رحلة القاضي أحمد بن فضلان (1-2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

انبعثت شرارة الرحلات العربية قديماً -في مجملها- إلى العالم بغرض الكشف عن طبيعة الأرض وساكنيها، وحقيقة الأفكار ومعتنقيها، فتشكل من ذلك، على مدى قرون طويلة، مكتبات معرفيّة جليلة، وخزائن علمية جزيلة، فيها القصص والحكايات، والطرائف المسليات، عن العَجْماواتِ والجَماداتِ، فأغنت مَنْ نَبا سمْعُهُ عنْ تلك الروايات، أو فاته لقاء رُواتها في وقتٍ من الأوقات.

غير أن رحلة القاضي الشاب الأربعيني أحمد بن فضلان، رسول المقتدر إلى ملك الصقالبة والبلغار «ألموش بن يلطوار»، صحبة نخبة من القادة، والجند، والتراجمة، والعلماء، والفقهاء الأخيار، إجابةً لطلب ملكهم، بغية العون على تهديدات الخزر، والغجر، وسؤاله إياهم المال الحلال، تبركاً به، لبناء مساجد أمينة، وقلاع حصينة، يحمي بها أطراف المدينة، وينفذ إليهم أيضاً من يفقههم في الدين، ويعرفهم شعائر الإسلام، وحبله المتين، قد أجيبت في أقرب حين.

وكانوا قد اعتنقوا الإسلام من قريب، بعيداً عن أعين الرقيب، وانطلقت البعثة من بغداد (في 11 صفر 309هـ)، تقطع السهول والوهاد، وتُحاور الأصلاد، وتمر على الأقتاد، حتى مرت بالريّ وهمذان، وبخارى وقازان، ونيسابور، ومرو، ثم مع نهر جيحون، إلى خوارزم إلى بلغار الفولغا في( 18 محرم 310هـ).

والصقالبة هم سكان شمال القارة الأوروبية، على أطراف نهر الفولغا، وعاصمتهم على حدود (قازان) اليوم في خطٍّ موازٍ لمدينة موسكو.

وقد كلَّف المقتدر ابن فضلان بتدوين الرحلة، فدوّنها في رسالة ظلت مفقودة قروناً طويلة، حاشا وريقات بسيطة ضمنها ياقوت كتابه «معجم البلدان» لم يُعثر عليها إلا في عام «1817م»، وُجدت في روسيا، نشرته أكاديمية سان بطرسبورغ عام 1923م بتحقيق المستشرق الروسي كراتشكو فسكي عام 1939م.

ومن الطريف أن الروائي والسينمائي الأمريكي كريكتون كتب رواية خيالية هوليودية ساخرة عام 1976م بعنوان «أكلة الموت»، تخيل فيها القسم الناقص من الرسالة، وزعم أنها النص الكامل، من دون أن يذكر مصادره ومراجعه التي استند إليها، فما كان منه إلا أن غيّر مجرى أحداث الرحلة، من روسيا إلى السويد!

Email