توفيق صالح

كنت محظوظاً وأنا في مقتبل العمر، أن يتم تدريبي تحت قيادات متميزة في فن الدراما، أذكر منهم الآن المخرج المصري الكبير توفيق صالح، يومها كان الفنان الكبير يوسف العاني مسؤولاً في وزارة الإعلام العراقية في بداية الستينات من القرن الـ20، وصادف أن جاء توفيق صالح ليخرج فيلمه الشهير صراع تحت الشمس، المأخوذ من رواية غسان كنفاني، وكان موقع التصوير في البصرة، لذا بادر يوسف العاني بالتماس توفيق صالح أن يتدرب أحد العراقيين معه في هذا الفيلم، ورحب المخرج بالفكرة ورشحني العاني للتدريب معه. ولم أكن قد أكملت عقدي الثاني.

زرته في الفندق مساءً، حين علمت بوصوله وفريق العمل. وفي صبيحة اليوم التالي، وفي ساعة مبكرة كان العمل قد بدأ. كان التصوير في أسواق البصرة المزدحمة وبشكل طبيعي، من دون تحريف أو تجديد لما كانت عليه السوق، وعشت مع توفيق صالح المخرج المعلم طيلة الفترة التي صور فيها الفيلم في البصرة. كان حريصاً ودقيقاً وشديداً أثناء العمل، ورحوماً وعطوفاً وهادئاً بعد التصوير، وكان يعطي أوامره ليلاً لتوفير ما يريده للمشاهد اللاحقة، ولا يتهاون مع من لم ينفذ طلبه.

لم أكن قد خضت تجربة مماثلة مع مخرج محترف لطراوة تجربتي، ولأن كل زملائي من الهواة الذين يحلمون بإنتاج فيلم سينمائي، وكنا قد جربنا مع الفنان الراحل فؤاد سالم، إلا أن التجربة أجهضت كما أجهض المحاولات الأخرى، لذا كانت تجربتي مع توفيق صالح، على بساطتها وقصر مدتها، مؤثرة جداً بحياتي، والمخرج الراحل منحني صداقته بعد ذلك.. ولم تنته. كما علمني أبجدية السينما وأبعاد الدراما أمام الكاميرا.