سيرك

سيرك فلسطيني يكسر الجدار

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

جلس ذلك الشاب العشريني وقتها بين مجموعة من الأصدقاء والطلاب ممن يدرسون التمثيل والإخراج المسرحي مثله بالجامعة يتحدثون، فقرر أن يخبرهم عن حلمه الذي طالما راوده منذ الطفولة بأن يكون فنان سيرك، ولكنه كبر من دون تحقيقه، فأراد أن يحققه في غيره من الأطفال، وقال: لننشئ مدرسة سيرك وما أن قالها حتى صرخت فتاة جامعية » تريدنا أن نرتدي البكيني ونرقص على الطاولات «.

تلك الكلمات كانت كفيلة بأن تخلق لدى الشاب الفلسطيني »شادي زمرد« تحديا إيجابيا لتغيير نظرة المجتمع للسيرك، حيث أدرك الصعوبة الاجتماعية التي سيواجهها ـ ليس فقط لأن السيرك فن غير معروف في الدول العربية جميعها على حد قوله، ولكن أيضا للظروف التي يعيش فيها مجتمعه الفلسطيني، فكيف يتم إنشاء مدرسة لتعليم فنون السيرك لشعب يعاني ويلات الاحتلال لأكثر من 60 عاما ؟ذلك هو السؤال الذي يُطرح باستمرار منذ التصريح بهذه الفكرة وكلما تم مشاهدة إحدى عروض مدرسة سيرك فلسطين، #فقد نجح شادي بالفعل في تأسيس مدرسة سيرك فلسطين بمدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة في أغسطس 6002، ولم يكن أمامه كما قال سوى »كيف أثبت للشعب الفلسطيني أننا كشعب قادرون على عمل سيرك وتوصيل رسالة؟«.

يقول شادي: »قبل أربعة أعوام كنت بالمسرح وشعرت أنني أريد تقديم شيء يفيد أطفال فلسطين، الموجودون بالشوارع يلعبون الكرة في مكان خطر به سيارات أو يلعبون ألعابا بها عنف أو يواجهون تهديدات من جانب الاحتلال الإسرائيلي، فقد وجدت آنذاك أن لديهم طاقة ولكنها تخرج بشكل سلبي وكان الاختيار بالنسبة لي:

ما الذي يمكنني عمله لهؤلاء الأطفال لكي يفرغوا طاقتهم بشكل آمن وذو ثقة، فوجدت الحل في السيرك، ولأني كنت مديرا فنيا لفرقة سيرك من قبل بالقدس أردت أن أعرف هذا الشيء لأطفالي أطفال فلسطين«.

صعوبات التأسيس

لم يكن طريق تأسيس مدرسة سيرك فلسطين خاليا من الصعوبات والتحديات المعنوية والمادية، حيث البداية مع ترك شادي لموطنه بمدينة القدس وللسيرك الذي كان يعمل به وهو سيرك يخدم طلابا عربا ويهودا، وذلك مع بدء الانتفاضة الثانية حيث كان قد قرر آنذاك مقاطعة عمل أي شيء ثقافي مع أي جهة إسرائيلية®.

وعن تلك الفترة يقول: انتهى بي المطاف بتركي العمل نهائيا في سيرك القدس عندما تم أخذ طفل فلسطيني للاشتراك بعرض سيرك في ذكرى الهولوكوست اليهودي في برلين ويصف ذلك بمرارة »يأخذون طفلا فلسطينيا على ذكرى الهولوكوست وأهل هذا الطفل يعيشون تحت الهولوكست الإسرائيلي بالضفة الغربية«.

ويشير شادي إلى أنه ترك القدس وتوجه إلى رام الله وأخذ السيرك معه على حد قوله، ليبدأ المشوار مع حلم مدرسة السيرك الذي تجدد بحديثه مع فتاة بلجيكية تدعى »جيسكا ديفليغري« عن مجموعة بلجيكية تريد العمل على تدريب مجموعة فلسطينية على فنون السيرك لمدة ثلاثة أسابيع، ليحكي لها حلم مدرسة السيرك الذي يريد تكوينه.

ومن هنا بدأ كل من شادي وجيسكا التي أصبحت زوجته فيما بعد في تأسيس المدرسة، ومع تجدد الأمل استمرت الصعوبات حيث ألغى المدربون البلجيكيون المتفق معهم من »السيرك في الحركة« بمدينة لوفن ببلجيكا زيارتهم قبل موعد قدومهم بعشرة أيام، حيث بدأت الحرب الإسرائيلية آنذاك على لبنان فخاف المدربون من الذهاب إلى فلسطين وفشلت محاولات إقناعهم بأن الوضع برام الله والضفة في ذلك الوقت آمن .

