رحلات مكوكية.. تضغط المنتخبات في إمبراطورية روسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

دأب الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» منذ عام 2002 على تنظيم نهائيات كأس العالم في عدة مدن أو في دول كبيرة المساحة ومتباعدة المدن، ولم يكتف بهذا، بل أقرّ نظاماً جديداً في توزيع المجموعات، وبات يعتمد على تنقل المنتخبات بين مدن البلد المضيف، وألا يلعب مبارياته الثلاث خلال الدور الأول على ملعب واحد بمدينة واحدة، بل يتحول في كل مباراة إلى ملعب جديد، وبالتالي أصبحت المنتخبات المونديالية تعاني الإرهاق وفقدان التركيز بسبب النظام الجديد.


فالمنتخب المصري سيقطع رحلات مكوكية في الإمبراطورية الروسية لخوض مبارياته الثلاث، حيث سيتكبد متاعب سفر 4400 كلم، بينما سيقطع منتخب أسود الأطلسي 3200 كلم خلال الدور الأول، وأما الأخضر السعودي فعليه السفر لمسافة 3600 كلم للعب مبارياته الثلاث الأولى، ويستعد نسور قرطاج إلى قطع مسافة أقل نسبياً، وتقدر بـ 1530 كلم فقط. والرحلات المرهقة والطويلة لا تهم منتخبات العرب فقط، بل هي كابوس يؤرق كل المنتخبات المشاركة.


وليست المنتخبات وحدها من يدفع ثمن بدعة «فيفا» الجديدة، بل الجماهير، أيضاً، فقد بات التنقل بين المدن يحرمها من حضور مباريات منتخباتها، نظراً لصعوبات النقل وتضاعف تكاليفها في حال التنقل، مقارنة بالإقامة في مدينة واحدة.


وأسهمت تنقلات المنتخبات المشاركة في مونديال روسيا 2018 في التأثير على العديد من الجوانب المهمة فنياً ومعنوياً لدى اللاعبين، ومادياً على الجماهير التي رغبت في حضور مباريات منتخب بلادها، إذ تلعب بعض المنتخبات في 3 مدن مختلفة.


تنقلات
وفيما يخص المنتخب السعودي، الذي يلعب في المجموعة الأولى بجانب روسيا والأوروغواي ومصر، فإنه سيتواجد في 3 مدن بخلاف مدينة سان بطرسبورغ الروسية «مقر إقامته»، حيث تواجد في مدينة موسكو في لقاء روسيا الذي خسره بنتيجة ثقيلة 5- 0 في اللقاء الافتتاحي للمونديال، بينما يغادر في العشرين من يونيو الجاري لمدينة روستوف أون لمواجهة المنتخب الأوروغوياني على ملعب روستوف آرينا، وستكون
المباراة الثالثة في مدينة فولجوجراد ضد المنتخب المصري يوم 25 يونيو في ملعب فولجوجراد آرينا.


وأكد المدرب التونسي جلال قادري أن أهم عامل في التنقلات هو الإرهاق، إذ يصعب من عملية الاسترجاع بعد أربعة أيام، خاصة أن السفر سيكون كل أربعة أيام على الأقل، بجانب أن تغيير الملاعب والتوقيت يُحد من التركيز الذهني للاعبين
وقال المدرب السعودي سمير هلال: هذا النظام معمول به منذ عشرات السنين في مسابقات كأس العالم، إذ تسهم التنقلات في خلق جو غير مستقر، خاصة أن التدريب في مكان والسكن في مكان آخر، وهذا يفقد اللاعبين التركيز، وفيما يخص الجماهير فهي أكثر إرهاقاً لدى الجماهير العربية، إذ اعتادت الجماهير الأوروبية حمل أشياء قليلة من العتاد بعكس المشجع العربي.


وشدد مدير المنتخب السعودي للبراعم السابق عبدالله المسند على أن اختلاف الطقس في المدن الروسية عامل له تأثير كبير على اللاعبين، خاصة في كل المنتخبات، لا سيما لاعبي المنتخبات العربية، ومن المفترض أنهم تعودوا عليها من خلال تنقلاتهم في المعسكرات التي سبقت المونديال، لكن التأثير الأكبر على الجماهير، إذ تبعد أقرب مدينة لموسكو 3 ساعات بالقطار، وبهذا فإن المنتخب السعودي على وجه الخصوص قد يفقد 50% من الجماهير التي حضرت لقاء الافتتاح، لأنها اتخذت موسكو مقراً لها.


