«صانع السوق» محرك قوي لضبط إيقاع التداولات

الاستثمار المؤسسي وكبح المضاربين أبرز المهام

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد خبراء في سوق دبي المالي أن تنشيط الاستثمار المؤسسي، والحد من سيطرة سيولة المضاربين الأفراد يأتيان على رأس المهام التي ينبغي على «صانع السوق» القيام بها في أسواق المال المحلية، باعتباره محركاً قوياً لضبط إيقاع التداولات.

ورحبوا بعودة «صانع السوق» مجدداً إلى أروقة السوق لأنه جزء لا يتجزأ من بيئة العمل في الأوراق المالية، لما له من تأثير كبير على المستثمرين نحو الإقبال على التداولات نظراً للثقة التي تترجم قدرته على تحريك وإيجاد الفرص جراء امتلاكه السيولة الاستثمارية المطلوبة لدوران عجلة السوق، فضلاً عن الخبرة التي تزيد من استقرار السوق وتحد من تقلبات أسعار الأسهم.

وذكروا أن العوامل الخارجية التي عصفت بأسواق المنطقة والعالم منذ أكثر من عام ونصف العام على إثر التراجعات الحادة التي سجلتها أسعار النفط العالمية، إلى جانب معدلات النمو المتراجعة في اقتصادات عالمية كبيرة، وما تلاها من تأثيرات سلبية على مستويات التداولات بالأسهم في أسواق المنطقة والعالم، كانت وراء غياب دور «صانع السوق» في أسواق الدولة، لاسيما في سوق دبي الذي يستحوذ على النصيب الأكبر من حصة التعاملات بالأسهم المحلية، الأمر الذي أدى إلى تراجع ملحوظ في أحجام وقيم التداولات، وزاد بدوره من عنف المضاربات التي زعزعت ثقة المستثمرين بالأسواق المحلية.

وشددوا على أهمية وجود «صانع السوق» في بيئة التداولات بالأسهم المحلية باعتباره واحداً من العوامل التي تعكس مدى التطور المتحقق على معايير وأدوات الخيارات الاستثمارية وتنوعها في أسواق المال بالدولة التي تتهيأ للارتقاء خلال الأعوام القليلة المقبلة من فئة الناشئة إلى صف مثيلاتها المتقدمة في مختلف دول العالم، لافتين إلى أنه لا غنى عن «صانع السوق» في الأسواق المتطورة، الذي يمتلك زمام التوازن المستمر بين قوى العرض والطلب، ويضفي الكثير من الاستقرار على أسعار الأوراق المالية المدرجة، ويجعلها أقرب ما تكون إلى قيمها العادلة، الأمر الذي يقلل من معدل المخاطرة في الأسهم ويزيد بالتالي من كفاءة أداء الأسواق المحلية.

أهداف

وقال المحلل المالي، زياد الدبّاس، إن الأهداف التي تسعى إليها هيئة الأوراق المالية والسلع في الدولة من تطبيقها لنظام «صانع السوق» في أسواق المال المحلية تتمثل في تنشيط الاستثمار المؤسسي، إلى جانب الحد من سيطرة سيولة المضاربين الأفراد التي توجه الحركة الأفقية للمؤشرات السوقية بين الصعود والهبوط، الأمر الذي يزيد المخاطر الاستثمارية في الأوراق المالية، مما أدى بدوره إلى انخفاض كفاءة أسواق المال المحلية.

وأضاف: يعتبر نظام «صانع السوق» واحداً من الأنظمة اللازم توافرها كخيارات استثمارية في أسواق الأسهم، جنباً إلى جنب مع أنظمة أخرى تجعل من أروقة الأسواق بيئة خصبة لـ«صانع السوق» للقيام بأدواره على أكمل وجه، مثل الأنظمة الخاصة بصناديق الاستثمار، إضافةً إلى نظام «إقراض الأوراق المالية واقتراضها»، ونظام «البيع على المكشوف»، ونظام «توفير السيولة»، ونظام «التداول عن بعد عبر الإنترنت».

توازن

وأوضح أن وجود دور فاعل لـ«صانع السوق» يضمن التوازن المستمر في تدفقات عروض البيع وطلبات الشراء، وتضييق الفرق بين سعريهما، الأمر الذي يعمل على تعزيز كفاءة عمل السوق المالي عبر التسييل السريع والسهل، بما يسهم في الحد من تقلبات الأسعار صعوداً وهبوطاً، مما سيؤدي حتماً إلى حالة من الاستقرار بحيث تكون أسعار الأسهم أقرب إلى الثمن العادل، كما يساعد السوق في القيام بواجباته وتحقيق أهدافه.