يقول شادي » لم تكن لدينا أدوات سوى خبرتي فقط وثلاثة طلاب فلسطينيين كانوا معي في سيرك القدس وتركوه للسبب ذاته، ومن ذاك الوقت لا أتعامل مع أي إسرائيلي كليا«.

ويضيف: تولينا التدريب وكان لدينا في أول يوم أربعة مدربين وثلاثة طلاب وفي اليوم الثاني 6 طلاب وبعد ذلك أصبحوا 9 ثم 20 وحاليا المجموعة تبلغ ما يقرب من 120 طالبا من كل أنحاء الضفة الغربية من كل المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية.

خلف الجدار

في أول ورشة عمل في عام 2006 ولمدة ساعتين إلا ربعا، أقام أعضاء سيرك فلسطين عرضا أسموه » سيرك من خلف الجدار«، بدأت فكرته كما يقول شادي - مؤسس المدرسة ومخرج العمل- بأن يقوم كل شخصين أو ثلاثة معا بعمل أكروبات، الجمباز، الهوائيات أو اللعب بالطابات »الكرة«.

ومن خلال ذلك يحكون قصصا عن حياتهم يعبرون عن المأساة التي يعيشونها خلف الجدار العنصري الإسرائيلي، فهو عرض يجمع بين التمثيل والحركات الأكروباتية وهذا هو السيرك الحديث، فالسيرك ليس فقط شيئا جميلا أراه؛ لأنه لو لم يقدم رسالة لا أسميه سيركا«.

#ويضيف مؤسس الفرقة إنه تم البدء في تقديم هذا العمل كعرض مسرحي متكامل في شهر ديسمبر 2006، ومن هنا ظهرت مدرسة سيرك فلسطين إلى النور بهذا العرض الذي وصفه شادي بأنه » يعبر عنا كفلسطينيين كيف نعيش خلف هذا الجدار«®.

وأشار أنه تم تقديم ما يقرب من 30 -40 عرضا إذ لم يكن أكثر في جميع أنحاء أوروبا، وآخرها في القاهرة خلال شهر أكتوبر من العام الجاري في إطار مهرجان القاهرة الدولي للسيرك »سيركايرو« حيث أعرب شادي عن فخره بأن يكون أول عرض بالوطن العربي في مصر .

هكذا كان مشوار مدرسة سيرك فلسطين الذي لا يخلو من الطموح والحلم والصعوبات التي كادت أن تمنعهم من القدوم إلى القاهرة، حيث استمر العمل للحصول على تأشيرة العبور إلى مصر لمدة شهر كامل، ويقول: شادي بنبرة عتاب: لم نتوقع ذلك حيث دائما ما كنا نسافر عبر الحدود الأردنية إلى فرنسا وبلجيكا وغيرها« متمنيا أن يتم فتح المعابر .

معاناة شعب

ولكن في النهاية وجود سيرك في فلسطين خلال أربع سنوات هو تحقيق انتصار كبير، كما وصفه شادي الذي يرجع سبب ذلك إلى » أن المجتمع الفلسطيني حين رأى أن السيرك قادر على التعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني ازداد عدد الجمهور وعدد الراغبين في تعلم فنون السيرك وأيضا ازداد الطلب على المشاركة في التدريب بالمدارس والنوادي والمجموعات البلدية ».

ولا ينتهي حلم شادي عند حد مدرسة سيرك فلسطين، بل خلال أربع سنوات أو أقل على حد قوله ستبدأ أكاديمية فنون السيرك الفلسطينية بجوار جامعة بيرزيت برام الله فالدعم المعنوي موجود دائما وهناك أربعة مدربين يتعلمون بأكاديميات أوروبية محترفة حتى يتولوا تدريب السيرك باحتراف بعد ذلك في فلسطين .

ويقول مؤسس الفرقة: »نحن نتقدم باستمرار وعندنا الطموح والحلم للوصول للعالمية، ونحلم بأن نؤسس مجموعات سيرك بالقاهرة ولبنان والأردن وكل الدول العربية ».

