبقى سجيناً بها. شوارتزنيغر سجين الآن في حالة الأفول التي دخلها منذ خروجه من عالم السياسة عام 2011. عندما خرج من مكتب حاكم ولاية كاليفورنيا لم يكن من خيار أمامه سوى العودة لحاضنته الطبيعية: السينما.

مشكلة شوارتزنيغر أنه لم يراع تأثير سنة الحياة على هوليوود، فعاد ليفعل ما اعتاد فعله لكنه وجد أن كل شيء قد تغير. سينما الثمانينات والتسعينات لم تعد كسينما اليوم، المعايير تبدلت والوجوه تغيرت والجمهور انصرف وأتى جمهور آخر لا يفهم لماذا أحب العالم شوارتزينيجر في الثمانينات.

ذبول

ليس هذا فحسب، بل إن عضلات شوارتزنيغر المفتولة ذبلت أداءً وليس مظهراً ولم تعد تؤدي المطلوب منها في فترة ما بعد السياسة. المخرجون الذين عملوا معه واجهوا صعوبات في إقناع أنفسهم قبل إقناع الجمهور، فالرجل بلغ (68 عاماً) وحركته بطيئة ولا يستطيع الجري والقفز كما كان عهده منذ 30 عاماً. وهنا لجأوا إلى أسلوب الخداع البصري بالكاميرا فقط، فأخذوا لقطات القتال والحركة بأسلوب Close up shot واعتمدوا المونتاج السريع لإخفاء البطء، واستبدلوا مشاهد الركض بمشاهد مطاردات سيارات وانفجارات.

هذا الأسلوب نجح مع دانزل واشنطن في The Equalizer العام الماضي، والمفاجأة الأكبر أن خمسينياً مثل كينو ريفز أدى مشاهد الحركة والقتال ببراعة ثلاثيني فيJohn Wick أيضاً العام الماضي، لكن هذا الأسلوب لم ينجح مع آرني.

هوليوود جديدة

احتار آرنولد أو «المدمر العجوز» بعد خروجه من السياسة في أمر هوليوود الجديدة التي لم يعد يعجبها شيء، وقرر الدخول في مشروع جديد وهو مشروع لو عرض عليه في الثمانينات لرفضه لأسباب تتعلق بكبرياء النجومية. المشروع كان فيلم Escape Plan عام 2013، وهو فيلم يجمعه بالنجم سلفستر ستالون الذي كان ينافسه في الثمانينات على إبراز العضلات. الفيلم جاء ضعيفاً والسبب أنه صنع لأسباب نوستالجية بحتة وموجه لجمهور ستالون وشوارتزينيجر فقط، إذ ما السبب الذي سيقنع المراهقين والشباب أن رجلين في نهاية العقد السادس من عمريهما يستطيعان فعل ما يعجز عنه الشباب. عانى الفيلم أزمة مصداقية بالرغم من كون قصته جيدة.

تخبط بعدها شوارتزنيغر تخبطاً شديداً في فيلميSabotage عام 2014، وThe Expendables العام نفسه. وبعدها دخل في حالة مراجعة. ربما أفلام الحركة والإثارة لم تعد مفتاحا للنجاح بالنسبة إليه كما كان الحال منذ 30 عاماً. ربما يكون الحل للخروج من أفوله الذي يكاد أن يطفئ نجوميته هو التجديد، أي تجديد دوره ونفسه واختيار دور لا يعتمد على عضلاته. بالضبط كما فعل سلفستر ستالون بنجاح في فيلم Copland عام 1997. الحل كان في الدراما، فوافق آرنولد على أول دور دراما عرض عليه وكان ذلك فيلم Maggie عام 2015 إلى جانب جويلي ريتشاردسون وآبيغيل بريسلن.

ماغي يحكي قصة محنة فتاة مراهقة تعاني من مرض يحولها إلى زومبي تدريجياً قبل أن تموت، وعلى والدها أن يتخذ قراراً صعباً، إما أن يسلمها للسلطات أو أن يقتلها بنفسه. الفيلم عانى من مشاكل كثيرة على صعيد النص الذي كتبه جون سكوت وأخرجه البريطاني هنري هوبسون. الحسنة الوحيدة في الفيلم أن شوارتزينيجر أثبت أنه يستطيع أن يمثل اعتماداً على تعابير وجهه وليس عضلاته فقط. وللمرة الأولى يرى العالم آرنولد يبكي ويذرف دموعاً حقيقية في دور درامي.

إخفاق

أخفق الفيلم المستقل ماغي بشدة وانصرف الجمهور عنه إلى درجة أن الصحافة الأميركية ذكرت في تقارير إخبارية أن أعداداً من الجمهور خرجت من صالات العرض في منتصف الفيلم وهو ما لم يحدث في تاريخ شوارتزنيغر الفني.

الأسباب كثيرة، فمنها أن آرنولد اختار دوراً يتطلب الكثير من المصداقية لكنه نسي أنه لا يستطيع التخلص من لهجته النمساوية الثقيلة أو لم يبذل جهداً كافياً للتخلص منها وهي التي رافقته لثلاثة عقود ولم يحاول إخفاءها إطلاقاً، فليس هناك رجل أميركي يعيش في مناطق وسط البلاد ويتحدث بتلك اللهجة سوى آرنولد نفسه! ومن الأسباب أيضاً أن الفيلم جاء بطيئاً جداً، ومنها أن آرنولد مقنع في التمثيل فقط ولكن عندما نأتي إلى طريقة أداء الحوار فإنه يخفق تماماً والسبب أنه غير معتاد على مادة ثقيلة درامياً كهذه لا يحتاج «لعضلاته» لمعالجتها. ماغي افتقد للحركة لكنه كان يستطيع التعويض بالأداء، وهنا آرنولد أنجز نصف مهمة فقط ولم يستطع إكمالها لنقص خبرته.

ثم فيTerminator: Genysis هذا العام أيضاً كان شوارتزنيغر مهمشا تقريبا لصالح جاي كورتني وجيسن كلارك في فيلم مشتت ومعقد اعتمد على نوستالجيا الممثل والسلسلة التي اكتسب لقب المدمر منها. لا وودي آلين سينجح في التراجيديا ولا آرنولد سيتفوق في الدراما، فالصورة الراسخة في الأذهان عنه هي لمدمر «مفتول العضلات» يضرب ويحطم ويقول: I'll be back أو سأعود، وكي يعود عليه إعادة تجديد نفسه في نفس القالب الذي اعتاده الناس له، وليس فيما لا يحسن صنعه.

Email