وتابع: يسمح تفعيل نظام «صانع السوق» بوجود نوع من التخصص في أسواق المال المحلية من خلال تركيزه وإلمامه بكل ما يتعلق بالورقة المالية للشركة المدرجة التي يعمل صانع لها، بحيث يصبح خبيراً بتاريخها المالي، وكفاءة إدارتها، وربحيتها، وسلامة مركزها المالي، بالإضافة إلى التصورات المستقبلية لأدائها وربحيتها.

أسباب

وبيّن الدبّاس أن أسباب تصاعد حدة المضاربات في سوق دبي المالي تعود إلى محدودية حجم الاستثمار المؤسسي مقابل حجم أموال المضاربين بمختلف شرائحهم، لافتاً إلى أن قيمة أموال المضاربين بعد الاتساع الكبير في قاعدتهم وصلت إلى أضعاف حجم الاستثمار المؤسسي، الأمر الذي أدى إلى تحول العديد من مديري المحافظ الاستثمارية للبنوك وشركات التأمين وصناديق الاستثمار إلى خيار المضاربة بهدف تحقيق أعلى مستوى من الأرباح، متجاهلين بذلك المؤشرات المالية للشركات المتداولة، والأسعار العادلة لأسهمها، المبنية على عوامل عديدة ومختلفة.

ونوه بخلاف غياب «صانع السوق» إلى أن تراجع دور الاستثمار المؤسسي في السوق بمكوناته المختلفة من المحافظ والصناديق الاستثمارية المشتركة، وصناديق التقاعد والمعاشات، محافظ البنوك وشركات التأمين، وغيرها، خلال دورات التصحيح الطبيعية أدى إلى تعميق انخفاض أسعار الأسهم، نظراً للضغوط البيعية الممارسة على الأوراق المالية القيادية ذات الثقل الوزني الأكبر على المؤشر العام دون وجود قوى شرائية لاستيعابها والعمل على تحقيق المعادلة بين أوامر العرض والطلب.

مواكبة

وشدد على ضرورة الحضور الفعلي لـ«صانع السوق» في الأسواق المالية المحلية بما يواكب التغيرات التي شهدتها الأخيرة على مدار سنوات عملها من حيث عدد الشركات المدرجة وأحجام وقيم التداولات، والأدوات الاستثمارية المتنوعة، واتساع قاعدة المستثمرين والمتعاملين، بالإضافة إلى التطورات التي طرأت على التشريعات والأنظمة والتعليمات المنصبة على حماية مصالح المستثمرين بالأسهم.

واستدرك بقوله: يعد «صانع السوق» مكوناً رئيساً من مكونات البنية الأساسية اللازمة لتطوير الأدوات الاستثمارية في أسواق الأسهم المحلية، الأمر الذي يسهم في تنويع نطاق المنتجات والخيارات المتاحة التي بدورها تعزز الجاذبية الاستثمارية للأسواق وسط بيئة إيجابية للتداولات تتسم بالشفافية والإفصاح، تعمل على دعمها نحو الارتقاء والوصول إلى فئة الأسواق المتطورة.

صمام أمان

ومن جهته، وصف خبير الأسهم المحلية، عميد كنعان «صانع السوق» بأنه صمام أمان لفاعلية أداء أسواق المال بالدولة، لما يضفيه من الاستقرار عليها وكبح جماح التذبذبات فيها، فضلاً عن كونه مطلباً لزيادة عمق التداولات بالأوراق المالية، لافتاً إلى أن «صانع السوق» يُسرع من وتيرة التحول والارتقاء بالأسواق المالية المحلية من فئة أسواق ناشئة إلى فئة أسواق متقدمة.

وأوضح أن التقلبات الحادة التي شهدتها أسواق الأسهم المحلية خلال الفترات السابقة بغض النظر عن أسبابها، كشفت عن فجوات شاسعة بين قوى العرض والطلب في القطاعات السوقية المختلفة، نتيجةً لعدم وجود فعلي وتأثير حقيقي لنظام «صانع السوق»، الذي يعمل على تضييق الفوارق السعرية، فضلاً عن تنشيطه للأسهم الخاملة التي تمثل نسبة كبيرة من إجمالي الأسهم المدرجة في الأسواق.

اشتراطات

واستعرض الاشتراطات الواجب توافرها في نظام «صانع السوق» في أسواق الأسهم المحلية، في أن يكون أولاً جزءاً لا يتجزأ من عملية التداولات السوقية، بمعنى أن يكون حاضراً ومنتشراً في القطاعات التي يعمل صانعاً للسوق فيها، إلى جانب تواجده على المدى الطويل، الأمر الذي يضمن استقطابه للمستثمرين وتصويب قناعاتهم الاستثمارية بارتباطهم بالاستثمار المتوسط والبعيد عوضاً عن عمليات «الكر والفر» التي تفرضها عليهم سلوكيات المضاربين بالأسهم. وذكر أن على «صانع السوق» التمتع بالملاءة المالية الكافية لضخ السيولة اليومية في أروقة الأسواق، بما يعكس قوته واستعداده لتلبية أوامر الشراء والبيع، الأمر الذي ينم عن قدرته على تأمين كمية الأسهم المطلوبة للتداولات.

