الزركلي شاعراً (2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

‌أغراض ‌الشعر خمسة: النسيب، والمدح، والهجاء، والفخر، والوصف.. ولقد نظم «الزِّرِكلي» الشعرَ في أغراض كثيرة، وأجاد فيها إجادة بليغة. غير أن نَفَسهُ في الغزل كان قصيراً، فقصائده الغزلية أبياته فيها لم تزد على ستة أو سبعة، وطريقته طريقة القدماء، ؛ في الوصف، والغزل العفيف، والغزل الفاحش، ومنه:

عَبِثَتْ ببردَتِها النسائم فاشْتَكَتْ

أعطافُها وتورَّدَ الخدَّانِ

خالستُها النظراتِ يطمعُني الهوى

بِحديثهَا، ولكُلِّ قولٍ ثانِ

ولم يقف شاعرنا عند هذا الحد، بل صرح أكثر، فقال:

فلمْ أرَ أحلى من مراشفها لمى

ولم أرَ أندى من مُقَبَّلِها فَمَا

ولا تكاد تقرأ له غزلاً إلا والقبلة فيه حاضرة.

ما أطيبَ القبلةَ من معسَّلٍ

كأنما نكهتَهَ المسكُ

قنصتُها والنفسُ في شَكِّها

في حذرٍ فانقطعَ الشكُّ

أما المديح عنده فقليل، منه ما يمدح فيه نفسه، ومنه مدحه بعض الأصدقاء، ومنه مدحه المناضلين.

أما الشعر الوطني عنده فحظه كبير! فقد طغى على بعض الأغراض الأخرى، وما ذلك إلا أن بلاده قد مزقها الاستعمار، فأصبحت تتوق للحرية من الآصار، قال في «سوريا»:

انظر إلى القومِ لا حول ولا عضدٌ

ثاروا على البَغْي ما هابُوا ولا ريعُوُا

أباةُ ضيمٍ، مقاديمٌ إذا استَعَرتْ

لظَى نضالٍ، مناجيدٌ، مساريع

وفي خضم ذلك لم ينس مصر التي استقبلته كواحد من أبنائها:

أَضَأتِ كالبدرِ في مُحْلَولَكِ الغسَقِ

والشرقُ في مدلهمِّ الجهلِ لم يُفقِ

نهضتِ والشرقُ في مهدِ الكَرَى

وَسِنٌ كأنه موثَقٌ في محكم الرَّبَقِ

أراك كالنَّسر، تعلين النجومَ، وما

أرى دمشقَ كغير الطائر اللثق

اللّثَق: الوحل.

أما رثاؤه فقد غُلبَ بالحزنِ والدموع:

استنفدِ الدمعَ وإلا فدعْ

ما قطراتُ الدمعِ بالمُجدِيَهْ

ويقول في مرثية أخرى:

صدقت واللهِ عهدكَ

لا جف دمعي بعدك

آليت ميتة حرٍّ

وبتَّ تحملُ بندك

وفي رثائه سعداً:

خل المدامعَ وحدها تتكلمُ

أدهى الفجائعِ ما يصمُّ ويبكمُ

وهي أمثلة كثيرة لو تتبعناها...!

Email