المتنبي عالم اللغة..!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لَا يَنْتَطِحُ ‌عَنْزَانِ، وَلَا يَنْتَقِرُ دِيكَانِ في شاعرية أبي الطيب وفحولته في النظم والقريض، ولكن قد يغمض على بعض الناس علمه وإمامته في علوم اللغة.

فلا جرم أنه فقهها، وحفظ غريبها، واستحضر شواهدها، ووقف على أسرارها، ما لم يتح لشاعر قبله غير الشافعي؛ فكلاهما كان إماماً فيها. أما أحدهما فقد غلب عليه الفقه والأصول، وأما الآخر فغلب عليه الشعر والقريض!

ما رأى الناس ثاني المتنبي... أي ثان يرى لبكر الزمان؟

ذكر ابن الصَّابِئ: «أنَّ ابن العَمِيد كانَ يُجلِسُ ‌المُتَنَبِّي، ويقعدُ بين يديه، فيقرأ عليه «الجمهرة»، لحفظه إياها عن ظَهر قَلْبٍ».

وفي وفيات الأعيان: «اجتمع المتنبي يوماً بأبي علي الفارسي، فقال له أبو علي: كمْ جاء من الجموع على وزن فِعلى؟ فقال: حجلى وظربى، قال أبو علي: فسهرت تلك الليلة ألتمس لهما ثالثاً فلم أجد. فقال: ما رأيت رجلاً في معناه مثله». وحسبك من يقول في حقه الفارسي هذه المقالة! وحجلى جمع حجل، وهو طائر معروف، وظربى جمع ظربان وهي دويبة منتنة الريح. قال ابن جني: «ولو لم يكن له من الفضيلة إلا قول أبي علي هذا فيه لكفاه».

وقع يوماً جدل لغوي بين أبي الطيب وابن خالويه بحضرة سيف الدولة، فقال الأمير: «ألا تتكلم يا أبا الطيب؟ فتكلم، ونصر سميُّه على ابن خالويه». فسؤاله الفتوى في مسألة لغوية بين إمامين دليل على سعة علمه وتضلعه في اللغة.

وكان، رحمه الله، من المكثرين في نقل اللغة والمطلعين على غريبها، ولا يسأل عن شيء إلا استشهد بكلام العرب من النظم والنثر. «وجملة ‌القول ‌فيه ‌أنه ‌من ‌حفاظ اللغة ورواة الشعر». قال الإمام تاج الدين السبكي «ولابن خالويه- مع أَبي الطّيب المتنبي مناظرات عديدة»، وقال السيوطي: «وله مع المتنبي مناظرات».

ومعلوم أن مناظراتهما مشهورة محفوظة عند العلماء، ووصلنا منها نُتَفٌ يسيرة، قد نعرض لها في حلقات قادمة.

 

Email