استغلال يتفاقم في الأعياد والمناسبات

المواشي المحلية.. أسواق خادعة عبر «إنستغرام»

تشابه في الشكل بين المواشي المحلية والمستوردة

ت + ت - الحجم الطبيعي

 تفاصيل صغيرة تميز المواشي بأصنافها الكثيرة محلية كانت أو مستوردة، يدركها المختص من مجرد نظرة، وآخرون يطيلون النظر ويتفحصون كل شيء ليتخلصوا من حالة الشك، التي تعتريهم بفعل غش بعض التجار، وبيعهم المواشي من دون مراعاة للصدق في شيء..

فيما يشهد السوق إقبالاً صريحاً على أصناف محددة من المواشي، في مقدمتها الماعز المحلي، التي ارتفعت أسهمها في السنوات القليلة الماضية، وأصبحت أسعارها ضرباً من الخيال، خاصة في المواسم والأعياد، نظراً لما تتمتع به هذه المواشي من طراوة لحومها ولذة طعمها بخلاف المستوردة، بحكم البيئة التي تترعرع فيها، والعناية التي تجدها، منذ ولادتها من منطلق الحرص على «الحلال» في مجتمع الإمارات.

وفي الأثناء طفت على السطح أفكار تسويقية مبتكرة عبر وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي، لتزيد الطين بلة، في آليات التعامل مع هذه «السلعة الإلكترونية» وما يرافقها مع مبالغة في الأسعار، وغش في الصور المعروضة، ناهيك عن عدم ثقة الجمهور من الناحية الصحية للمواشي المعروضة عبر «إنستغرام» والمواقع الأخرى.

المحلية آمنة

المواطن بدر الكعبي أحد القريبين من هذا الحقل، أكد أن للمواشي المحلية مكانة كبيرة لدى شريحة واسعة من المجتمع، نظراً لجودتها وطيبة لحومها وخلوها من أمراض كثيرة، لافتاً إلى أن الدولة أولت اهتماماً خاصاً لملاك المواشي، وقدمت لهم التسهيلات والرعاية الطبية، التي تضمن سلامة، فالأطباء البيطرون لا يتوانون عن إجراء الفحوص الدورية واللازمة، ومعالجة المواشي..

وذلك ما يفسر كثرة الطلب على هذه الأنواع بعينها من الماشية، التي استغلها بعض التجار ضعاف النفوس لتحقيق مكاسب مادية وعوائد مرتفعة، من خلال التحايل على المستهلكين إما بالغش وإما برفع الأسعار كثيراً.

أما سعيد المزروعي فقال إن المواشي المحلية تبدو شحيحة في بعض مناطق الدولة، لذلك تجد أسعارها مرتفعة جداً مقارنة مع المناطق الأخرى، إذ يصل فرق سعر الماعز إلى أكثر من 200 درهم للذبيحة..

مشيراً إلى أن البعض يعلل ارتفاع أسعار الذبائح المحلية، نظراً لزيادة تكلفة تربيتها، التي تتطلب من المالك جلب العمالة للعناية بها واصطحابها يومياً إلى الأماكن التي تنمو فيها الأشجار والأعشاب التي تفضلها وترعاها، لافتاً إلى أن ارتفاع أسعار المواشي وخصوصاً الماعز، وتفضيلها من قبل شريحة عريضة من المواطنين وسواهم، أوجد أشخاصاً جشعين، استغلوا هذا الإقبال، وخاصة أيام عيد الأضحى.

جشع التجار

وأوضح عبد الله عيسى أن قلة خبرة الأشخاص بالمواشي وأنواعها ضاعفت من حالة الجشع لدى التجار، مشيراً إلى العديد من الأشخاص، الذين يسوّقون مواشيهم عبر وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي، متطرقاً إلى موقف تعرض له من أحد الباعة، حين وجد إعلاناً في «إنستغرام» لمجموعة من المواشي من نوع «الصلاليات»..

وبعد اتصاله بالبائع والاتفاق المبدئي على السعر، توجه إلى المنطقة المحددة، التي تبعد أكثر من 140 كيلو متراً، وبمعاينة المواشي اتضح أنها مستوردة ومختلفة عن الصورة التي شاهدها في الإعلان، وأدرك حينها أن البائع استغل تقارب الألوان وتشابه الأشكال بين الماعز ليضلل بها المستهلكين، مضيفاً، إنه فور خروجه من المكان علق أسفل الإعلان، موضحاً نوع الماعز الحقيقي ليكشف للجمهور عملية الغش تلك.

