شاعرات العرب (1-2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المسلمات البدهية عند العرب، «أنْ ليس أحد من العرب إلا وهو قادر على الشعر»، فالشعر فيهم طبيعة وسليقة، والعرب كلها شعراء، فإذا كان ذلك كذلك، فلا ينبغ منهم إلا من كان نابغاً، وهؤلاء هم من وصلتنا أشعارهم.

وكل ما يقال في الرجال في جنس النساء يقال، فاللغة واحدة، والطبيعة واحدة.. وإنما يكون التفاوت في فنون الشعر، والاختلاف في قوته ورصفه. وقد كمل ونبغ من الرجال كثير، أصحاب المعلقات، وشعراء صدر الإسلام، والعصرين الأموي والعباسي، والعصور التالية.

ولم ينبغ من الشاعرات إلا أقل القليل. ومما زاد في قلتهن نظرة العرب إليهن، فإن العرب لا يعدّون كل من تقول الشعر شاعرة، وإنما الشأن فيمن تكون فيه من المكثرات، وتكون فيه من المتصرفات، فتكثّر فنونه، وتعدد معانيه، فتكون كفلانة أو علانة، وحينئذ يتناشدون شعرها، ويرفعون مهرها.

ولا يهولنك كثرة أسماء الشاعرات اللاتي قلن شعراً، فليس لهن إلا الأبيات القليلة، ولم تنبغ منهن إلا الخنساء وليلى الأخيلية، وما شعرت الخنساء حتى قتل أخوها صخر. على أن شعر المرأة العربية أكثره في الرثاء، وسائره في الغزل، وإثارة نخوة الرجال، وصناعة الأبطال، وحضهم على القتال، وطلب الثأر، وترقيص الأطفال.

وقد يصل الأمر بإحداهن إلى اقتحام ساحة المعركة بقصيدها. فقد رووا أنه لما اشتد الوغى يوم التحالق وخاف بنو بكر من الفرار، أقبلت إحداهن ترتجز.

نحن بنات طارق... نمشي على النمارق

شبهت أباها بالنجم الطارق في علوه ومكانه.

ومن الشعر الذي لا يفنى التعجب من بلاغته، أبيات جليلة أخت جساس، وكان أخوها قتل زوجها كليباً، قالت:

يا قتيلاً قوض الدهر به... سقف بيتي جميعاً من عل

هدم البيت الذي استحدثته... وانثنى في هدم بيتي الأول

يشتفي المدرك بالثأر وفي... دركي ثأري ثكل مثكلي

إنني قاتلة مقتولة... ولعل الله أن يرتاح لي

قال ابن الأثير: أبياتٌ لو نطق بها الفحول لاستعظمت، فكيف بها من امرأة!.

Email