عبدالوهاب عبدول رئيس المحكمة الاتحادية العليا لـ«البيان»:

توطين القضاء الاتحادي يتطلب تعديلات قانونية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

طالب الدكتور عبدالوهاب عبدول رئيس المحكمة الاتحادية العليا، بتعديل بعض مواد قانون السلطة القضائية، لإتاحة المجال أمام القضاة المواطنين للعمل في المحكمة الاتحادية العليا، لافتاً إلى ضرورة أن يفتح التعديل الجديد، المجال أمام الكفاءات الإماراتية حتى ولو كانوا أقل أقدمية ممن يسبقونهم في التعيين، الأمر الذي سيساهم في زيادة نسبة التوطين في المحكمة الاتحادية.

ودعا عبدول في حوار مع «البيان» إلى دراسة تأسيس قضاء مجتمعي يقوم على فكرة خلق أو إيجاد إطار تحاكمي جديد يجمع بين هيبة قضاء الدولة ومزايا القضاء الاتفاقي، يتولى النظر في جانب محدد ومعين من القضايا والمنازعات، مشيراً إلى أن هذا النوع من القضاء يولي اهتماماً خاصاً بإرادة الخصوم ودورهم في صنع وخلق الحكم القضائي الذي يفصل في نزاعهم مما يسهل في عملية تنفيذ الحكم.

وأوضح أن السبيل لحل مشكلة تعارض وتناقض الأحكام الصادرة عن المحاكم العليا الإماراتية الأربعة، هو إصدار قانون اتحادي بإنشاء محكمة نقض إماراتية تتولى النظر بكافة طعون النقض المرفوعة عن الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف في الدولة سواء كانت محاكم اتحادية أم محلية.

تالياً نص الحوار:

ما السبيل لحل مشكلة تعارض وتناقض الأحكام الصادرة عن المحاكم العليا الإماراتية؟

- الحل لمشكلة تعارض وتناقض الأحكام الصادرة عن المحاكم العليا الإماراتية (المحكمة الاتحادية العليا ـ محكمة نقض أبوظبي ـ محكمة تميز دبي ـ محكمة تمييز رأس الخيمة) هو إنشاء محكمة نقض إماراتية تتولى نظر كافة طعون النقض المرفوعة عن الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف في الدولة سواء كانت محاكم اتحادية أم محلية.

وهذا الحل نجد له سنداً في دستور الدولة، كما يمكن إصدار تشريعات اتحادية ومحلية لتنظيم عمل محكمة النقض الإماراتية، ولقد جرت بعض المحاولات لإيجاد نوع من التنسيق بين المحاكم العليا الإماراتية لمنع تعارض وتناقض أحكامها، إلا أن تلك المحاولات لم تؤت أكلها، لأن أساس مشكلة التعارض تشريعي وليس تنظيمي حتى يمكن حلها بالتنسيق. والمعضلة الكبرى، أن رقعة التعارض والتناقض تتسع، مع ما يترتب على هذا التعارض من اختلاف المراكز القانونية للمخاطبين بالقانون الواحد داخل الدولة الواحدة.

- أصدرت الدائرة الدستورية في المحكمة العليا حكما قضى بدستورية المادة 272 من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي، ما هي حيثيات هذا الحكم، وما هي الدائرة الدستورية وتشكيلها واختصاصاتها وطبيعة الحكم الدستوري الصادر عنها؟

- تنظم المادة 272 من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي مسألة الوصية الواجبة، وهي مسألة اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية بين مجيز لها ومعترض عليها، وقد أخذ بها قانون الأحوال الشخصية الإماراتي بشروط محددة وقطع بذلك الخلاف الفقهي حولها، وفي الحكم المشار إليه، دفع أحد الخصوم في قضية أحوال شخصية منظورة أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية المادة 272 لتعارضها مع المادة 7 من دستور دولة الاتحاد التي تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع.

فقبلت المحكمة الدفع وصرحت له برفع طعن بعدم الدستورية أمام المحكمة العليا التي قضت بدستورية المادة المذكورة، وأقامت قضاءها على حيثيات لا يسع المقام لإيرادها. وتتشكل الدائرة الدستورية في المحكمة الاتحادية العليا من قضاتها الأصليين الخمسة بمن فيهم رئيس المحكمة الذي يترأس الدائرة.

وتعتبر الدائرة بمثابة «محكمة دستورية» وتختص الدائرة بنظر طعون عدم دستورية القوانين والتشريعات الاتحادية والمحلية، وطلبات تفسير الدستور والمعاهدات الدولية وسائر المسائل المتعلقة بالدستور وأحكام المحكمة الاتحادية العليا- بما فيها الدائرة الدستورية- نهائية وملزمة للكافة عملاً بالمادة 101 من الدستور.

وإذا ما قررت المحكمة عدم دستورية قانون أو تشريع تعين على السلطة المعنية في الاتحاد أو في الإمارات بحسب الأحوال، المبادرة إلى اتخاذ ما يلزم من تدابير لإزالة المخالفة الدستورية أو لتصحيحها.

25 %

من الملاحظ أن عدد القضاة المواطنين في المحاكم العليا الإماراتية قليل، إذ لا تزيد نسبتهم عن 25% كما في المحكمة الاتحادية العليا...فهل هناك من خطة لرفع هذه النسبة مستقبلًا؟

- من المعلوم أن المحاكم العليا هي محاكم قانون، مهمتها الأولى مراقبة صحة تطبيق القانون وتوحيد فهمه وتفسيره وتأويله مما يعني أن طبيعة الخصومة أمامها تختلف عن الخصومة أمام محكمة الموضوع.

