شاعرات العرب الخنساء (2-2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

أشهر شواعر العرب، وأشعرهن، وأكثرهن شعراً على الإطلاق، جل شعرها في رثاء أخويها «صخر ومعاوية».

بدأت تجربتها الشعرية بقول البيتين والثلاثة، حتى إذا قُتل أخواها أكثرت وأجادت.

وأجمع أهل الصناعة، ومنهم أبو تمام، على أنه لم يكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها. وقد بالغت في رثاء أخيها لأبيها صخر، ولا غرو فقد ملك عليها قلبها ولبها، ومصيبتها به جعلتها أميرة الرثاء بلا منازع، ليس بين الشاعرات فحسب، ولكن بين الشعراء جميعاً، فشعر المرأة في مصيبتها يعجز الشاعر عنه مهما تكلَّف ذلك، فلقد كان صخر رجاءها، ومعقد آمالها، وحديث أحلامها، وملء سمعها وبصرها، فربطت أسبابها بأسبابه، وتعلقت أهدابها بأهدابه، فهجم عليه الدهر خلسة فأخلف ظنها، ونقض أملها، فإذا الدنيا غير الدنيا، وإذا الحياة بجمالها أضغاث أحلام، ووساوس وأوهام! قالت:

‌يذكرني ‌طلوع ‌الشمس ‌صخراً... وأبكيه لكل غروب شمس

وما يبكون مثل أخي ولكن... أعزي النفس عنه بالتأسي

وإسناد التذكير للطلوع: مجاز عقلي، فهو سبب تذكيرها إياه، وكذلك الغروب، أو لأنه يذهب في الأول للغارات، ويجلس في الثاني مع الضيفان، أو لأن طلوعها يشبه طلعته، وغروبها يشبه موته.

وتذكر الأحبة بالديار والأطلال معروف عند العرب، ويقرب منه تذكر الأحبة بالخيال:

وإني لأستغشي وما بي نعسة... لعل خيالاً منك يلقى خياليا

وكان بشار يقول: ليس لشعر النساء من المتانة ما للرجال، قيل له: وكذلك تقول في الخنساء؟ قال: أما الخنساء فكان لها كذا وكذا..!

وقول الخنساء من أجمل الكلام، حيث تقول:

وإن صخراً لوالينا وسيدنا... وإن صخراً إذا نشتو لنحّار

وإن صخراً لتأتم الهداة به... كأنه علم في رأسه نار

وقيل للخنساء: صفي لنا صخراً ؟ فقالت: كان مطر السنة الغبراء، وذعاف الكتيبة الحمراء. قيل: فمعاوية؟ قالت: «حياء الجدبة إذا نزل، وقرى الضيف إذا حل».

Email