الأحمدي: الفترة كافية
واختلف رأي المدرب السعودي بندر الأحمدي عن بقية المشاركين في الاستطلاع، إذ أكد أنه لا يوجد تأثير لأن الفترة كافية بين كل مباراة ومباراة، إضافة إلى أن هذه طبيعة المونديال، وتجري على كل الفرق.


الأسود جاهزة
وأكد باتريس بُوميل، مُساعد المدرب الفرنسي للمنتخب المغربي هيرفي رُونار، أن فترة الإعداد لمنافسات كأس العالم مرت بشكل مثالي، مُشيراً في الوقت ذاته إلى أن الطاقم التدريبي للمُنتخب المغربي جهز اللاعبين جيداً لمسألة السفر المُتكرر والتنقل بين المُدن طيلة أيام المُسابقة
وصرح باتريس بوميل في حديث خاص لـ «البيان الرياضي» قائلاً:«صحيح أن مسألة التنقل والسفر الكثير تُرهق اللاعبين، وتُسهم نوعاً ما في التأثير على الجانب البدني.. لكن آليات استرجاع اللياقة البدنية قد تطورت كثيراً في زماننا هذا، وهو ما يُسهل من مأمورية المُعدين البدنيين بشكل أو بآخر»
وأضاف:«لقد اشتغلنا كثيراً على هذا الجانب، أؤكد لكم أننا أعددنا أنفسنا جيداً لهذه المسألة التي تُعد مُرهقة للاعبين من الناحية البدنية، ولنا نحن كطاقم تدريبي من الناحية الذهنية، وذلك قصد تجهيز جميع اللاعبين بالشكل المطلوب عند وصول مواعيد المُباريات».


وأبدى رجل الظل الأول في فريق عمل هيرفي رُونار حُزنه للهزيمة التي تعرض لها أسود الأطلس أمام المنتخب الإيراني في بداية مشوارهم في مُونديال رُوسيا.


وقال في هذا الصدد لـ «البيان الرياضي»:«غلب علينا الحُزن بعد المُباراة، لكن الجميع الآن مُستعد للقتال حتى الموت مُحاولة لتحقيق المطلوب».


يُذكر أن باتريس بُوميل يُعد بمثابة رجل الثقة الأول لدى المُدرب الفرنسي هيرفي رُونار، إذ يُطلقون عليه في فرنسا لقب «ظل هيرفي رونار».


حجز تونسي مبكر
وتفادياً للتأثر السلبي للتنقل بين المدن أكّد وديع الجريء رئيس الاتحاد التونسي لكرة القدم، أنه بادر بحجز مقر إقامة في مكان قريب من موسكو، يتوسط جميع الملاعب التي سيخوض عليها نسور قرطاج مباريات الدور الأول. وذكر الجريء أن الاتحاد التونسي كان أول من حجز لمنتخب بلاده مقر إقامة في روسيا، وتم ذلك مباشرة بعد التأهل، وقال إن منتخبات أخرى تعاني مشكلات كبيرة الآن في التنقل بسبب تأخر اتحاداتها المحلية في الحجز.


وأكد الجريء أن إقامة مباراة المنتخب التونسي وإنجلترا في مدينة فولفوغراد البعيدة عن موسكو حرم آلافاً من الجمهور التونسي من حضور المقابلة وتشجيع النسور، بسبب كلفة التنقل من موسكو إلى فولفوغراد، إلى جانب مصاريف الإقامة في الفندق وغيرها.


المتاعب مستمرة
وبعد منح الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك والأرجنتين شرف تنظيم مونديال 2026، فإن متاعب المنتخبات ستستمر، بل ربما تتضاعف أكثر وتجبر على اللعب في أكثر من دولة واحدة في حال بلغت أدواراً متقدمة!! وهذا يحدث للمرة الأولى في التاريخ. ومما يزيد من مخاوف المنتخبات أن الولايات المتحدة الأميركية في حد ذاتها مترامية الأطراف ومدنها متباعدة، فكيف بالتنقل منها إلى الأرجنتين والمكسيك خلال نصف النهائي والنهائي؟

Email