المرحلة الأولى من "متحف دبي الفني"

متحف مفتوح في دبي يروي قصص التراث.. بأنامل شبابية

ت + ت - الحجم الطبيعي

على جدران البنايات، وبين الأزقة، ثمة نقشُ إبداعهم، نبضُ تراثهم، وألوانُ حياتهم؛ شباب جمعهم حب الوطن والفن؛ فعانقت أحلامهم طموحات الوطن. بالريشة والقلم رسموا محطات الإمارات المضيئة؛ ماضيها الذي يؤسس حاضرها، ويرسم مستقبلها وازدهارها.

كان شغفهم دافعاً لمواصلة الليل والنهار لإنجاز وجه حضاري للإمارة السعيدة؛ دبي رديفة الضوء والإنجاز.

على الجدران الصماء، دار حوار يتردد صداه بين المارة الذين يتملكهم حب الفضول لرؤية كيف يرسم الإبهار معالم أكثر إبهاراً.

تشكيلات جدارية تبوح بإبداعات شباب أرادوا أن يعبروا عنها ويخرجونها بطريقتهم الخاصة. تمثل؛ بالأبيض كانت أو الأسود، أو حتى بالألوان، في حقيقتها عبارات وصيغاً وأشعاراً؛ مفتوحة على تأويلات كثيرة، تختبئ بداخلها قصص مبدعيها وأسرار ثقافتهم وتراثهم وحضارتهم.

في "شارع الثاني من ديسمبر" عالم جميل، ولوحات على بعض مبانيه أجمل، وجمهور من مختلف الجنسيات، يتملكه الفضول، فيسأل فتجيب الجدران بلغة شاعرية يتذوقها الإحساس، وإن كانت صماء.

فن للجميع

يحرص "براند دبي"، الذراع الإبداعية للمكتب الإعلامي لحكومة دبي، على وجود الفنانين الإماراتيين في كل المشاريع التي يطلقها، تقول شيماء السويدي، مدير مشروع "متحف دبي الفني"، وتؤكد أن الفنانين الإماراتيين استفادوا كثيراً من مشاركة نظرائهم العالميين في هذا المشروع الكبير الذي بدأ بشارع "الثاني من ديسمبر".

ولا تعتبر السويدي فن الجداريات مقتصراً على النخبة؛ فهو فن يفهمه كل الناس باختلاف ثقافتهم وجنسياتهم بدليل وجوده في الشارع وسط الجمهور.

أما عن أصعب التحديات التي واجهت الفنانين أثناء العمل؛ فهي الرافعات وكيفية العمل من خلالها، ولكن فور أن تم الاعتياد عليها والرسم من خلالها لم تعد مشكلة.

خطط استراتيجية

"الجداريات وسيلة إنسانية للتواصل مع كافة الموجودين على أرض الإمارات، وتحرص "براند دبي" أن تعكس صورة الماضي والحاضر والمستقبل بطريقة إبداعية وجمالية"، تقول السويدي، وتضيف: "وضعنا خططاً استراتيجية لتحويل إمارة دبي إلى متحف فني خلال 5 سنوات، بدأت أولى مراحله في شارع "الثاني من ديسمبر" وتضم 16 جدارية رسمها أشهر الفنانين العالميين والإماراتيين.

أما عن سبب اختيار شارع "الثاني من ديسمبر" في أولى مراحل المشروع؛ فتقول: "إنه شارع حيوي، حيث يربط بين أهم شارعين في دبي؛ الجميرا والشيخ زايد، إضافة إلى وجود متحف الاتحاد".

الطوابع.. التراث الحاضر

"خلال مشاركتي بمشروع "شارع الثاني من ديسمبر"، أولى مراحل متحف دبي الفني، قمت برسم جدارية عبارة عن مجموعة من الطوابع البريدية القديمة، التي كانت تصدرها دبي، وربطت من خلالها تراث الإمارة بحاضرها"، تقول ميسون آل صالح، إحدى المشاركات في المشروع، وتضيف: "كنت أبدأ من العاشرة صباحاً، حتى الثامنة مساءً، وفي بعض الأوقات اضطر إلى البقاء حتى الحادية عشرة مساء".

أي عمل لا يخلو من التحديات والمصاعب التي تفرز أحياناً جوهر الموهبة وكينونتها، تقول آل صالح: "الشكل المعماري للمبنى الذي يغلب عليه العديد من المنحنيات والتعرجات شكل إحدى أهم الصعوبات التي واجهتني، ولكني طوعتها برسم طوابع ذات معالم واضحة لا تتأثر بتصميم البناية الخارجي.

للجداريات ألوان خاصة، لا تتأثر بالعوامل المناخية، وخصوصاً الرطوبة التي تظهر في بعض شهور السنة، تقول آل صالح: "العمر الافتراضي للجدارية يتجاوز السنين؛ فالألوان المستخدمة تبقى لفترة طويلة ولا تتغير بتغير مناخ على مدار فصول العام.

فلكلور تراثي

على مرمى بصر من متحف الاتحاد، ثمة لوحة تختبئ بين بنايتين صغيرتين في منعطف يشكل استراحة تأمل، اختارها الفنان الإماراتي حمدان بطي الشامسي مسرحاً للوحته الإبداعية، يقول: اخترت فن العيالة الأصيل، الذي نمارسه خلال الاحتفالات والأعياد والمناسبات الوطنية، وفي الأعراس، موضوعاً لجداريتي، واستطعت من خلالها المزج بين موهبتي والتقنيات الحديثة المستخدمة في الرسومات.

لا يخفي الشامسي سعادته بتفاعل الناس مع لوحته أثناء رسمها على الجدران، يقول: "يتملكني شعور بالفخر بما أقدم عندما يقف أحد المارة ليتأمل ما أصنع، وأحياناً أقدم إجابات شافية لأحدهم عندما يسألني منذ متى وأنت ترسم؟ أو ما هي مشاركاتك الفنية السابقة؟ أو لماذا اخترت التراث عنواناً للوحتي".

الشامسي الذي يؤكد أن دبي وضعته على أولى مراحل الانطلاق نحو العالمية، يطمح إلى إيصال رسالته التراثية وتعريفها إلى مختلف الجنسيات التي تسكن على الإمارات؛ أرض التسامح والتعايش.

مقطوعات على الجدران

"المبدع يحتاج إلى بيئة يتنفس من خلالها ليحقق ذاته" تقول الفنانة الإماراتي، أشواق عبدالله، التي اختارت جدارية تجمع الشيخ زايد بن سلطان، والشيخ راشد بن سعيد، طيّب الله ثراهما، وتضيف: "هذا الفن حضارة سلوكية، والفنانون الذين يمارسون إبداعاتهم على جدران المباني جزء من هذه الحضارة، ويسهمون في تحسين المزاج العام للمجتمع".

أجمل ما يراه الفنان أثناء عزفه مقطوعاته على جدران البنايات، التشجيع، وخصوصاً من المارة الذين يغلب عليهم روح الفضول لمعرفة ما يقوم به، تقول أشواق عبدالله: كنت ألمس من نظرات سكان البناية التي كنت أرسم عليها، الإعجاب والإشادة، حتى إن بعضهم كان يقدم بعض المشروبات الساخنة من حين لآخر، تحفيزاً لي على مواصلة العمل الذي كان يتطلب أحياناً السهر حتى ساعات متأخرة من الليل".

Email
طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
Happiness Meter Icon