وأضاف: العلاقة بين «صانع السوق» والاتجاه العام لحركة التداولات هي علاقة عكسية، حيث إن أبرز مهام هذا النظام تتمثل في خلق وإضفاء أجواء الاستقرار على التعاملات السوقية، وذلك بعدم الانجرار خلف العوامل التي تؤدي إلى الصعود أو الهبوط غير المنطقي.

بنية تحتية

وأفاد علاء السيد، مدير عام شركة المستثمر للوساطة المالية، بضرورة توافر نظام «صانع السوق» في أسواق الأسهم المحلية بما يتناسب مع البنية التحتية المتطورة، والأنظمة العالمية المطبقة، فضلاً عن التطورات التشريعية الأخيرة التي تعكس توجه الجهات الإشرافية والرقابية نحو تهيئة الانضمام إلى فئات الأسواق المتقدمة.

ودعا إلى تولي المصارف الوطنية المحلية زمام المبادرة والانخراط في بيئة التداولات بصفة «صنّاع سوق»، مشيراً إلى أنها تتوافر فيها الاشتراطات كافة، من حيث الملاءة المالية والخبرة الكافية ببيئة الأسهم المحلية، فضلاً عن تمتعها بالأنظمة الإشرافية والتنفيذية ذات المواصفات العالمية، الأمر الذي يبرهن قدرتها على تحقيق الاستقرار في أسواق الأسهم لاسيما في الوقت الراهن التي تشهد فيه التعاملات السوقية ندرة السيولة وضعف الأحجام والقيم المتداولة.

واستدرك قائلاً: إن الحضور الفعلي لـ«صانع السوق» سينعكس بالإيجاب على التداولات بالأوراق المالية محلياً، حيث الارتفاع المدروس والمنطقي للسيولة السوقية، بما سيحد من حالات التذبذب التي تتسم بها التعاملات السوقية في الوقت الحالي.

اهتمام الأجانب

وأوضح السيد أن أسواق المال المحلية تحظى باهتمام المستثمرين الأجانب الذين يطمحون لتعزيز نسب تملكهم للأسهم، لاسيما وأن الأخير يعتبر مطلباً رئيساً بحسب معايير مؤشر «مورغان ستانلي»، لافتاً إلى الترخيص لمؤسسات مالية أجنبية للعمل في الأسواق المحلية كـ «صانع سوق» سوف يعمل على استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية من الخارج.

وأضاف: ستتمكن المؤسسات المالية المحلية من اكتساب المزيد من الخبرة في عمل نظام «صانع سوق»، وذلك بالاطلاع عن كثب على الآليات والمعايير المطبقة في الأسواق الخارجية، بما سيضيف إلى مكتسبات الأسواق المحلية تجارب عالمية جديدة، ستؤدي بدورها إلى مزيدٍ من الوعي والإدراك لدى المستثمر المحلي من الأفراد والمؤسسات بالأدوات والخيارات الاستثمارية المختلفة المعمول بها في أسواق المال حول العالم.

تسهيل

شدد كفاح المحارمة على ضرورة تسهيل الإجراءات اللازمة من قبل هيئة الأوراق المالية والسلع بالتنسيق مع الأسواق المحلية في دخول المؤسسات المالية ذات الملاءة والخبرة التي ترغب بالقيام بدور «صانع السوق»، فضلاً عن المزيد من الدورات التوعوية والتثقيفية للمستثمرين الأفراد حول أهمية وفوائد وآلية عمل النظام، للحيلولة دون وجود أية عوائق من شأنها عدم تحقيق الأهداف المرسومة المتمثلة في زيادة نشاط التعامل بالأوراق المالية، وتوفير السيولة السوقية اللازمة لدعمها على نحو دائم ومستمر.

إضافة

اعتبر المحلل المالي زياد الدبّاس أن وجود دور حقيقي ومؤثر لـ«صانع السوق» في أسواق الأسهم المحلية بمثابة إضافة نوعية على بيئة التداولات التي هي في أحوج أوقاتها إليه، نظراً للتراجع الملحوظ في مستويات السيولة السوقية، فضلاً عن التقلبات الشديدة التي تشهدها المؤشرات العامة، الأمر الذي ولّد حالة مزمنة من الخوف والقلق والترقب في أوساط المستثمرين لاسيما الصغار منهم الذين تكبدوا خسائر جسيمة نتيجة سيطرة المضاربين على أروقة الأسواق المحلية.