وأن الوظيفة الخاصة للمحاكم العليا تفرض على من يصل إليها أن يكون قد بلغ سناً معينة واكتسب خبرة عملية لا تقل عن عشرين سنة (كما في قانون المحكمة الاتحادية العليا) حتى يستطيع أن يميز بين ما هو من الواقع الذي لا يجوز إثارته والتمسك به أمام المحاكم العليا، وبين ما هو من القانون الذي تختص به هذه المحاكم.

ثم إن الطبيعة القانونية الصرفة لعمل قضاة المحاكم العليا تفرض عليهم أن يكونوا على علم تام بقواعد وأصول ومناهج التفسير والتأويل، وبأصول وقواعد اللغة العربية، إضافة إلى المعارف العامة وثمة اختلاف واضح بين أسلوب ومنهج العمل القضائي في المحاكم العليا، ومحاكم الموضوع، فالمحاكم العليا أو محاكم القانون تحاكم حكماً قضائياً صادراً عن محكمة الموضوع، لتمييزه فتبقيه إن كان صحيحاً مطابقاً وموافقاً للقانون.

وتنقضه إن جاء قاصراً في أسبابه أو باطلاً في إجراءات إصداره أو غير ذلك من العيوب، بينما أحكام محاكم الموضوع تفصل في نزاع بين خصمين يدعي كل منهما أن الحق له وبجانبه، وبالتأكيد فإن هناك عدداً من القضاة المواطنين ممن تتوفر فيهم شروط توليه القضاء في المحاكم العليا.

وبالنسبة للمحكمة الاتحادية العليا، فقد تم ترشيح عدد من المواطنين لتعيينهم قضاة في هذه المحكمة، وهناك إجماع بين رؤساء المحاكم العليا والتمييز في دول مجلس التعاون على ضرورة اجتياز القاضي المرشح للمحاكم العليا دورة إعداد معمقة على أيدي قضاة المحاكم العليا أو كبار أساتذة القانون.

وأرى أن التعيين في المحكمة الاتحادية العليا يجب أن يكون بمعيار الكفاءة وأن يتم تعديل بعض مواد قانون السلطة القضائية حتى ينفتح المجال أمام الأكفاء حتى ولو كانوا أقل أقدمية ممن يسبقونهم في التعيين.

نسب مرضية

ما مدى رضااكم عن أداء المحكمة من واقع نسب الفصل في الطعون المعروضة عليها مقارنة مع النسب التي تعلنها بعض المحاكم العليا الإماراتية؟

-ليس من المناسب قياس أداء المحاكم العليا بنسب الفصل في الطعون المعروضة عليها، وذلك لسببين اثنين: أولهما أن نسب الفصل تتحكم فيها عوامل كثيرة، منها عدد الطعون المقيدة في سجلات المحكمة، وعدد قضاة المحكمة، وعدد دوائر المحكمة، وعدد قضاة الدائرة الواحدة.

فعلى سبيل المثال فإن نسب الفصل في دوائر النقض المؤلفة من خمسة قضاة تزيد على تلك المؤلفة من ثلاثة قضاة، ونسبة الفصل في المحاكم التي يوجد بها عشر دوائر نقض تزيد على تلك التي بها خمس دوائر أو أقل... وهكذا.

وثاني السببين أن وظيفة المحاكم العليا مراقبة صحة تطبيق القانون وفهمه وتفسيره وتأويله، وأداء هذه الوظيفة لا يقاس بعدد الطعون المفصولة بالمقارنة مع المقيدة والمعروضة، وإنما القياس يكون بدقة وسداد المبادئ التي ترسيها المحكمة العليا.

10 إصدارات

الدكتور عبدالوهاب عبدول من المواطنين القلائل الذين يجمعون بين العمل القضائي والكتابة القضائية إذ بلغت إصداراته منذ عام 2000 وحتى الآن عشرة إصدارات في مجال القضاء والقانون، من بينها كتاب «نحو تأسيس قضاء مجتمعي» وعند سؤاله عن القضاء المجتمعي وما هي أسسه، ومدى فرص تطبيقه أو الأخذ به؟

قال : القضاء المجتمعي على فكرة خلق أو إيجاد إطار تحاكمي جديد يجمع بين هيبة قضاء الدولة ومزايا القضاء الاتفاقي وهذا النوع من القضاء يولي اهتماماً خاصاً بإرادة الخصوم ودورهم في صنع وخلق الحكم القضائي الذي يفصل في نزاعهم مما يسهل في عملية تنفيذ الحكم، ولا يتقيد القضاء المجتمعي بكل الإجراءات التي تحكم سير الدعوى أمام قضاء الدولة.

ملامح

اكد عبد الوهاب عبدول ان ملامح هذا النوع من القضاء المجتمعي أن ولايته محدودة ومحصورة في قضايا ومنازعات معينة على سبيل الحصر، ولقد استعرضت بإسهاب الأسس الفلسفية والتاريخية والعملية للقضاء المجتمعي، مما لا مجال لسردها منعاً للإطالة. أما فرص الأخذ بهذا النوع من القضاء، فإن ذلك يعود إلى السياسة القضائية التي تأخذ بها الدولة وكذلك الإرادة السياسية لها.

Email