رحلة القاضي أحمد بن فضلان (2-2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن قيمة رحلة القاضي أحمد بن فضلان، رسول المقتدر إلى ملك الصقالبة والبلغار«ألموش بن يلطوار»، تكمن في تصويرها البلاد التي زارها، وتصوير طبيعتها الثقافية والاجتماعية، فقد زودت التاريخ بشذرات مهمّة عن معيشة شعوب في الجهة الأخرى. فسدت ثغرة تاريخية، وصارت قبساً في دراسة شعوب ما وراء النهر، وشكلت قفزة في فن وتاريخ الرحلات، حيث نقلتها إلى مستوى متقدم عميق، من التحليل، والتفسير، والتعليق. وقد ثمنها العلماء، لما تضمنته من رواء وغناء، في أسلوب قصصي شائق، وكلام طلي رائق. وقد وصف ابن فضلان لباسهم وزينة نسائهم وصفاً دقيقاً، فرجالهم مُنحوا بسطة في الجسم، قال: «فلم أرَ أتم أبدانا منهم؛ كأنهم النخل، شقر حمر»،... «ومع كل واحد منهم فأس وسيف وسكين لا يفارقه، وسيوفهم صفائح مشطبة إفرنجية».

ووصف زينة نسائهم: «وفي أعناقهن أطواق من ذهب وفضة، لأن الرجل إذا ملك عشرة آلاف درهم صاغ لامرأته طوقاً، وإن ملك عشرين ألفاً صاغ لها طوقين، وكذلك كل عشرة آلاف يزداد طوقاً لامرأته، فربما كان في عنق الواحدة منهن الأطواق الكثيرة..».

وأما حياتهم الاجتماعية فلم يرَ كبير اهتمام بالنظافة، ولا رعاية للذوق العام. وهذا الذي ذكره ابن فضلان؛ مما يتصل بالعادات والتقاليد الراسخة عندهم، فقد زرت موسكو عام 2006، ورأيت ذلك بأم عيني.

ويبقى أنها الرحلة الوحيدة ـ حسب علمي ـ التي أرخت لهذه المنطقة، ودرستها دراسة عميقة، فاستفاد منها؛‌‌ ابن ‌رُسْتَه (ت نحو 300 هـ)، والمسعودي (ت 346 هـ)، والاصطخريّ (ت 346 هـ)، والمقدسي (ت 390هـ)، والحموي (ت626هـ)، وغيرهم؛ من المستشرقين المنصفين والغالين، فترجموها إلى؛ الروسية، والانجليزية، والألمانية، والفرنسية، والتشيكية. ولفرط اعتزازهم به فقد رأوا أن يوثقوها ويبثوها في برامج متلفزة، عبر قنواتهم الناطقة باللغة العربية مثل؛ «روسيا اليوم».

Email