واجب الضيافة

إضافة إلى هذه الحادثة؛ هناك العديد من المواقف المشابهة التي تدل على الغش واستغلال الباعة للمستهلكين في تجارة المواشي تحديداً، لا سيما الموقف الذي تعرض له خلفان عبد الله، ففي أحد الأيام فوجئ بزيارة أقارب له قدموا من منطقة بعيدة من دون إخطاره بموعد مسبق، فأراد أن يقوم بالواجب تجاههم وإكرامهم بالضيافة المتعارف عليها في المجتمع..

وتوجه إلى السوق لشراء مواشٍ محددة، لكنه لم يجد الماعز المحلي، فرفض المواشي المستوردة، ولم يكن أمامه سوى خيار «إنستغرام» السوق الجديد للمواشي، الذي يضم العديد من السماسرة والتجارة المختصين بهذه الأصناف تحديداً.

وأضاف أنه وجد سريعاً عشرات الحسابات المختصة بذلك، وتواصل أحد الآسيويين، الذي أخبره بأن لديه مجموعة من المواشي المستوردة واثنين من المحلية، وبعد تكرار السؤال عن الماعز المحلية..

وتأكيده عليها والاتفاق على السعر الذي كان مرتفعاً نوعاً ما، توجه إلى موقع البائع، وعند وصوله ومشاهدته الماشية بدأ الشك يساوره في صحة كلام البائع الذي لم يترك له مجالاً للشك، إذ بدأ يوضح له جملة الفروق في الأشكال والألوان، مستغلاً قلة خبرته في ذلك.

ورغم حالة الشك والتردد، اضطر عبد الله لشراء المواشي وذبحها، وحملها إلى أحد المطاعم الشعبية لطهيها، وحين تقديم الوليمة للضيوف صدمه لون اللحم الداكن، وكانت الصدمة الأكبر حينما وجد بعض «الدواب الصغيرة» في الرأس بعد فتحها، ما وضعه في موقف محرج، فرض عليه الاعتذار من ضيوفه، وإخبارهم بالتفاصيل.

المحلي والمستورد

أوضح عبد الله عيسى أن شراء الماعز من أسواق الماشية، يجنب المستهلكين الوقوع في فخ الغش والاستغلال من مصادر غير موثوقة، كتلك المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي..

خصوصاً إذا لم تكن لدى الشخص خبرة تمكنه من تجاوز غش الآخرين، بقدرته على تمييز الأنواع العديدة، التي تتقارب في أشكالها وألوانها، لا سيما بين الماعز المحلية ونظيرتها المستوردة من الهند والصومال، مرجحاً الأفضلية للشراء من أسواق المواشي، التي تشرف عليها جهات مختصة، تمنع الغش وتقدم كل إجراءات السلامة والنظافة للزبائن.

الرقابة على الأسواق.. تحقق ثقة المستهلك

تضمن عمليات البيع والشراء المنظمة والمرخصة في مختلف السلع، حقوق المستهلك والبائع معاً، بخلاف عمليات البيع العشوائية التي يشوبها الكثير من الغموض والمشكلات، ولا تخرج عملية شراء المواشي عن هذا النسق، فالأسواق المرخصة أكثر انتظاماً وأماناً من تلك التي تعرض بطريقة عشوائية في مواقع التواصل الاجتماعي أو في أماكن أخرى، وهو ما يؤكده كثير من مرتادي هذه الأسواق.

إعدام الذبيحة

وتطرق أحمد علي إلى موقف صادفه حين توجه إلى أحد أسواق المواشي لشراء ذبيحة، وبعد الاتفاق اشتراها ونقلها إلى المقصب لذبحها، وهناك فوجئ بتجمع أكثر من شخص على الذبيحة، فسألهم عن سر ذلك..

فأجابه الطبيب البيطري إنها تحتوي على عدد من الأكياس والانتفاخات في اللحم والكبد، ويفضل أن تعدم الذبيحة ولا يتناول لحمها حرصاً على سلامة الشخص، لافتاً إلى أنه تقبل الأمر بسهولة، وقرر أن يشتري أخرى لأن البائع الذي ابتاعه هذه الماعز ربما لا يدرك هذا العيب الخفي فيها.

