مع تجهيز بنيتها لانتقال مركز الثقل المالي صوب آسيا

الإمارات تُشارك في صنع النظام المالي العالمي

النظام المالي العالمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

 «لم يكن هناك في بداية تأسيس مركز دبي المالي أي تركيز على الصين، ولكن صار لدى الصين في المرحلة الحالية استثمارات في إفريقيا، وهي بحاجة إلى خدمات تمويلية، وبالتالي، تُظهر المؤسسات المالية والمصارف اهتماماً كبيراً بهذه الاستثمارات، وهي تتخذ من دبي قاعدة لها في خدمة هذه الاستثمارات، ومن ثم، نحن نحرص على التكيف مع التطورات والتغيرات الاقتصادية العالمية بما يحقق أهدافنا الكلية على المدى الطويل».

بهذه الكلمات التي جاءت على لسان عيسى كاظم، محافظ مركز دبي المالي العالمي في حديثه الخاص لـ«البيان الاقتصادي» بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس المركز، يتضح جلياً كيفية تغير الخريطة العالمية للاستثمارات ورؤوس الأموال خلال عقد واحد من الزمان، وما سوف تحمله العقود المقبلة من تطورات جذرية في النظام الاقتصادي والمالي العالمي، بانتقال مركز الثقل المالي والاقتصادي إلى منطقة جنوب وشرق آسيا.

ويسرد تقرير حديث صادر عن شركة الاستشارات ماكينزي، قصة الصعود والأفول الاقتصادي للقارة الآسيوية، موضحاً أن المركز الاقتصادي العالمي كان في وسط آسيا وتحديداً إلى الشمال من الهند والغرب من الصين، قبل ألف عـــام، بما يعــكس مستويات الثراء المرتفعة للشرق الأوسط والأقصى آنذاك، حيث شكلت آسيا نحو ثلثي ثروة العالم..

لكن مركز الاقتصاد انتقل عام 1900 إلى شمال أوروبا بفضل الثورة الصناعية هناك. وبحلول عام 1950 انتقل مركز الجاذبية الاقتــصادية إلى شمال الأطلسي نتيجة النــهضة الاقتصادية للولايات المتحدة، لكن اليوم انعكس التوجه وبسرعة قياسية. حيث ما استغرق 1000 عام من تحول في مراكز الثقل والجاذبية لن يحتاج ليعود مجـــــدداً إلى قواعده شرقاً سوى بضعة عقود وأضاف التقرير قائلاً:

إن الصين أصبحت اليوم ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وسرعة النمو الاقتصادي في إفريقيا والأسواق الناشئة تتفوق على معدلات النمو في الولايات المتحدة وأوروبا.

كما أن مخاوف المستثمر من الأسواق الغربية جعلته يلجأ إلى مواقع أكثر أمناً في الأسواق الناشئة، ويؤكد هذا كله زيادة وسرعة التحول في مراكز الجاذبية التجارية والمالية الأمر الذي يجعل دبي ومركز دبي المالي العالمي بين أكبر المرشحين للاستفادة من هذه الفرصة التاريخية.

تغير النظام المالي العالمي

وفي هذا السياق، استشرفت دراسة صادرة حديثاً عن أبرز معالم وملامح النظام المالي العالمي الذي يمر في المرحلة الحالية بمرحلة مخاض قاسية، تفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات متعددة الاتجاهات والأبعاد..

وتتوقع الدراسة في هذا المجال أن تزيد نسبة الاستثمارات العالمية التي توجه إلى الدول النامية بدرجة كبيرة خلال العشرين عاماً المقبلة مع لحاق الاقتصادات الناشئة بركب الدول الغنية وتزايد تكاملها في الأسواق المالية..

وتنبأ البنك الدولي بأن هذه الدول وغيرها من الدول ذات الأعداد السكانية الكبيرة والشعوب صغيرة السن ستصبح أيضاً أكبر المصادر لرأس المال.

في حين ستكون كل من الصين والهند أكبر مستثمرين على مستوى العالم في 2030 والتحول في خريطة المدخرات والاستثمارات له تداعيات كبيرة على كل شيء من العملات التي ستهيمن على السوق العالمية إلى صعود مراكز مالية جديدة وأنماط التدفقات الرأسمالية وأولويات الاستثمار.

