الطب الشرعي كشف غموضها والمسرح نطق بالتفاصيل

جريمة ظاهرها انتحار وباطنها مقتل مشرف عمال

■ فوزي بن عمران

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشرف عمال في شركة خاصة، وُجدت جثته مُعلقة بحبل على باب المكتب الذي يستخدمه أيضاً كمقر سكن خاص به. المشهد الظاهر للعيان، انتحار بكل المقاييس..

لكن هذا المشهد لا يمكن أن يخدع الطب الشرعي في شرطة دبي. قصة مشرف العمال، رواها لنا البروفيسور الدكتور فوزي عبد السلام بن عمران مدير إدارة الطب الشرعي في شرطة دبي، لتظهر الأهمية الكبرى التي يؤديها علم الطب الشرعي في كشف الأسرار، وإزالة الغموض وإعادة رسم الحقائق من واقع مسرح الجريمة..

والذي يصب في نهاية المطاف في خدمة العمل القضائي الساعي لتحقيق العدالة ومعاقبة الجناة.

بداية القصة

تلقت غرفة القيادة والسيطرة في شرطة دبي، بلاغاً عن وجود حالة انتحار في شركة خاصة، قدمته إحدى الموظفات العاملات فيها، والتي فوجئت بعد دخولها المكتب في صباح يوم العمل، بوجود جثمان مشرف العمال معلقاً من عنقه على الباب.

انتقل أفراد شرطة دبي إلى مسرح الجريمة، ثم توجه الدكتور فوزي بن عمران إلى مكان الواقعة لمعاينة الموقع، وتبيان حقيقة الأمر، وما إذا كانت وفاة المعني انتحارية أم لا.

زر القميص

وفقاً للدكتور ابن عمران، فإن منفذو الجريمة بعد أن قتلوا المعني خنقاً، أرادوا أن يبدو الأمر وكأنه انتحار، حتى لا يقعوا تحت طائلة المسؤولية والعقوبة القانونية، لكن المسرح نطق بأشياء أخرى، وكشف ما سعوا لإخفائه، فعند تفحّص الجثة، لاحظ الدكتور أن أحد أزرار قميص الضحية مقطوع، نتيجة تماسك وتجاذب بالأيدي في معرض الاعتداء عليه باستخدام القوة، وهذه دلالة على حدوث عنف ضد الضحية ودفاعه عن نفسه.

شاهد آخر، لاحظه الدكتور ابن عمران، فخط الهاتف كان منزوعاً، ما يوحي أن هناك تقصداً ومخططاً لقطع اتصالات الضحية عن العالم، إضافة إلى أن هناك آثاراً على السجاد، تبين وجود تحرك لطاولة كبيرة في منتصف الغرفة يستدعي الشك.

دماء الوجه

الدلائل السابقة، أشارت إلى جزء بسيط يؤكد حقيقة وجود جريمة، غير أن الدليل القاطع نطق به الجسد نفسه، فقد لاحظ الدكتور ابن عمران، أن هناك دماءً على فم الضحية، وهذه الدماء سالت وتجلطت في خطوط باتجاه أعلى الوجه، فلو كان الضحية منتحراً فعلاً بتعليق جسده على الباب، يفترض أن تسيل الدماء نحو أسفل الوجه، وهذا المنطق الذي يرسخه قانون الجاذبية الأرضية.

دلالة الحبل

دلالة أخرى كشفها الدكتور ابن عمران، فالحبل على عنق الضحية، أظهر علامتين منفصلتين على مكان لفه، فلو كان هناك انتحار، لظهرت علامة واحدة فقط، فكيف لميت أن يحرك جسده ويشد الحبل بقوة على عنقه مرتين!

كما لاحظ الدكتور أيضاً، أن هناك كدمة على أعلى ساق الضحية، تتناسب مع ارتفاع الطاولة التي تحركت عندما ارتطم بها أثناء الصراع الذي حدث خلال الهجوم على الضحية لخنقه، لذلك، قرر أن الضحية قُتل عن طريق الخنق بواسطة حبل، ثم استخدم الحبل نفسه في تعليقه من عنقه، ليبدو الأمر وكأنه انتحار.

وباشرت شرطة دبي التحقيق في القضية، بعد تأكيد الطبيب الشرعي أن ما حصل ليس انتحاراً، وعملت على استجواب العاملين في الشركة، واستطاعت إلقاء القبض على 4 عمال كان الضحية هو المشرف المباشر على عملهم.

وتبين أثناء التحقيقات، أن العمال الأربعة هم من نفذوا الجريمة، ودبروا الطريقة لتبدو كانتحار، من أجل التخلص من مشرف العمال، والسبب أنه لم ترُق لهم مراقبته الصارمة، ورفع تقارير حول تقاعسهم عن العمل إلى صاحب الشركة، وأقروا بتفاصيل ارتكابهم لها وكيفية تنفيذها.

Email