بين المتنبي وابن جني

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربطت بين المتنبي ـ لسان العربية ـ وابن جني ـ فيلسوفها ـ أواصر متعددة؛ من الحب، والإجلال.

‌وَشَائِجُ بِرٍّ أَنْشَأَتْهَا مَغَايِضُ... مِنَ الْمَاءِ فِي أَجْوَافِهَا تَتَرَشَّحُ

قال الثعالبي: «صحب ابن جني المتنبي دهرا»، ولا يبعد أن يكون استملى منه، وأخذ عنه، ووقف أبو الطيب على تصانيفه واستجادها، ولا أتجنى في هذا، فقد كانا عبقريين، وجد كل منهما ضالته في صاحبه، فكلاهما ألِفَ التجديد، والتعديد.

وإذا كان المتنبي «ملأ الدنيا وشغل الناس»، فابن جني هز العربية من الأساس.

لقد تجاوزت ثقة اللغوي في الشاعر، إلى توثيق روايته، وتزكية خلقه، بل قد أبعد النجعة، وطبق المفصل، وجاء بعائدة، وأتى بآبدة فقد نقل عنه بعض كلام العرب، قال: «حدثني ‌المتنبي ‌شاعرنا وما عرفته إلا صادقاً».

ولقد ساء ظنُّ قومٍ بالمتنبي، بسبب جنايته ـ في زعمهم ـ على اللغة، فماذا صنع ابن جني؟

قال البديعي: كان إذا مر المتنبي بالفارسي يستثقله، وكان لابن جني هوى في أبي الطيب، كثير الإعجاب بشعره، لا يبالي بأحد يذمه أو يحط منه. وكان يسوؤه الإطناب بذمه، واتفق أن قال أبو علي يوماً اذكروا لنا بيتاً من الشعر فأنشد ابن جني:

«حُلْتِ دون المزار فاليوم لو زرتِ** لحال النحولُ دون العِناق» فاستحسنه، وقال: لمن هذا البيت؟ فقال ابن جني: للذي يقول: «أزورهم وسوادُ الليل يشفعُ لي*** وانثنى وبياضُ الصبح يُغرى بي»، فقال والله هذا حسن، فلمن هما؟ قال للذي يقول: «أمضى إرادتهِ فسوف له قدٌ** واستقرب الأقصى فثَم له هُنا»، فكثر إعجاب الفارسي، وقال لمن هذا؟ فقال ابن جني: للذي يقول: «ووضع الندى في موضع السيف بالعلا*** مضرُّ كوضع السيف في موضع الندى»، فقال قد أطلت يا أبا الفتح، فأخبرنا؟ قال: هو الذي لا يزال الشيخ يستثقله...؟ قال أبو علي: أظنك تعني المتنبي؟ قلت نعم. قال والله لقد حببته إلي.

Email