في بَلاط سيف الدولة

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدَ ‌بلاطُ ‌الأمير سيف ‌الدولة الحمداني مجالس علميّة غنية، ومناظرات أدبيّة ثرية، ولم تقتصر الحركة الفكرية فيه على الشعر والأدب، بل عدتهما إلى الفلسفة، والفلاسفة النجب، فلمع في سمائه الفيلسوف أبو نصر الفارابي، أحد تلامذة أرسطو، والمعلم الثاني.

وفيه توثقت صلة المتنبي بابن جني، حتى قال فيه: «هو بشعري أعلم مني»، وقال: «لا يعرف قدره كثير من الناس»، وفيه توثقت صلة ابن خالويه بالشاعر أبي فراس، فكان راوية شعره من دون الناس.

أما مكانة ابن خالويه، فحالت بين العلماء وما أملوا، وأما مكانة المتنبي، فحالت بين الشعراء وما رَجُوا.

ويكثر الشعراء في البلاط، وعلى رأسهم: أبو فراس، والببغاء، والسري الرفاء، وخلق كثير، غير أن المتنبي قلل شأنهم، وأغفل ذكرهم، وذهب بأرزاقهم. ولا غرو، فهو: نادرة الْفلك، وواسطة عقد الدَّهْر... وشَاعِر سيف الدولة...، رفع من قدره، ونفق سعر شعره، وَألقى عَلَيْهِ شُعَاع سعادته، حَتَّى سَار ذكره مسير الشَّمْس وَالْقَمَر، وسافر كَلَامه فِي البدو والحضر، وكادت اللَّيَالِي تنشده وَالْأَيَّام تحفظه.

قوافٍ إذا سِرْنَ عن مِقولي... وثبْنَ الجبال وخُضْنَ ‌البِحارا

وقال:

وما الدهر إلا من رواة قصائدي... إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشدا

ودع كل صوت غير صوتي فإنني... أنا الصائح المحكي والآخر الصدى!

وكان مديحه سيف الدولة مديح ملك لملك، وند لند، خالٍ من الاستجداء، وأن ينشده الشعر جالساً، وأن يكون له مسايساً...!

وكان يمقت أنْ يُشبه بغيره من الشعراء.

أمط عنك تشبيهي بما وكأنه... فما أحدٌ فوقي، ولا أحدٌ مثلي

وعندما مدح سيف الدولة، لم يمدحه إلا بقدر ما مدح نفسه، وكرمها، وعظمها.

‌سيعلُم ‌الجمعُ ممن ضمَّ مجلسُنا... بأنني خيرُ من تسعى به قَدَمُ

أنَا الذي نظر الأعمى إلى أدبي... وأسمعتْ كلماتي مَن به صمَمُ

فانظر كيف فضّل نفسه على من ضم مجلس سيف الدولة، وفيهم سيف الدولة نفسه!

Email