اجتهد النقاد والأدباء في تقسيم طبقات الشعراء، فكانوا طرائق قدداً، وأَعلَى الأنام يداً، وأشرفهم محتداً، فطريقة الأصمعي في «فحولة الشعراء»، وابن سلام الجمحي في «طبقات فحول الشعراء»، وابن قتيبة وابن المرزباني في كتابيهما «الشعر والشعراء»، غير أن صاحب الطراز، المؤيد باللَّه (ت 745هـ)، سلك في تصنيفهم مسلكاً معجباً،

‌‌قال: والشعراء طبقات ثلاث:

‌‌طبقة شعراء الجاهلية: كامرئ القيس، وزهير، والنابغة،

‌‌وطبقة المتوسطين: كالفرزدق، وجرير، والأخطل،

‌‌وطبقة المتأخرين: ‌أبو ‌تمام، ‌والبحتري، والمتنبي.

والحق أن حفظ أشعار الطبقات الثلاث مطلوب ومرغوب، غير أنه لا يستطاع إلا بعون علام الغيوب. وقد يتحسر الشاعر على فوات ذلك المحبوب، غير أني رأيت أن من يقرأ دواوين المتأخرين، طبقة ‌أبي ‌تمام، ‌والبحتري، والمتنبي، يجد فيها عوضاً، وقد وجدت الإمام ابن الأثير يؤيد هذا الرأي في كتابه «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر»، قال: «ولقد وقفت من الشعر على كل ديوان ومجموع، وأنفدت شطراً من العمر في المحفوظ منه والمسموع، فألفيته بحراً لا يوقف على ساحله، فعند ذلك اقتصرت منه على ما تكثر فوائده، وتتشعب مقاصده؛ إذ المراد من الشعر إنما هو إيداع المعنى الشريف في اللفظ الجزل واللطيف، وقد اكتفيت في هذا بشعر أبي تمام، وأبي عبادة الوليد، وأبي الطيب المتنبي، الذين ظهرت على أيديهم حسنات الشعر، ومستحسناته، وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين إلى فصاحة القدماء».

ورأى بعض العلماء أن يعد في اللغة ما استعمله أبو تمام والبحتري والمتنبي، وقال: «فإذا استعمل هؤلاء لفظة أو تعبيراً لم يرد في المعاجم، ووجدناه صالحاً يسد حاجة من حاجتنا، استعملناه».

وقد استشهد الزمخشري والفارسي في كتبهما بأبيات لأبي تمام.

وأخيراً، فقد اختلف النقاد فيهم كثيراً، أيهم أفضل؟ وفصل بعضهم في التفضيل بينهم في أشياء لا يتسع المقام لذكرها.

سُئِلَ أَبُو العَلَاء المَعَرِّي: مَن أَشعر الثَّلَاثَة؟

فَقَالَ: حَكِيْمان، والشَّاعر: البُحْترِي.