أقدم اللغات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يلوح لي أن العلاقة بين اللغة والثقافة ‌علاقة ‌عموم ‌وخصوص مطلق، فاللغة أعم وأشمل من الثقافة، وبعبارة أخرى اللغة ‌وعاء الثقافة، والثقافة أساس الحضارة، والحضارة ترجمة لهوية الأمة. وبهذا ندرك السر في انكباب علماء اللغة ومؤرخيها على البحث في أقدم اللغات.

والحقيقة أن مؤرخي اللغات لم يتفقوا حتى اليوم على تعيين ‌أقدمها عهداً، وأنجزها وعداً، وأوراها زنداً، فادعى كل منهم أن لغته هي اللغة الأقدم، واللسان الأعظم، فمنهم من يرى أن العبرانية ‌أقدم ‌اللغات السامية، ومنهم من يقول: إن العربية على حداثة عهدها هي من ‌أقدم ‌اللغات، وضعت قبل إبراهيم وإسماعيل، متقدمة على الكلدانية والعبرية والسريانية وغيرها، بما فيها الفارسية، ومنهم من رأى السبق في القدم للغتين الآشورية والبابلية.

وثمة رأي آخر معتدل يقول: إن اللغات السامية بمجموعها من ‌أقدم ‌اللغات التي وصلتنا مدونة، إذ دونت الأكادية عام 2500 ق. م، ودونت الأجريتية نحو عام 1400 ق. م. وأقرب المجموعات اللغوية الأخرى إليها هي المجموعة الحامية، حتى إن بعض العلماء يجعلونها مجموعة واحدة: سامية حامية. والحق أقول إن كل الأقوال التي مرت أقوال مجردة، لا يسندها الدليل والبرهان.

ويعد البحث في هذه المسألة- أقدم اللغات- من أعضل القضايا التي أثيرت، وتثار في الأوساط اللغوية العربية قديمها وحديثها، والسبب في ذلك أنها عولجت بالتأويلات والافتراضات، ولو أنها عولجت علاجاً يخضع لوحدة النظرة المنهجية، التي تعتمد على الموضوعية، في التحليل والتعليل، والمناقشة، وعلى النظر في الحقائق اللغوية ذاتها لسهل الخطب، وكان الأمر يسيراً.

فمن المسلم به أن آدم هو أبو البشر بالاتفاق، وأنه هو أول من تكلم من البشر، وقد ذكر القرآن ذلك جميعاً، غير أن القرآن الكريم لم يخبرنا عن لغته التي تكلم بها، وإذا كان ذلك كذلك، فمن أين لباحث أو مؤرخ أن يجزم بذلك!

نعم، ثمة آثار وحفريات قد تشير إلى شيء من ذلك، ولكن على سبيل الظن، و‌الظن ‌لا ‌يغني من الحق شيئاً!

Email