هذا وكانت مؤسسة ستاندرد أند بورز توقعت في وقت سابق أن تتجاوز احتياجات الاقتراض للشركات الصينية غير المالية احتياجات نظيراتها الأميركية في العامين المقبلين.

وبحلول 2030 سيوجه 60 سنتاً من كل دولار يستثمر في العالم للدول النامية وهو تغير كبير عن 20 سنتاً لكل دولار في عام 2000. وستشكل الصين 30% من نشاط الاستثمار الإجمالي والولايات المتحدة 11%، فيما ستشكل الهند 7% وتفترض هذه التوقعات أن ينمو الاقتصاد العالمي بما بين2.6% و 3% سنوياً في المتوسط على مدى العقدين المقبلين في حين تنمو الاقتصادات الناشئة بما بين 4.8% و5.6% سنويا.

بوابة المال والأعمال

وقد أخذت الإمارات ودبي بزمام المبادرة إقليمياً في بناء بنية تحتية متفوقة، تُمكنها من القيام بدور بوابة المال والأعمال التي تربط بين أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وأسواق أوروبا وآسيا والقارتين الأميركيتين، وهو ما حقق لها اليوم تنافسية إقليمية وتفوقا على مدن ودول قررت أن تحذو حذو نموذج دبي.

فمنذ سنوات عديدة مضت، تنبأت القيادة الرشيدة والحكيمة لإمارة دبي بأن منطقة سوف تحتاج إلى مركز تجاري ومالي في وسط النطاق الزمني بين أوروبا والشرق الأقصى، وأن الفرصة سانحة للاستفادة من موقع دبي المتميز لتحويلها إلى مركز أعمال عالمي مبهر في غضون أعوام قليلة.

واستشرف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، هذه التغييرات الضخمة في النظام المالي العالمي..

حيث توقع سموه، خلال كلمة ألقاها في إعلان تأسيس مركز دبي المالي العالمي الذي انطلق في العام 2004، بأن «يُشكّل مركز دبي المالي العالمي جسرًا للخدمات المالية بين منطقتنا والأسواق الدولية، مكملًا 24 ساعة يوميًّا وطوال أيام الأسبوع من التداول العالمي.... ليكون لهذه المنطقة حضور ومكان على خريطة شبكة الأسواق والأعمال الدولية... ».

وتنفيذاً لهذه التوجيهات، عملت حكومة دبي على مختلف الجبهات لخلق بنية تحتية بمعايير عالمية وللوصول إلى خلق مركز سفر مترابط ومتميز، ونجحت كذلك في تطوير قطاع خدمات لوجستية قوي وقطاع نقل حيوي ومرافق ضيافة وسياحة وترفيه على أعلى مستوى، وأسهم في دعم تحقيق كل هذه الإنجازات، قطاع مصرفي ونظام مالي قوي وخاضع لتشريعات وقوانين جيدة..

كما لم تدخر جهداً في سبيل اثبات نفسها كمحور للتجارة العالمية، حيث نجحت في تطوير موانئ عالمية المستوى، أولاً ميناء راشد وبعده ميناء جبل علي أكبر ميناء من صنع الإنسان على مستوى العالم.

وأسهمت هذه الجهود في أن تصبح دبي أكبر مراكز الشحن البحري في المنطقة وأكثرها فعالية، وعلاوة على ذلك بنت دبي بنية تحتية عالمية المستوى توفر لسكانها بيئة آمنة ومناخ عمل وعيش مميزاً بما يسهم في استقطاب المهارات المتخصصة ورواد الأعمال من مختلف بقاع العالم إلى دبي التي تضم أكثر من 180 جنسية.

ويبرز مركز دبي المالي بوصفه احدى الدعائم البارزة، التي على أساسها تنهض الإمارات ودبي بدور بوابة المال والأعمال التي تربط بين أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وأسواق أوروبا وآسيا والقارتين الأميركيتين..

