الشاعر الاجتماعي!

ت + ت - الحجم الطبيعي

فرغت من تصفح ديوان حافظ إبراهيم، لأضعه إلى جانب ديوان أمير الشعراء أحمد شوقي.

تركته، وما زلت أحس دبيب الحياة في كل بيت قرأته، وأشعر بالحرارة تسري في كل كلمة من كلماته، فخلتُ أنني أسبح في بحر من الجزالة والنصاعة والبيان، والدقة في التركيب والتبيان، وهل ثمة شاعرٌ أو ناثرٌ يكابر أو يماري فيما قلت، ويصفني بالإفك والبهتان!!

على أن شعره مع قوته مَشوب بشيء من الاضطراب والبعد عن الصواب.

وقد أخذ النقاد أشياء مثل ذلك على شعراء العصر الجاهلي وما تلاه من العصور.

غير أن ما يميز حافظاً طبيعته القوية، وثقافته الغنية، فقد رعى نفسه، وأنفق فلسه في طلب الأدب ليتزيّن به بين الناس، ويغدو في جلائل الجُلاس، حتى أمسى - مع الزمن - صرحاً عالياً، متين البنيان، راسخ الأركان.

ومهما كان رأي النقاد فيه، فإن رأي خلصائه وأصدقائه أكثر قارئيه، وأعظم سَواد طالبيه.

فلا جرم أن كان حافظاً لا يُبارَى عبقريُّه؛ ولا ‌يُفْرى ‌فرِيُّه بعجيب صنعته، وقويّ إلهامه وحرفته، وتأثيره في شعراء عصره، ونظام دهره، ومن جاء بعدهم، حتى صار شاعر النيل، والصادح الأثيل، ذا المجد الأصيل.

وقد ذكر الأديب الرافعي أن الأستاذ محمد كرد علي لقبه بشاعر المجتمع، أيام كان في مصر، فتعلق حافظ باللقب ورآه تعبيراً صحيحاً، وبيعاً ربيحاً، ومطابقاً لما في نفسه صريحاً.

ويرجع النقاد عبقريته إلى تعلقه بلزوميات المعرِّي، واستظهاره أكثرها، فكانت باعث ميله ونزعته إلى الشعر الاجتماعي.

قال الرافعي: قال لي حافظ يوماً: «أنا لا أعد شاعراً إلا من كان ينظم في الاجتماعيات، فقلت له: وما لك لا تقول بالعبارة المكشوفة: إنك لا تعد الشاعر إلا من ينظم مقالات الجرائد». وقد كان بعض النقاد يرون في حافظ أنه في الأصل مؤرخ وشاعر، وليس العكس، فقد برز للتاريخ في أصل طبيعته، ثم زيدت فيه موهبة الشعر،... وصح له بهذا الاعتبار أن يقول إنه الشاعر الاجتماعي.

Email