لمياء عابدين تدرج أول مجموعة للعباءات الشتوية

ماتريوشكا.... عباءات تروي سيرة الثورة البلشفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

التحولات الصاخبة التي طرأت على تصميم العباءات في الآونة الأخيرة، خلفت وراءها الكثير من الانطباعات الإيجابية لدى الفئات الشابة التي تعيش المعاصرة والعالمية بكل ما فيها، إلى جانب الانتقادات اللاذعة لدى الكثيرات من اللواتي لا يحبذن المساس بهوية عباءة التقاليد؛ المصممة الإماراتية لمياء عابدين أرادت ربما الوقوف على الحياد وإعادة التوازان لمضمون وفكرة الربط بين المعاصرة والتقاليد دون تعارض، لتخرج إلى نطاق العالمية من خلال إطلاق مجموعتها الجديدة الدمية الروسية (أماتريوشكا) والمستوحاة من عوالم فيلم Doctor Zhivago عن رواية الأديب الروسي بوريس ليونيدوفيتش باسترناك.
مخزون ثقافي
تتميز مصممة الأزياء لمياء عابدين بشخصية لافتة وواعية لأهدافها في الحياة، ولا ترضى بأنصاف الحلول؛ فدخولها عالم تصميم العباءات كان نتيجة طبيعية لرغبتها في التميز، حيث بدأت بتصميم عباءاتها الخاصة لتجد التشجيع من المحيطين بها، ما جعلها تدرس الفكرة وتكرس لها كل طاقتها وخبرتها وسعة ثقافتها لتقدم نماذج مختلفة عن السائد والمألوف في تصاميم العباءة الإماراتية، وهي تنطلق من فكرة أن العباءة ينبغي أن تكون بأجمل أشكالها، لكي تبقى مستمرة، فهي تلبي حاجات المرأة الجمالية ورغبتها في الظهور بأبهى صورة.

تروي عابدين تجربة دخولها عالم التصميم، وتقول: «كان اهتمامي منذ وقت مبكر بتصميم عباءاتي الخاصة، فلم أكن أرغب في أن أرتدي عباءة يكون تصميمها مكرراً، وقد عشت لسنوات خارج الإمارات متنقلة بين بلدان مختلفة نتيجةً لعمل زوجي، الأمر الذي جعلني أطلع على أزياء وثقافات وفنون تلك البلدان، فقد عشت في قبرص واليمن وتونس، وكنت أصمم عباءاتي بنفسي مستفيدةً من تلك التجربة الثقافية الثرية، ولكن وجودي في مدينة جدة في ذلك الوقت شجعني على الدخول في مجال تصميم العباءات، حيث تمثل تلك المدينة عاصمة لموضة العباءة الخليجية، فتنوع الجاليات الموجودة أدى إلى تنوع القصات والتصاميم والألوان.

وكان تعلقي بأقمشة العباءة السعودية دافعاً لتصميم عباءات مميزة؛ فبدأت عملي وصممت عباءاتي متوجهة بالدرجة الأولى إلى المرأة الإماراتية؛ في ذلك الوقت ولكن اليوم المرأة المحبة للثقافة الشرقية بكل تفاصيلها هي التي تشغل ذهني حين أفكر في تصميم مجموعة جديدة فالعالمية هدف وليست حلماً بعيد المنال». وتحرص عابدين على عدم تكرار ما قدمته في كل مجموعة لأنها تفكر في أن كل عباءة تصممها خاصة بامرأة واحدة، ولا ترغب بتكرارها، وحين تقرر الشكل النهائي للعباءة تكون راضية كل الرضا عن التصميم كما لو أنها صممتها لنفسها.
عباءات ملحمية
«الموضة لم تكن يوماً ضد الاحتشام أو الأسلوب المحافظ القائم على معايير التقاليد، بل على العكس تماماً، ولكني أسعى إلى عالمية هذا الرداء دون قيد وشرط، فالهدف هو انتشار ثقافة عربية ملحمية تحظى باحترام واهتمام شوارع الموضة العالمية التي أنتجت العديد من القطع من قبل كبار المصممين، ولكن تظل نكهتنا الشرقية الأصيلة بصماتنا غير القابلة للتقليد، فنحن نفهم مورثنا وتاريخنا أكثر من الغرب الذي حاول الترويج لفكرة العباءة الشرقية والتعبير عنها من وجه نظره»، تقول عابدين.