وتأتي جهوده في هذا المجال، ضمن مساعيه للتكيف والتأقلم مع التحولات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد العالمي نتيجة الانتقال الراهن لمركز الثقل والجاذبية الاقتصاديين من الغرب إلى الشرق، وما يواكب ذلك من تأثيرات وانعكاسات مباشرة على محركات ومصادر نمو مركز دبي المالي العالمي خلال المستقبل المنظور..

بحيث بات المركز يراهن أكثر من أي وقت مضى على المحور الاستراتيجي الآسيوي كأحد المصادر الرئيسية لتحقيق النمو المستدام، ضمن رؤية تؤكد على حيازة المركز، مقومات تجعله أكثر من غيره المركز المفضل إقليمياً للشركات والمؤسسات الآسيوية في تنفيذ خطط وبرامج توسعاتها الاستثمارية في العديد من المناطق المحيطة كالقارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

صنع المعايير العالمية

ولم تقتصر جهود مركز دبي المالي على مواكبة التحولات الجذرية في الخريطة العالمية لمراكز الثقل الاقتصادي والمالي، بل اتسعت هذه الجهود لتشمل المشاركة في صنع معايير تدفقات وانتقالات رؤوس الأموال بين مراكز المال العالمية.

تشارك سلطة دبي للخدمات المالية في صياغة مستقبل مراكز المال العالمية من خلال تعزيز حضورها وتواجدها في النقاشات الدائرة بشأن أجندة أعمال وضع المعايير التنظيمية لقطاعات الصناعة المالية..

وتنطلق هذه المشاركة من سعيها الدؤوب لأن تأخذ المعايير المترتبة على هذه النقاشات بعين الاعتبار احتياجات المنطقة الحرة المالية لمركز دبي المالي العالمي، وتوجهها نحو تعزيز التناغم والتجانس بين المعايير التنظيمية المُطبقة في مركز دبي المالي مع المعايير العالمية.

وفي السياق ذاته، تسعى هيئة الأوراق المالية والسلع ومنذ تأسيسها إلى تعزيز التعاون المشترك مع نظيراتها من الهيئات. وفي هذا الإطار تم توقيع عدد من مذكرات التفاهم الثنائية مع عدد من تلك الهيئات، وتهدف هذه المذكرات لتعزيز التعاون المشترك وتبادل المعلومات بين الهيئات.

كما تسهل هذه المذكرات عمليات تبادل الخبرات وتوفير التدريب والمساعدة الفنية بهدف تطوير أسواق المال في الدول التي تشرف عليها هذه الهيئات.

وهكذا، أثبتت الإمارات ودبي مرونة وقدرة على التقدم ومواجهة التحديات وتخطي العقبات العالمية، بفضل قدرة قادتها على استشراف معالم المستقبل، وتحضير البنية التحتية الملائمة والمناسبة لتكون في مواقع الصدارة في صناعة المال، بما يرسخ مكانتنا كمركز مالي عالمي مُستدام على الخارطة الدولية للمال والأعمال، في صورتها الحالية والمُستقبلية تماشيًا مع خطط ورؤية قادة البلاد رعاهم الله.

مركز دبي المالي حلقة وصل بين دول الجنوب

قال عيسى كاظم محافظ مركز دبي المالي العالمي إن نمو وتوسع المركز يكون من خلال أدائه دور حلقة الربط بين اقتصاديات دول الجنوب، والتفاعل مع تدفقات الاموال والمؤسسات والتجارة فيما بين دول الجنوب مع بعضها البعض. وأوضح عيسى كاظم أن مركز دبي المالي يقدم خدماته المالية لكافة الأسواق حول العالم دون استهداف أسواق أو أقاليم بعينها..

ولكن تبني مثل هذه النظرة العالمية لا يعني تجاهل المنطقة العربية، وهو ما تجلى في تواجد مقرات العديد من الشركات العربية في مركز دبي المالي العالمي، بما في ذلك المؤسسات المالية الخليجية وشركات الأعمال الخليجية.

وقد وفر التعاون فيما بين بلدان الجنوب، باعتباره عنصرا مهما من عناصر التعاون الدولي من أجل التنمية، فرصا حقيقية للبلدان النامية والبلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية في سعيها الفردي والجماعي من أجل تحقيق النمو الاقتصادي المطرد والتنمية المستدامة.

