حُبُّ الأوطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

زُيِّنَ للناس حٌبُّ الأوطانِ والحنين إلى الأخدان.

ولا عجب في ذلك، فالنفس إلى مولدها مشتاقة، وإلى مسقط رأسها تواقة. وإذا كان الطائر يحن إلى أوكاره، أفلا يحنُّ الإنسان إلى أوطانه!.

قال ابن الرومي:

وحبَّبَ أوطانَ الرِجالِ إليهمُ

مَآربُ قضَّاها الشبابُ ‌هنالِكا

إذا ذَكروا أَوطانَهم ذكَّرَتْهُمُ

عُهودَ الصِبا فيها فحنّوا لِذَلِكَا

وأخبارٌ العرب وأشعارهم في الحنين إلى أوطانهم كثيرة لا تحصى.

وقد استدل الجاحظ على كرم الحمام، وصدق خلقه، ما رُكِّبَ فيه من الإلف والأنس والنّزاع والشّوق. قال: «وذلك يدلّ على ثبات العهد، وحفظ ما ينبغي أن يحفظ، وصون ما ينبغي أن يصان، وإنه لخلق صدق في بني آدم، فكيف إذا كان ذلك الخلق في بعض الطير».

وما وقوف الشعراء العرب على الأطلال، وبكائهم مع التعظيم والإجلال، إلا رمز لهذا الارتباط؛ بمواطن الحب والحياة والجمال.

لذلك رأينا العربي إذا سافر حمل معه حفنة من تراب وطنه يشمه ويكحل عينيه بمرآه.

وكثيرة هي النصوص التي تحدثنا عن حب العربي لوطنه رغم ‌حَمارّة ‌القيظ، وصَبارّة الشتاء.

قيل لأعرابي: «كيف تصنع في البادية إذا اشتد القيظ، وانتعل كل شيء ظله؟ قال: وهل العيش إلا ذاك، يمشي أحدنا ميلاً فيرفَضُّ عرقاً، ثم ينصب عصاه، ويلُقي عليها كساءه، ويجلس في فيئه يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى!

وسئل أعرابي من أين أقبلت؟ قال: من هذه البادية. قيل: وأين تسكن منها؟ قال: مساقط الحمى... لعمر الله ما نُريد بدلاً، ولا نبغي عنها حولا، أمّا الفلوات فلا يملولح ماؤها، وتحمى تربتها، ليس فيها أذى، ولا قذى، ولا وعك، ولا لوم، ونحن بأرفه عيش، وأوسع معيشة، وأسبغ نعمة. قلت: ما طعامكم؟

قال: بخ بخ الهبيد،- أي: الحَنْظَل والضِّباب،-جمع ضب- واليرابيع،-نوعٌ من الفأر- مع القنافذ والحيات، وريثما الله أكلنا القد،-نوع من الجلد- واشتوينا الجلد، فلا نعلم أحداً أخصب منا عيشاً، فالحمد لله على ما رزق من السعة، وبسط من حسن الدعة.

Email