45 قطعة ماتريوشكا
حول فكرة مجموعتها ماتريوشكا والتي تضمنت 45 قطعة، تشرح عابدين أنها في مجملها قائمة على التراث الروسي للأزياء المتوغلة بأنماط جذابة وتأثيرات القوقاز المتمثلة في النقوش والطبعات، وكذلك الخامات التي برزت ملامحها وخطوطها البارزة بدقة فنية ولمسات جذابة ضمن مشاهد في فيلم Doctor Zhivago الذي يتناول قصة حب مفعمة بالرومانسية للأديب الروسي بوريس باسترناك وتدور أحداثه بين عامي 1903 و1929، وهي أعوام الضياع والاضطرابات الدموية في روسيا، حيث تدوّن لنا قصة الثورة البلشفية من وجهة نظر تلك الشخصية المثقفة والمتعمقة في فهم النفس البشرية: الطبيب والشاعر يوري زيفاجو وتسرد قصة حبه مع الممرضة لارا.

ترى عابدين أن سر اختيارها ماتريوشكا، والتي هي عبارة عن دمية خشبية صنعت للمرة الأولى عام 1890، تتضمن داخلها عدة دمى أخرى بأحجام متناقصة، بحيث ان الأكبر تحوي الأصغر منها وهكذا، يكمن في شكل المرأة الروسية الريفية باللباس التقليدي Sarafan المرسومة على قالب الدمية والذي يقارب نوعاً ما شكل العباءة الشرقية التي تلف الجسد بالكامل، إلى جانب المعنى الخفي للمحافظة على التقاليد التي لا تندثر مع الزمن، وهي المقاربة التي جعلتها تختار هذا الدمية الروسية لتكون عنواناً لمجموعتها.
زيفاجو عشق يتجدد
تعود عابدين بذاكرتها إلى الوراء لتؤكد أن علاقتها بفيلم Doctor Zhivago بدأت لأول مرة وهي في سن العاشرة، حين شاهدت مقتطفات منه خلال عرضة على إحدى القنوات المحلية، ولكنها لم تفهم في ذلك الوقت قصته العميقة في معانيها كما يجب أو الأبعاد الفلسفية التي جاءت في سياق أحداثه، ولكنها ظلت مغرمة بالموسيقى المصاحبة للفيلم إلى الآن.

كما أن هناك الكثير من المشاهد المؤثرة في الفيلم ما زلت عالقة في ذهنها، وربما كانت هي الدافع المحرك الأساسي لمحور المجموعة وأشكالها، وأهمها مشاهد زيفاجو في عربة الترام، وبلحظة خاطفة قاتلة يلمح عن بعد حبيبته لارا تمشي على الرصيف المحاذي للشارع الذي يعبره الترام، فحاول اللحاق بها ويلهث وراءها كحلم، ودون أن يتسنى له لفت انتباهها ودون أن تدرك هي أنه حبيب عمرها كان وراءها على مسافة بضع خطوات وقع أرضاً وباغتته سكتة قلبية ليموت على الرصيف الذي كانت قد عبرته لارا لتوها؛ هكذا حسم الأمر وبدون مزاح عبر لنا الفيلم عن لهاثنا المخيف وراء السعادة.‏

تقول عابدين: «أثناء تفكيري في إطلاق مجموعة شتوية لأول مرة في تصاميم العباءات تجددت ذكرى قصة حب لارا و زيفاجو ومشاهد الفيلم الغنية بالمناظر الخلابة والطبيعة في روسيا، إلى جانب قوالب للأزياء المبهرة في تلك البقعة من العالم، وبدأت التحضير لقطع تحمل بصماتي وتتماشى مع روزنامة الموضة الموسمية وخاماتها في فصل الشتاء، وهو ما كنا نفتقده في تصاميم العباءات التي لم تكن تركز على طبيعة اختلاف الأقمشة المستخدمة في التصميم وفقاً للأجواء المناخية».


