الزِّرِكْلي شاعراً...! (1 - 2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعود صلتي بالزِّرِكْلي ـ مؤرخاً ـ إلى أيام الطلب الأولى، حين وقع في يدي عِلقَهُ النفيس، مَدارُ الترجمة والتأسيس «الأعلام»؛ فملأ في المكتبة فراغاً؛ فلم أجد عنه مراغاً، فزخرهُ بأعلام العرب والمستعربين؛ ألماناً، وانجليزاً، وفرنسيسْ، كُتّاباً وشعراء ورجال تسييس؛ منذ عهد الجاهلية، ومروراً بالدين الرئيس.

فضبط فيه الأسماء والألقاب، وسنة الوفاة لمن حضر منهم وغاب، وذكر الكتب وميزاتها، مطبوعها ومخطوطها، وحسبهُ فخراً أنه زين كتابه بترجمة سيد الخلق أجمعين، سيد الأولين والآخرين؛ في كلمات مئين!!

وقد وصفه صديقه الأديب علي الطنطاوي بقوله: «مؤلفُ الكتاب العظيم» «الأعلام»؛ أحد الكتب العشرة، التي يفاخر بها هذا القرنُ القرونَ السابقات.

ومنذ ذلك الحين توطدت العلاقة بيني وبينه، فشغلتُ عن غيره من الأسفار، فلمْ أرَ أعجَبَ منْه في تصاريفِ ‌الأسْفارِ. ولا قرَأتُ مِثلَه في تصانيفِ ‌الأسْفارِ!

ثم تمضي الأيام، وتمر السنون، فأقرأ قصيدته البارعة «حنين» فتنبجسُ نفسي صنوفاً من الألم والأنين، فكانت بحق مسلاة كل مغترب حزين. قال:

‌ ‌العينُ ‌بعد ‌فراقها ‌الوطنا

لا ساكناً ألفتْ ولا سكنا

ريانةٌ بالدمع أقلقها

أنْ لا تحسَّ كرىً ولا وَسَنا

يا طائراً غنّى على غصن

والنيلُ يسقي ذلك الغصنا

أذكرتني بردى وواديَه

والطيرَ آحاداً به وثُنى

وأحبةً أسررتُ من كلفي

وهواي فيهم لاعجاً كمنا

لي ذكرياتٌ في ربوعِهمُ

هنَّ الحياةُ تألّقاً وسنا

ليت الذين أحبّهم علموا

وهمُ هنالك ما لقيتُ هنا

وقديماً حنَّ السَعدي إلى ـ الشام ـ فقال:

لئن طال ليلي بالعراق لربما

أتى لي ليل بالشآم قصير

ومنها البيت المشهور:

عوى الذئبُ فاستأنست بالذئب إذ عوى

وصوّت إنسان فكدت أطير

ومثلما حنَّ الشاعران إلى ملاعب الصبا شعراً، أبدع الطنطاوي في ذلك نثراً: «دمشق.. وهل توصف دمشق.. هل تُصوّر الجنةُ لمن لم يرها.. كيف أصفُها وهي دنيا من أحلام الحب، وأمجاد البطولة، وروائع الخلود.. من يكتبُ عنها وهي من جنات الخلد الباقية.. بقلمٍ من أقلام الأرض فانٍ!!

 

Email