وتتحمل البلدان النامية المسؤولية الأساسية عن تشجيع التعاون فيما بين بلدان الجنوب وتحقيقه، ليس كبديل للتعاون بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب، بل كعنصر مكمل له، وتكرر في هذا الصدد تأكيد ضرورة دعم المجتمع الدولي للجهود التي تبذلها البلدان النامية لتوسيع نطاق التعاون فيما بين بلدان الجنوب.

ازدادت أهمية التعاون فيما بين دول الجنوب في العقد الماضي، وأصبح موضوعاً للنقاش في عدد من مؤتمرات الأمم المتحدة الرئيسية وغيرها من المؤتمرات، مثل مؤتمرات مجموعة ال77 ومجموعة العشرين، وتعود هذه الزيادة إلى حد كبير إلى القوة الاقتصادية المتزايدة للجنوب.

ويفيد تقرير صادر مؤخراً عن منظمة الأمم المتحدة أن التجارة العالمية زادت خلال الفترة من عام 1990 إلى 2008، بحوالي أربعة أضعاف..

ولكن التجارة فيما بين دول الجنوب تضاعفت أكثر من 10 مرات، وبحلول العام 2010، بلغت حصة بلدان الجنوب في التجارة العالمية حوالي 37 %. وتعود هذه النتائج جزئياً إلى أن بلدان الجنوب قررت أن تتولى زمام حالة التنمية لديها، وتعكف على تحديد المشاكل وإيجاد أو تكييف حلول لها في إطار دول الجنوب.

مركز إقليمي لليوان الصيني

يعمل مركز دبي المالي على توطيد مكانة الدولة كمركز إقليمي للعملة الصينية، حيث قطعت الإمارات شوطاً كبيراً على مسار توطيد مكانتها كمركز إقليمي رئيسي لتداول العملة الصينية بتوقيع مصرف الإمارات المركزي..

وبنك الشعب الصيني (البنك المركزي الصيني) على اتفاقية مقايضة عملات بأكثر من 5.5 مليارات دولار في إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ويقضي الاتفاق بإمكانية سحب البنوك المركزية قيمة الصفقات التجارية بالمقايضة بين الرمبي والدرهم.

ورغم أن هذا الاتفاق ليس الأول من نوعه الذي توقعه الصين مع الدول الأخرى، إلا انه يمهد الطريق نحو إرساء البنية التحتية المواتية لتحول الإمارات بشكل عام ودبي بشكل خاص، خصوصاً كمركز إقليمي للعملة الصينية، وذلك أسوة بمراكز مال عالمية أخرى تسعى إلى تحقيق الهدف ذاته، حيث تتطلع هذه المراكز إلى استباق التحولات التاريخية التي تتجه نحو بروز العملة الصينية كثالث أكبر عملة في العالم.

الإمارات تنهض بدور بوابة الصين إلى أفريقيا والشرق الأوسط

تنهض الإمارات عموماً ودبي خصوصاً بدور بوابة الصين لمناطق إفريقيا والشرق الأوسط، الأمر الذي أسهم في تعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية بين البلدين، وتفيد البيانات الرسمية في هذا المجال أن حجم التبادل التجاري بين الصين والإمارات وصل خلال العام 2013 إلى 46,2 مليار دولار أميركي بزيادة 14% عن العام السابق.

وأنه يتم إعادة تصدير نحو 60% من العمليات التجارية بين البلدين إلى أفريقيا وأوروبا. كما أن حوالي 60% من إجمالي تجارة الصين تمر عبر الإمارات بغرض إعادة التصدير وهي آخذة بالازدياد، كما أشارت البيانات إلى أن عدد الشركات الصينية العاملة في المنطقة الحرة لجبل علي، قد بلغ 240 شركة وحلّت الصين في المرتبة الثانية على قائمة أكبر الشركاء التجاريين لدبي خلال العام 2013..

وهي في طريقها لتتبوأ المرتبة الأولى لعام 2014، بعد أن تخطت الهند بتجارة بلغت قيمتها 21,9 مليار دولار في النصف الأول من العام وتجاوز عدد الشركات الصينية العاملة في دولة الإمارات أكثر من 4,200 شركة.

Email