هياكل مبتكرة
فيما يتعلق بالخطوط الأساسية في تصميم المجموعة تقول عابدين: «يمكن الإحساس ببساطة تشكيلة هذا الموسم من خلال الأشكال السهلة للمجموعة، فمعظم العباءات تم لفها حول الجسم بجو يمنح الراحة بأسلوب الكاجوال، فالأوشحة التي تلف الرقبة تنسدل بلطف بشكل عامودي.

وتم قص كل قطعة، بعناية محاكة ومفصلة ضمن هيكلية ابتكارية. وتبدو الأحزمة وكأنها جزء من بنية الرداء نفسه. تفاصيل كالأوشحة الموضوعة على الرقبة، الأقمشة المنسدلة والجيوب المتموضعة في جوانب بعض العباءات أو تعطي انطباعاً بالرسمية في نماذج أخرى. كما تم طبع الرسوم الجديدة بشكل كشكولي على المخمل أو الجاكار، بحيث يتم ارتداؤها مع الملابس المفتوحة المتشابكة».

تشرح عابدين أن العباءة في مجموعتها تعود مجدداً لتذكّر العالم بالقيم الأساسية للأزياء، وهي الراحة والخفة ضمن إطار غني بالأناقة والأنوثة، وما يظهر تلك الأناقة العصرية بشكل بارز هو التأثيرات البصرية للونين الأبيض والأسود من جهة، وكتل الألوان البراقة مثل الأزرق الملكي والعشب الأخضر والبرتقال من جهة أخرى، حيث تربّعت على أشكال هندسية رائعة من قماش الجاكار المموّه بالنقاط، لتتداخل فيه أنواع أخرى مختلفة من القماش، تقول: «إنها قطع فاخرة وفائقة الرقّة، تتداخل فيها تناقضات الألوان والمواد لتبرز أجمل ما يمكن للثياب اليومية أن تكون، بحيث تغمرها بعض التقنيات المضيئة، وتحوّلها إلى قطع تنتمي إلى أكثر عوالم الخياطة حداثة وابتكاراً».

تفاصيل محورية
من الإضافات المهمة للعباءة الشتوية التي أدخلتها عابدين على حد تعبيرها، هي فكرة تزيين العباءات المبطنة من الأسفل والمصنوعة من خامات متعددة كالكشمير والشيفون أو الدانتيل، حيث أحدثت تأثيراً بالغ الأهمية على طبيعة التصميم إلى جانب التطريزات والخيطان الثلاثية الأبعاد المصنوعة من المخمل. في حين تبدع العناصر المعدنية الفضية باللونين الداكن والأبيض، تفاصيل جديدة تنير التشكيلة، حيث تم إبداع المربعات المعدنية باليد لتزدان بها أقمشة التول الرقيقة من وحي تقنية «طالي» العثمانية المعقدة، مانحةً مزيداً من الثراء والفخامة على الأقمشة المستخدمة. حُبكَ المعدن مع المخمل أو القطن وأوشحة الساتان، وتداخل مع الأجزاء العلوية من العباءة، وإذا ما استعرضنا التشكيلة سنرى خلالها أسلوب paisley المطبوع بشكل كشكولي على الحرير، أقمشة مغزولة بقماش الجاكار وحضوراً للشبكات الدقيقة، مما يصنع أنماطاً تحاكي أطر اللوحات. كما تمت إضافة لمسة أنثوية صارخة من خلال المخمل المزخرف بنمط Devoré (إذابة الألياف كيميائياً) والمصبوغ يدوياً، ومن خلال استخدام حرير جورجيت المتموج.

