بين المعري والمتنبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

شاقني في تراثنا العربي الأصيل صفحات وضّاءة، من أدباء أَوْضِيَاءَ، قال الشاعر:

والمرءُ يُلْحِقُهُ بِفِتْيانِ النَّدَى... خُلُقُ الكَرِيمِ وليس بالوُضَّاءِ

صفحات تنضح بالودّ الصافي، وتنبئ عن الصديق المُصَافي !

أحب المعري المتنبي حباً شديداً، حتى تشيع له وتعصب. فكان إلى قلبه وعقله الأقرب، فحفظ قصائده، وتتبّع آثاره، وعليها تمرن وتدرب، وتصدّى لكلّ من تجرأ عليه وتحرَّب! وفي كتابه «معجز أحمد» الذي ألّفه في 1920 صفحة، ضمنه شروحاته وملاحظاته لديوان المتنبي، التي عبرت عن رؤية فلسفية، ونقد عميق، وكشفت عن توغلٍ وذوق في الشعر والأدب رقيق، فكان من أوفى شروح نافت على العشرات.

وكان المعري يسمي كل شاعر باسمه فإذا ‌قال «‌الشاعر» فقط عرف أنه يريد المتنبي.

ولما فرغ من تصنيف كتاب اللامع العزيزي في شرح شعر المتنبي وقرئ عليه أخذ الجماعة في وصفه فقال أبو العلاء: كأنما نظر المتنبي إلي بلحظ الغيب حيث يقول:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

               وأسمعت كلماتي من به صمم

وكان من تعصب أبي العلاء للمتنبي زعمه أنه أشعر المحدثين وتفضيله على بشار ومن بعده مثل أبي نواس وأبي تمام، وكان المرتضى يبغض المتنبي ويتعصّب عليه، فجرى يوما بحضرته ذكر المتنبي فتنقّصه المرتضى وجعل يتتبع عيوبه، فقال المعري:

لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله: «لك يا منازل في القلوب منازل..»، لكفاه فضلاً، فغضب المرتضى وأخرجه من مجلسه، وقال لمن بحضرته: أتدرون أيّ شيء أراد الأعمى بذكر هذه القصيدة؟ فإن للمتنبي ما هو أجود منها لم يذكرها، فقيل: النقيب السيد أعرف، فقال: أراد قوله في هذه القصيدة: وإذا أتتك مذمّتي من ناقص... فهي الشهادة لي بأنّي كامل.

Email