مودي والأموال السوداء

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالنسبة للعديد من الهنود، فإن إغراء السلطة لدى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ينبع من تعهده بمعالجة مسألتين تثيران اهتمام الهنود بشدة، وهما الركود الاقتصادي والفساد المستشري في البلاد.

فقد تعثر الاقتصاد الهندي مع تهاوي النمو بصورة مطردة منذ مطلع عام 2016 حتى إلى أقل من 5.7% في الربع الثاني من هذا العام. والآن، يفترض بعض الاقتصاديين أن يكون هدفا مودي الرئيسيان على طرفي نقيض، وأن حافز نيودلهي الحماسي لمكافحة الفساد، والذي وصل إلى أوجه من خلال الحظر الصارم للأوراق النقدية، قد بدأ يحد من الزخم الاقتصادي للهند.

يقول سوراب مخاريجا الرئيس التنفيذي لشركة أمبييت كابيتال الهندية: لا يوجد كتاب في الاقتصاد قرأته يشير إلى أن اقتلاع الأموال السوداء غير الشرعية من السوق هو شرط مسبق للنمو، لقد تجاوزنا هذه المقولة في حملتنا ضد هذه الأموال. وتشير العواقب الرئيسية إلى أننا قتلنا حيوية الاقتصاد.

لقد تقلد مودي مقاليد السلطة في عام 2014، بعد أن استرق السمع إلى الغضب الشعبي بشأن منح الموارد العامة للمحسوبين على السلطة السابقة. وقد طالت الفضائح إدارة حزب المؤتمر الهندي.

وتعهد مودي في حملته الانتخابية بإعادة الثروة الهندية المخبأة في الخارج، واقترح أن تمنح كل عائلة فقيرة تعويضات مجزية نتيجة فقدان المحاصيل الزراعية بسبب الجفاف أو الأحوال الجوية السيئة.

لكن ثبت أن هذا التعهد صعب التحقيق، لذلك ألغى بصورة مفاجئة معظم الأوراق النقدية، وهي ممارسة هدفها تحويل المخزونات المالية السرية إلى قطع من الأوراق لا قيمة لها.ومع ذلك فشلت هذه الاستعراضات المدمرة في تطهير الأموال السوداء من الاقتصاد الهندي، نظراً لأن 99% من الأوراق النقدية الملغاة لم يتم إتلافها كما كان متوقعاً.

والآن فإن الهند تشدد موقفها، مع قيام مسؤولي الضرائب بالتحقق من 1.8 مليون شخص من رجال الأعمال وغيرهم، بعد أن أظهرت عوائد ضرائبهم السابقة أنها غير متزامنة مع جروداتهم المالية.وفي حين أن السعي للكشف عن الثروة غير المشروعة للهنود رائجة سياسياً، يقول الاقتصاديون إن هذه العملية لا تأتي مجاناً بل بتكلفة باهظة، على حساب ارتباك الأعمال وعواطف المستهلك.

ويعتبر هذا سبباً لبقاء الاستثمارات الخاصة ضمن السهل الممتنع، وهي الاستثمارات التي قادت الازدهار الاقتصادي السابق في الهند. وعمليات جرد الأموال أحدثت اضطراباً شديداً في سوق العقارات، والذي كان يعتبر سابقاً مركزا للأموال السوداء ومحرك نمو كبيراً. فأسعار العقارات ومبيعاتها هوت بشدة. وعلى الرغم من التقاط الأنفاس في المبيعات الآن، إلا أن هناك تدفقاً كبيراً في المخزون غير المباع من هذه العقارات.

يقول أحد المحللين الهنود: العديد من القوانين تتعارض مع بعضها بعضاً، لذلك تبقى الأنشطة التجارية مشلولة.

وأعاقت مخاوف مشابهة الجهود لتنظيف البنوك الحكومية من الفساد، حيث يتردد المسؤولون فيها من شطب ديون المقترضين من أصحاب النفوذ.

ومن غير المتوقع أن يتغير مناخ الخوف قريباً، مع إبلاغ مودي أعضاء حزب جناتا الحاكم أنه لن يتردد بمواصلة طريقه في كبح الفساد. وفي حين أن العديد من المحللين يعتقدون أن أي إجراءات قاسية ستضع الهند في مسار أكثر أمناً في المستقبل، غير أن آخرين يحذرون من أن المخاطر تضعف الاقتصاد. ويعتقد بعضهم أنه يتعين على نيودلهي أن تركز بصورة مثالية على منع تدفق الأموال السوداء، بدلاً من السعي لصد الثروات غير المشروعة التي نشأت في الماضي.

* مراسلة «فايننشيال تايمز» في جنوب شرقي آسيا

 

Email