الإصلاحات الهيكلية تعيد الرياح إلى أشرعة أوروبا

جنيفر رانكين

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد منطقة اليورو نمواً يتجاوز في سرعته الولايات المتحدة. برز ذلك عندما أدلى رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود جونكر ببيانه السنوي في خطاب الاتحاد أخيراً، حيث كان اقتصاد أوروبا المزدهر في مقدمة اهتماماته. وأكد جونكر أن اقتصاد أوروبا أخذ يسترد عافيته أخيراً، مفصلاً الجوانب المختلفة للتحسن الاقتصادي، وقال: «لقد عادت الرياح إلى أشرعة أوروبا».

وفي الواقع، على مدى العامين الماضيين، تفوق النمو في 19 دولة في منطقة اليورو على الولايات المتحدة. وأظهرت أرقام النمو السنوية الأخيرة نمواً بنسبة 2.3% بالمقارنة مع 2.2% لأكبر اقتصاد في العالم. وهبطت البطالة في منطقة اليورو إلى أدنى مستوى منذ عام 2009، فيما تعج المصانع مجدداً بالنشاط مع ارتفاع الإنتاج بنسبة 3.2% عن العام الماضي.

ويقول جيمز نيكسون كبير الاقتصاديين الأوروبيين في المؤسسة الاستشارات «أكسفورد ايكونوميكس»، إنه يرجح استمرار هذا التحسن، ويضيف: قامت منطقة اليورو بكثير من الأمور على مدى العقد الماضي لتنظيم أوضاعها وأيضاً بالكثير من الإصلاحات الهيكلية. وكانت عملية بطيئة لكنها بدأت تؤتي ثمارها.

وقد تكون منطقة اليورو تحقق ما هو أفضل من ذلك، لكن الأزمة تركت ندوباً عميقة والكثير من الجروح التي لا تزال بعيدة عن الشفاء. وفي فرنسا على سبيل المثال، يتوسع الاقتصاد بمعدل سنوي قدره 1.7% مدفوعاً بالثقة بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأجندته الإصلاحية، لكن النمو يظل متخلفاً عن متوسط منطقة اليورو. ويبقى اقتصاد ألمانيا ثابتاً، لكن الألمان قلقون بشكل متزايد بشأن عدم المساواة والوظائف متدنية الأجر. وقد استردت إسبانيا عافيتها من الأزمة، لكن عدم المساواة يزداد، وتبقى البطالة مرتفعة بشكل مؤلم عند مستوى 17%، لتحتل بذلك المركز الثاني بعد اليونان. أما الاقتصاد الإيطالي فيحقق نتائج أفضل، لكن يبقى القلق بشأن مصارف البلاد المثقلة بالديون.

وقد تطلبت اليونان والبرتغال وإيرلندا عمليات إنقاذ خلال الأزمات المالية، فيما اقتربت إسبانيا وإيطاليا من ذلك. فكيف تبدو أوضاع هذه الدول الآن؟

وعلى الرغم من الوتيرة السريعة لخلق الوظائف، تبقى البطالة في منطقة اليورو مرتفعة عند (9.1%)، بمعدل أسوأ من متوسط الاتحاد الأوروبي (7.7%) والولايات المتحدة (4.3%). وستحتاج اقتصاديات منطقة اليورو التوسع أسرع لتوليد تراجع أكثر حدة في مستوى البطالة، وتقول سينزيا السيدي، رئيسة السياسة الاقتصادية في مركز دراسات السياسة الأوروبية «تحسنت التوقعات لمنطقة اليورو كثيراً لكنها ما زالت أقرب إلى نسبة 2% منها إلى 3% (النمو الاقتصادي)، بالتالي التأثير على البطالة سيكون أكثر اعتدالاً وسوف يستغرق مزيداً من الوقت».

وهذا يوضح لماذا يركز مراقبو منطقة اليورو انتباههم على الإصلاحات الاقتصادية. إنهم يتطلعون في النهاية إلى ما إذا كان ماكرون بإمكانه أن ينجح في الدفع بإصلاحات العمالة بعيدة المدى للتسهيل على الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم صرف العمال، بالتالي رفع عملية التوظيف.

ويعتقد الوزراء الفرنسيون أن مثل هذه الإصلاحات ستسهل على الشباب وغير المؤهلين دخول سوق العمل. وإذا فازت فرنسا، فإنه من المرجح أن تزداد الضغوط على إيطاليا لاتخاذ تدابير مماثلة.

ويقول نيكسون: من المحتمل أنه في هذا الإطار أن يشكل هذا بداية فترة توسع طويلة المدى، سنوات ذهبية لمنطقة اليورو.

ويريد القادة الأوروبيون أيضاً الدفع بإصلاحات منطقة اليورو. بعد يومين من الانتخابات الألمانية في 24 سبتمبر من المتوقع أن يضع ماكرون مخططات مفصلة عن أفكاره، التي تشمل وزير مالية لمنطقة اليورو. وقال وزير المالية برونو لو مير لـ«فايننشال تايمز» أخيراً: «إما أن تنتقل منطقة اليورو من كونها اتحاداً نقدياً غير كامل الأركان إلى قارة اقتصادية فعلية، أو يمكن أن تختفي من الوجود».

لكن هناك خلافات على التفاصيل حيث تقول السيدي: «هناك حيز من المواءمة في الأفكار العامة، لكن اختلافات حول كيفية تحقيق ذلك»، ويمكن أن تكون الأفكار الفرنسية أكثر طموحاً من قدرة ألمانيا على القبول بها«. الاختلافات على الأرجح أن تبرز حول حجم ميزانية منطقة اليورو أو علام سوف تستخدم.

وأبعد من دعم منطقة اليورو، فإن الاتحاد الأوروبي يضغط أيضا في مجال التجارة: انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أساس»أميركا أولاً«ساعد في تقريب الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي واليابان الذي طالت مناقشته من خط النهاية. وقال جونكر في هذا السياق: المفوضية أرادت البدء بمباحثات تجارية مع استراليا ونيوزيلندا، ربما لخيبة أمل الحالمين بمغادرة الاتحاد الأوروبي، من أجل زيادة الروابط بين كندا وأستراليا ونيوزيلاندا وبريطانيا، الدول المتحدثة باللغة الإنجليزية.

ويقول نيكسون:»يبدو الموقف البريطاني وحيداً للغاية، فقد كانت الحجة التي تسوقها المملكة المتحدة دوماً بأننا لا نريد أن نكون جزءاً مما يبدو كنادٍ فاشل، ولطالما شعرت أن هذه طريقة انجلو ساكسونية ملتهبة في النظر إلى الأمور قللت من شأن الالتزام السياسي لجعله ينطلق".

ــ كاتبة في صحيفة "غارديان" البريطانية

Email