وأضاف علي إنه فور خروجه من المقصب، وإذا بالطبيب البيطري يناديه ويعطيه ورقة موثقة فيها الحالة الصحية للذبيحة والعلة التي بها، وطلب منه أن يتوجه إلى البائع ويخبره بالقصة ليمنحه أخرى بديلة عن ذلك أو يعوضه بجزء من القيمة المادية..

ونصحه إن رفض البائع تسوية الأمر، أن يتوجه إلى إدارة السوق ويخبرهم بالحادثة، لكي يتخذوا الإجراء اللازم بحق البائع، لافتاً إلى أن ذلك أثار في نفسه الدهشة فهو لم يكترث للأمر كثيراً، خصوصاً ..

وأن الذبيحة التي اختارها كانت كما يبدو خالية من العيوب، لذلك بادر بسؤال الطبيب البيطري عن الفحوصات التي يقومون بها، فأجابه إنها تبدأ منذ دخول المواشي للسوق، وفي بعض الأحيان تقام حملات تفتشيه للتأكد من سلامة المواشي، ويعاد الفحص قبل عملية ذبح الماشية كما هناك فحوصات أخرى بعد عملية الذبح لضمان سلامة المستهلك.

أفضل الأنواع

وفي سياق متصل، ذكر عبد الله الكتبي أن شراء المواشي من الأسواق وخصوصاً للأشخاص الذين يجهلون التفريق بين أنواعها، أمر ضروري، لافتاً إلى أن ذلك يجنبهم مخاطر التعرض للغش من قبل الباعة العشوائيين الذين يستغلون التشابه الكبير بينها وبين الأنواع المحلية الأكثر طلباً أو السلالات الجيدة، كالنعيمات أو الصلاليات أو الرحبيات..

فالفروقات بين المواشي بسيطة، خصوصاً الماعز التي تتشابه أنواعها بصورة كبيرة في الشكل واللون والحجم، ولا يمكن تميزها إلا بخبرة وتمرس الزبون، بالنظر إلى شعرها أو طول أذنها أو ارتفاعها، أو وجود بعض الألوان في مناطق متفرقة في الجسم.

فحوصات دقيقة وتشديد على المستورد

اشتراطات كثيرة وفحوصات دقيقة تجرى على المواشي المستوردة، ينتج عنها حظر للاستيراد من بعض الدول، خصوصاً التي تنتشر فيها الأوبئة، وفي السنوات القليلة الماضية تم حظر الاستيراد من دول عدة كانت ترفد السوق المحلي بالمواشي، بعد الكشف عن تجاوزات للمعايير الصحية المشترطة، ولم يتبقَ في الحظائر إلا بعض الأنواع من الهند والصومال وأستراليا.

وعلى الرغم من أن تقليص الاستيراد رفع الأسعار نسبياً، إلا أن الجهات المعنية تضع دائماً سلامة المستهلك وحمايته في مقدمة الأولويات. أما المواشي المحلية فهي الأخرى تخضع للرقابة والتفتيش الصحي عند دخولها المقاصب، لكنها تبقى أقل نسبة للإصابة بالأمراض مقارنة بالمستوردة.

وفي السياق ذاته قال سعود درويش الذي يمتلك حظيرة لتربية المواشي، إن الدولة تقدم دعماً كبيراً وتسهيلات لملاك الماشية، عبر الأعلاف والأدوية، إضافة للزيارات الميدانية للحظائر، وتحرص على توعية الملاك بأهمية التطعيم الدوري ضد مختلف الأمراض، وقد شجع هذا الاهتمام مربي المواشي على امتلاك السلالات الجيدة، والمشاركة في مسابقات مزاينة الأغنام والمزادات، وتحقيق أرقام قياسية وبيع بعضها بعشرات آلاف الدراهم.

المواسم تشعل بورصة الأغنام

تتضاعف أسعار المواشي في بعض المواسم، خصوصاً في فصل الصيف الذي تزدحم فيه المناسبات، مثل شهر رمضان المبارك والأعياد وحفلات الزواج، لذا يحرص كثيرون على تجنب الوقوع في دائرة ارتفاع الأسعار، بشراء المواشي قبيل هذه المواسم وتربيتها في حظائر خاصة داخل منازلهم أو في «العزب».

وتتصدر الأغنام المحلية قائمة المواشي الأعلى سعراً، لتفضيلها من قبل شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين، وتتم أغلب صفقات البيع والشراء خارج نطاق سوق المواشي، خاصة في ظل عرض المواشي عبر وسائل مبتكرة.

Email