وفي القاهرة بحديقة الأزهر ووسط ما يقرب من 500 مشاهد هى سعة مسرح الحديقة يومي 14و17 أكتوبر، بدأ 8 أشخاص عرضا باسم« سيرك من خلف الجدار« وعلى اختلاف أعمارهم إلا أنهم جميعا لعبوا دور أطفال صغار يمرحون ويقومون بحركات يضحك منها الجمهور الذي غلب عليه الأطفال ثم تبدأ حركات الجمباز بشكل كبير وتختلف الموسيقى إلى صوت طائرات وقذائف لتظهر فكرة العرض بشكل أوضح مع الأداء التمثيلي لهذه الحركات .

ويتنوع ما يقومون به بين اللعب على الشريطة كما يطلق عليها والحبال إلى أن يأتي المشهد الختامي بوضع جدار أبيض يظهر ظل من حوله وبمجموعة من الحركات التعبيرية عن الحياة خلف هذا الجدار ثم تأتي طفلة صغيرة لتقف أمام هذا الجدار مجسدة العزلة، وينتهي العرض بهدم منتصف الجدار وظهور أبطال العرض رافعين علم فلسطين .

العزلة الصامتة

من بين أبطال هذا العرض ثلاث فتيات لا تفارقهن الابتسامة هن سيرين ومرح ولور يجمعهن حبهن للسيرك وإحساسهن بتمثيل فلسطين .

سيرين ومرح من مدينة رام الله عندهما 61 عاما ومر على وجودهما في المدرسة ثلاث سنوات حيث دخلتا في اليوم ذاته، وتقول مرح » وأنا صغيرة كنت أحب الجمباز وأمي ظلت تبحث لي عن مثل هذه الأشياء حتى دخلت مدرسة السيرك وبعد شهر تقريبا أو شهرين قالوا لنا: إننا مسافرون لعمل عرض ويجب أن تثبتوا لنا أنكم قدر المسئولية«.

وشاركت كل من سيرين التي تلعب العصا والجمباز ومرح التي تلعب على الطرابيز قبل القدوم إلى القاهرة في العرض بفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا ورام الله. وأكدتا إحساسهما بالاختلاف وسط عروض سيرك الدول الأخرى »لأننا لدينا قضية ونحن نعمل بالطاقة التي لدينا وليس فقط الأدوات المادية«.وعن فكرة العرض تقول مرح: نبدأ بأشياء مفرحة لنبين كيف كنا فرحين قبل الجدار وأننا قادرون على عمل أي شيء لتقاطعها سيرين بحماس قائلة: ولنبين أننا سنظل نفرح حتى ولو وراء الجدار«.

وبالابتسامة ذاتها عبرت كل من سيرين ومرح بأن كل أحلامهما الشخصية تتمثل في تحرير فلسطين وانهيار الجدار وبنظرة ثقة تقول مرح » نحن سننتصر حتى ولو مع آخر عرض أقوم به«.

بينما لور الفتاة الصغيرة البالغة من العمر 31 عاما تجد أن السيرك دراسة بالنسبة لها؛ لأنه جزء من حياتها، فقد مر على وجودها بالمدرسة أربع سنوات حيث أخبرت صديقة والدتها البلجيكية عن مدرسة السيرك وتقول »أنا جئت بالفكرة، وكنت أرى السيرك في التليفزيون كثيرا وأتمنى أن أكون مثلهم وأحقق حلمي«.وتصف لور التي تتخصص في لعب التيشو أو »الشريطة« .

وجسدت دور العزلة الصامتة أمام الجدار لأول مرة في عرض القاهرة تصف إحساسها بالمشاركة في العروض خارج فلسطين بأنها تعمل شيئا لفلسطين وتوصل رسالة إلى أن ينجح هذا الشيء.وعن أحلامها تقول:

»نفسي أحرر فلسطين يمكن عن طريق السيرك وكمان نفسي أسافر لكل دول العالم والسيرك حقق جزءاً من هذا، حيث سافرت إلى فرنسا وإيطاليا ولكسومبرج، وسوف أكمل في السيرك كهواية وأدرس اللغات«.ومع استمرار تعدي إسرائيل على الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية باستمرارها في الاستيطان بالضفة الغربية، تستمر مدرسة سيرك فلسطين في التنقل بين بلدان العالم رغم الصعوبات حاملين علم فلسطين حالمين بانهيار الجدار.

ومن القاهرة حيث المحطة الأولى لسيرك فلسطين في الوطن العربي إلى الإمارات حيث الاحتفالية باستقلالها في شهر ديسمبر القادم.

لقاهرة: دار الإعلام العربية

Email