ثنائّية الخفّة والصلابة

تؤكد عابدين أنّ البحث عن التوازن الديناميكي والتخلّي عن التفاصيل غير الضرورية يعزّزان أهمية التصميم ويبرزاه عند إطلاق مجموعة وطرحها في الأسواق، وهي من أسباب نجاحها والإقبال عليها، إلى جانب دورها كمصممة تتحدى نفسها في كل مرة يحتم عليها الاهتمام بالمظهر العام لكل قطعة، وكيفية ارتدائها وتنسيقها مع إكسسوارات الشتاء التي تضفي نمطاً جرافيكياً وحسياً، حيث تتكرر حركة الربط بين العناصر وتشكل لفتة آسرة ومحببة كالأحزمة والبوت والأوشحة، سواء من الفرو أو المخمل للحصول على إطلالة عصرية مناسبة تتماشى مع فكرة العباءة العالمية التي لا يقتصر ارتداؤها على الخليجيين والعرب فقط، وذلك لأن العباءات صمّمت عن قصد بطريقة فضفاضة، والخياطة مبسّطة بشكل يظهر جليّاً دقّة الرسوم والأشكال، وتطوى بحركة سهلة وسريعة نابعة من فكرة ثنائّية الخفّة والصلابة التي تعرف بها تصاميمها.
إتقان مدروس
تصاميمها تكتسب القوة من وجهة نظرها من خلال بحثها عن الإبداع الذي يتماشى مع التعبير عن الحرفيّة الحقيقيّة. وكأنّها قطعة واحدة ترسم خطّاً متنقلاً حول الجسم، فالأقمشة متينة وقد أنجزت بفعل مقاربة حسّية غنية مع تقنيّة عالية. فنجد الصوف الحريري الجافّ أو خيوط النايلون الموضوعة يدوياً والسطح الشبيه بصوف، وقد تزاوجت الألبكة والموهير. واستخدمت عابدين أسلوب الترصيع لتصميم أشكال مربعات ثلاثية الأبعاد، حيث زُينت مربعات الدانتيل والشيفون بآثار مرقطة تمتزج مع نقشات للزهور على الدانتيل بزخارف هندسية ملفتة للنظر، ونُسج الدانتيل والكشمير، وكان هذا ضرورياً لخلق قوام ثلاثي الأبعاد مصمماً خصيصاً للمجموعة، فمهارة المصمم تكمن في التغيير وفقاً لميول الموضة، ولكنه في الوقت ذاته يقدم الإطلالة الخاصة به ليوجه البوصلة في اتجاه آخر.

لمياء عابدين في سطور :

-    عاشت لمياء عابدين غالبية سنوات حياتها خارج دولة الإمارات، متنقلةً بين بلدان الخليج العربي والشرق الأوسط وأوروبا وشمال إفريقيا، جذبها التنوع الثقافي وولّد لديها إبداعاً ترجمته في تصاميم متميزة في عالم الموضة.
-    ابتكرت علامتها Queen of Spades، لتضمن لكل سيدة ترتدي عباءة من ابتكارها التفرد بالتصميم. ونجحت لمياء في إرساء هذا المفهوم وهذا الشعور وأعطت العباءة عنصراً كانت تبحث عنه باستمرار.
-    أول مصممة عباءات إماراتية تتعاون مع إحدى أهم شركات السيارات وهي «كاديلاك»، حيث شاركت في تزيين الهيكل الخارجي لأحدث سياراتهم برسومات فنية.
-    تم اختيارها لتصميم مجموعة عباءات مع إطلاق عطر «We Love NY» من دار العطور العضوية الجديدة «Honore des Pres».
-    وفي تعاون هو الأول من نوعه، تم تصميم كافة الأحذية التي ترافق مجموعة «The Maharani» من تصميم Queen of Spades من Feesk Sandals.

 

Email