استراتيجيات متوسطة وطويلة المدى تتبع الفرص المواتية

أكد الخبير المالي كفاح المحارمة أن وجود دور حقيقي وفاعل لنظام «صانع السوق» في أسواق الأسهم في الدولة، سيعمل على تشجيع دخول وزيادة حصص الاستثمار المؤسسي من التداولات السوقية، نظراً لأن نظام «صانع السوق» هو الضالة التي ينشدها هذا النوع من الاستثمار لكونه يعتمد استراتيجيات متوسطة وطويلة المدى، وينظر إلى الفرص المواتية من زاوية مغايرة للتي ينظر إليها المستثمرون الأفراد، أو أولئك المضاربون الذين ينظرون إلى الاستفادة الفورية من حركات صعود وهبوط الأسعار.

وتابع: وجود نظام «صانع السوق» في أسواق الأسهم يعمل على تحقيق الاستقرار وخلق بيئة مثالية من التداول الأفقي، بما سوف يحجم دور المضاربات المسببة للتذبذبات الحادة على الأسعار.

وحث على إيجاد أكثر من «صانع سوق» في تداولات الأوراق المالية المحلية نظراً لأنه يمنع الاحتكار على أسهم معينة والتحكم في رفع أو خفض أسعارها بما يحقق للمحتكر الربحية التي يستهدفها، حيث إن التعددية ستزيد من التنافسية على التداول الأمثل للأسهم في جميع القطاعات السوقية.

منافسة

وأوضح أن إفساح المجال لأكثر من «صانع سوق» في الأسهم المحلية سيعزز منافسة المؤسسات المالية المحلية والأجنبية في البحث وراء اقتناص الفرص الاستثمارية المغيبة في الوقت الراهن، مشيراً إلى أنها سوف تسهم في رفع مستوى التداولات إلى مستويات قياسية بفضل توافر السيولة السوقية بصورة دائمة.

وأضاف: تعد السيولة في أسواق الأسهم المحلية الهم الأول في أعين المستثمرين الأفراد، خاصةً من فئة صغار المستثمرين، الذين يمثلون تواجداً ملحوظاً في أروقة الأسواق، فبتوافرها المستمر مع نظام «صنّاع السوق» سوف يزيد من ثقتهم في بيئة التداولات، الأمر الذي سيستقطبهم نحو الإقبال على الأوراق المالية دون تردد.

أسهم

وبيّن المحارمة أن الأسهم ضمن فئة «الخاملة» لإيجاد صيغ نحو تحريكها هي بحاجة إلى تطبيق نظام «صانع السوق» الذي سوف يسهم في ضخ السيولة ولفت اهتمام المستثمرين صوبها، منوهاً بتفعيل نظام «الإقراض والاقتراض» للأسهم غير المتداولة التي تندرج تحت فئة الأسهم غير المعروضة للبيع لعدم رغبة مالكيها بالتفريط بها، بحيث يتيح هذا النظام إقراضها لـ«صانع السوق» لأجلٍ مسمى وبموجب عقود رسمية يتم اعتمادها لدى كل من الأسواق المالية وهيئة الأوراق المالية والسلع، وتعود على مالكيها بفوائد جراء إقراضها.

وأضاف: تضيع على المستثمرين في أسواق المال المحلية فرص استثمارية مجدية نتيجة عدم وجود تعاملات على الأسهم «الخاملة»، نتيجةً لشح السيولة السوقية عليها، ولعدم ثقة المستثمرين في جدوى عوائدها وعدم إلمامهم بالفرص الكامنة فيها، لذا فهي تتطلب وجود مؤسسة مالية ذات ملاءة مالية وخبرة كافية تعمل على تحريكها وتنشيطها، عوضاً عن إبقائها دون حراك لفترات طويلة من العام، مشيراً إلى أن ذلك ينطبق على الأسهم «الموسمية» التي يتم الإقبال عليها في فترات محددة من العام جراء إفصاحات معينة أو في أوقات إعلان النتائج وتوزيعات الأرباح وغيرها.

دعم

ورأى أن الدعم المؤسسي للتداولات السوقية من قبل المحافظ والصناديق الاستثمارية المشتركة وغيرها، هو الخطوة التي ستمهد الطريق لنجاح مهمة «صانع السوق»، لما لهذا الدعم من دور كبير في حماية المتداولين عوضاً عن التقويض الذي تمارسه عليهم المضاربات التي تقفز بالأسعار عالياً أو تهوي بها نحو القيعان.

Email